قبل البدء بالكلام يجب ان نعرف هناك حقيقتان أولهما ان الأمام الحسين (ع) قام بنهضته وفق ما اقتضاه الأمر الإلهي له كإمام معصوم واجبه الشرعي أصلاح أمر انحراف الحكم الأموي عن خط الإسلام وسنة الرسول الأعظم (صلى ) وثانيهما انه كان عارفا النتيجة التي سيؤول أليها والمصير الذي سيلاقيه حتما من قتل له ولأهل بيته وأنصاره وسبي نساءه وهذا يمكن أثباته بأكثر من دليل نحن في غنى عنه لمثل هذه المقالة القصيرة ، لهذا اعد العدة لكل شيء بشكل متقن ، فقد ارتحل من المدينة المنورة الى مكة المكرمة قبل موسم الحج ليلتقي بالحجيج المتوافد من كل بقاع الأرض الإسلامية ليؤكد لهم معارضته للحكم الأموي المتمثل بخلافة يزيد بن معاوية ورفضه مبايعته ، كما كان خروجه المفاجئ من مكة في يوم التروية ( 8 من ذي الحجة ) قبل يوم من عرفة يلتمس من وراءه هدفا كبيرا جعلت جميع الحجيج يتحدثون عن قيام الأمام الحسين بنهضته ضد الغاصب يزيد فكان سببا لا يقاض بعض ضمائر المسلمين بعد ان أصابهم الإعياء والخدر والتكاسل والترغيب والترهيب الذي مارسته السلطة الأموية معهم خلال أربعة عقود من الزمن ، ولهذا اننا لا نستطيع ان نجد مبررا واحدا معقولا غير الذي ذكر ، وإلا لو كان الأمام الحسين(ع ) يريد كربلاء مباشرة لكان قد وفر عناء سفر مسافة ما يقارب 1000 كم ذهابا وإيابا من المدينة الى مكة وبالعكس .
لقد وزع الأمام الأدوار والمهام الحربية على أهل بيته وأصحابه وافرد الدور الإعلامي لولده زين العابدين ولأخته الحوراء زينب الكبرى (ع ) وكان من أهم المسؤوليات التي انيطت أثناء المعركة وبعدها ، فقد كانت السلطة الغاشمة معتمدة على التضليل والخداع في مسالة الأعلام لعموم الناس وإلا ماذا يفسر ان ترسل الرؤوس والسبايا من الكوفة الى الموصل ثم الى الشام بطرق صحراوية سكنتها قليل من الناس والمسافة من الكوفة الى الشام اقصر من الأولى في نفس الوقت أوهموا الناس الساكنين في هذه اطرق بإقامة الاحتفالات والأفراح بمناسبة نصر يزيد على هؤلاء الخوارج وهذا ما استطاع الأمام زين العابدين ان يفنده عندما سمع شيخا من آهل الشام يقول الحمد لله الذي خذلكم ونصر أمير المؤمنين يزيد فقال له الأمام يا شيخ هل قرأت القران فقال نعم وبدء يعرض عليه آيات المودة والتطهير … الخ والشيخ يسمع ويقول انتم فيقول نحن إلا ان بكى الشيخ بعد ان عرف الحقيقة فما كان منه الا ان سبب يزيد ومعاوية ، كما كانت خطبة الأمام الشهيرة في مجلس يزيد هي الأخرى برنامجا إعلاميا مضادا كشف الحقيقة أمام الرأي العام فما كان من يزيد آلا ان يأمر المؤذن ان يؤذن ليتخلص من هذه الحرج والأدلة التي كشفت زيف ادعاءه ولكن الأمام أقام الحجة عليه حتى في الأذان عندما سأله الرسول الذي نصلي عليه هو جدك ام جدي فان زعمت انه جدك فقد كذبت وان قلت جدي فلماذا قتلت أبي الحسين .
لقد كانت هذه الحج البليغة التي تفوه بها الأمام علي بن الحسين (ع ) أثارت موجة من الغضب بين الحاضرين وكانت سببا لتعاطفهم مع مصيبة الحسين وأهل بيته وفعلا هذا حصل بتمرد اليزدي على يزيد في مجلسه فدفع حياته وهو شيخ كبير ثمنا لهذا الموقف المشرف .
كما أن زوجة يزيد المخدرة هند خرجت من قصرها فاقدة الشعور عندما سمعت خطبة الحوراء زينب مستنكرة جريمة زوجها البشعة بحق أهل بيت النبوة .
عاد الأمام زين العابدين إلى مدينة جدة رسول الله (صلى ) حيث مارس نفس الدور بطرق أخرى لفضح النهج الأموي واستحضار مظلومة الأمام الحسين وكانت سذاجة الحكام وغبائهم لم ينتبهوا لهذه الوسائل التي اعتمدها الأمام والتي تمثلت ب
1 – البكاء : لقد كان هذا البكاء ليس بكاء عاطفيا حيث ما بكى الأمام زين العابدين على الحسين أبا وإنما بكى النور والنور هو نور الله ورسوله الذي زعم يزيد انه قادر على إطفاءه .
لقد كان هذا بكاء ربانيا حيث كان يدخل الى القصابين ويوقف حركة السوق مستفسرا منهم هل الكبش يروى الماء قبل الذبح ؟ وعندما يجبوه نعم يتوجه الى جهة كربلاء فيقول الكبش لا يذبح حتى يعرض على الماء وابن بنت رسول الله ذبح عطشانا ، طبعا هذا الموقف مؤثر ومن يسمعه يكفر بالحكم الأموي الذي انعدمت فيه كل القيم الخلقية والإنسانية فكانت هذه الطريقة والأسلوب أثارت سقط الناس ونقمتهم .
2 – الأنفاق والإعتاق : لا نستغرب أبدا ان كرماء العرب أربعة الإمامين الحسن والحسين ( ع ) وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن العباس ، فانظر ان الأمام زين العابدين ابن احدهم ، لقد كانت للأمام الحسين (ع ) بساتين وضيعات في المدينة والأمام زين العابدين استخدام ريعها في مساعدة الفقراء وإعتاق العبيد بعد ان تعرضت المدينة الى وقعة الحرة وحروب عبد الله بن الزبير ومروان فكان هؤلاء الفقراء والمعوزين والمعتقين اتبعوا نهجه في نشر مظلومية الحسين وأصبحوا اعدءا للسلطة الأموية وتحمسوا لسقوط كيانها .
3 – الدعاء : وضع الأمام زين العابدين (ع ) استتراجية محكمة لمواجهة السلطة الغاشمة وإفشال مخططاتها المنحرفة عن الشريعة السمحاء من خلال الدعاء الذي نظم علاقة العبد بربه وعلاقته بنفسه ومع الآخرين وهذه الأدعية المأثورة التي عرفت فيما بعد بالصحيفة السجادية والتي اليوم منظمة حقوق الإنسان استعانت بها كمصدر تشريعي ، فيمكن ان نتصور الى اي مدى استطاع الأمام ان ينهض بالواقع المؤلم التي عاشته الأمة الإسلامية تحت الضغط والكره والتعصب والبطش والأمام دعواه هكذا تحررية .
لقد استطاع الأمام ان يشعل الشرارة في نفوس المسلمين والتي أصبحت حريقا واسعا في سلطان بنو أمية تمثلت بثورة سليمان بن صرد الخزاعي في الكوفة وتمرد آهل المدينة التي قمعها يزيد في وقعة الحرة وقتل سبعمائة من قراء القران واستباحها ثلاثة أيام وافتضت ألف من النساء البواكر فيها كما حصلت ثورة عبد الله بن الزبير في مكة والتي استخدمت فيها المنجنيق حتى ضربت أستار الكعبة المشرفة .
لم يكن الأمام زين العابدين ومن قبله أبائه وأجداده آهل ضغينة وثار بل كان هدفه إزالة الانحراف الذي حصل في دين جده والتي قتل من اجله أبيه الحسين (ع ) ومن هنا يمكن ان تلتمس النفس الكبيرة والروح العالية المتسامية للأمام حيث عندما ضاقت الدنيا بمروان بن الحكم بعد ان انتفض المسلمون عليه لم يلجا الى احد غير الأمام زين العابدين ليودع زوجته عائشة بنت عثمان في بيته ومروان وما أدراك ما مروان فهو عدوا لجده وأبيه وهو من رمى نعش عمه السبط بالسهام ومنع من دفنه مع جده رسول الله (صلى ) ولكن كل أناء بالذي فيه ينضح .
[email protected]
http://rajialawady.jeeran.com