شكل مقتدى الصدر حجر عثرة أمام المشروع الشيعي في العراق, كما إنه وبشلته التي انضوت تحت عباءته, رسم صور بائسة وسيئة عن الشيعة لا تعكس حقيقتهم الايمانية والانسانية, فانتج لنا نماذج مجرمة وسفاكة من امثال ابي درع وحاكم الزاملي, ونماذج فاسدة عاثت بمقدرات البلد وهذه النماذج لا تحتاج الى اثبات فاقتصاديات التيار معروفة بفسادها واخذها الاتاوات والكومشنات من الشركات والمقاولين والمستثمرين وما ابو اكثم الا نموذج منها.
يذكر جون نكسون في كتابه استجواب الرئيس ان الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش كان لا يساله عن صدام وعن اقواله بل كان في كل لقاء له معه يساله عن مقتدى الصدر, ويقول نيكسون انني كنت استغرب من الرئيس هذا الفعل فهو لا يسال عن صدام واسلحة الدمار الشامل وعن اعترافاته بل يسال عن مقتدى الصدر والذي كان شخصية مغمورة وقتها.
اصرار الرئيس بوش على معرفة مقتدى هو نموذج من التفكير الامريكي للعب بالاوراق الموجودة على الساحة, فمقتدى الصدر -الذي رسم اول صوره له بالعداء للشيعة من خلال قتله السيد عبد المجيد الخوئي ثم تهديده للمراجع الشيعية لتهجيرهم من العراق ونصبه العداء للمرجع الاعلى السيد السيستاني- كان يمثل خيارا مثاليا لأمريكا للقضاء على الحالة الشيعية من الداخل.
حمل الشيعة هم الوطن, وسعوا الى الخلاص من الاحتلال وبناء الدولة وهذا ما ظهر جليا في كلام السيد السيستاني, فاتخذت امريكا ومن يحوطها من عربان الخليج “السنة” منهج تنظيم القاعدة لضرب الحالة الشيعية, فغدت المفخخات تفتك بأبناء الشيعة في الاسواق والمساجد والزيارات والجامعات, ووقف مقتدى هنا موقف المتفرج عما يجري للشيعة, بل انه انحرف باتجاه القاعدة وصار مناصرا لهم فنادى بشعارات لا صوت يعلوا فوق السنة وكان يصف الارهابي حارث الضاري بالأخ المجاهد.
شيئا فشيئا بدأ يكبر مقتدى الصدر, وبدأت امريكا تعمل لتقويته وتقوية تياره, فترى الاعلام ينصب بالتسقيط على كل ما هو شيعي الا مقتدى وتياره خارج دائرة التسقيط, وتتهم كل عمامة بالفساد الا عمامة مقتدى في منأى من ذلك, ويتهم كل الشيعة بالفساد الا فاسدي مقتدى فوق القانون, ويتهم الحشد ويخون الا سرايا السلام لا تُمس, وتتهم الفصائل بان سلاحها خارج نطاق الدولة وانها مليشيات الا لواء اليوم الموعود وتشكيلات مقتدى خارج دائرة الاتهام.
اُفْسِحَ المجال لمقتدى كي يكبر سياسيا وحكوميا ومليشاويا, حتى بات رقما يصعب تجاوزه او المساس به, فغدا يتوعد السياسيين ويحارب المؤمنين ويتهم المجاهدين دون ان ينبس احدهم ببنت شفة تجاهه, حيث يتمسك الشيعة الباقون بالحفاظ على الكيان الشيعي من التضعضع, ويتحاشون الصِدام مع مقتدى كي لا تحدث حرب شيعية-شيعية كما حدثت في اعوام 2004 و2007.
علمت امريكا ان الشيعة مهما تضعضوا الا انهم يقفون سندا للعقيدة, فلما فشلت القاعدة وادخلت داعش كان العقائديون يذودون عن الوطن, وكان مقتدى طاعنا لهم, ومنزها للسنة من تبعات داعش, وبعد ان يئست امريكا وعربان الخليج من الحرب العقائدية اتخذت الحرب الناعمة, فأنتجت تشرين التي كان عرابها ومغذيها مقتدى الصدر, الذي لولاه لما كان لتشرين تأثيرا يذكر, فنزلت قواته وقبعاته الزرق وحمت تشرين, وراح اتباعه من الهمج الرعاع بعد مقولته “ماكو وطن ماكو دوام” بإغلاق المدراس والوائر واحراق بيوت المسؤولين وترويع الامنين وارهاب الموظفين, واخذت عصاباته تفتك بالمجاهدين كما حدث للشهيد وسام العلياوي واخيه عصام, وبفضل حنكة وحكمة السيد السيستاني تم وئد فتنة تشرين باقل الاضرار.
بعد الفشلين الامريكيين من خلال الحرب العقائدية”القاعدة وداعش” وتشرين اخذت تخطط وتفكر بضرب الشيعة من الداخل بعد ان رأت توحدهم تجاه العدو الخارجي.
لا يوجد خيار مثالي لأمريكا وعربان الخليج لضرب الحالة الشيعية في العراق افضل من مقتدى الصدر وتياره, فهو يملك جمهور ارعن جاهل يعتبر مقتدى معصوما لا يأتيه الباطل, ويعتبره قائدا محنكا وزعيما روحيا يجمع بين السياسة والدين, وهذا الجمهور مستعد لان يكون الة دموية للفتك بإشارة واحدة من مقتدى, لذا فان امريكا تعتبر اسناد منصب رئاسة الوزراء لمقتدى حالة مثالية لتفتيت الحالة الشيعية وضربها من الداخل.
فمقتدى معادٍ للحشد وعدو للمرجعية –كونه يتهم المراجع بقتل ابيه- وغير مائل للجمهورية الاسلامية, وليس لديه مشكلة مع السنة ولا يرفض الحالة الخليجية ويقبل بأمريكا وبريطانيا كحليفين مقابل الزعامة.
اسناد رئاسة الوزراء لمقتدى والذي عملت عليه امريكا يجعل الحالة الشيعية في حالة صِدام مباشر, حيث سيقوم رئيس الوزراء الصدري “القح” بالسعي لحل الحشد او تذويبه بالأجهزة الامنية, وستقوم ماكنته الارهابية بتخويف اي شيعي ينتقد رئيس الوزراء القح, وسيصح الامر متروكا للعصابات المقتدائية للعب بالعراق كيفما تشاء, لكن هذه المرة عبثها سيكون تحت غطاء الحكومة ورمزية الدولة, ومسنود بدعم دولي امريكي بريطاني, عرابه وجسره لنقل التفاهمات جعفر الصدر الذي اختاره مقتدى ليكون سفيرا للعراق في بريطانيا لترتيب الاوراق.