19 ديسمبر، 2024 1:12 ص

لما فعلت وستفعل ايران ستصبح وبجدارة شيطان المنطقة

لما فعلت وستفعل ايران ستصبح وبجدارة شيطان المنطقة

رغم أن ثمة أسبابا موضوعية وجيهة للاشتباك بين العرب وإيران، إلا أننا ينبغى أن نتساءل: أما من نهاية لهذا الصراع؟
1-لدى قطاع عريض من الرأى العام العربى أصبحت إيران تحتل موقع «الشيطان الأكبر»، وهو ذات الوصف الذى أطلقته على الولايات المتحدة فى أعقاب الثورة الإسلامية التى احتفت بها والتفت حولها الجماهير العربية قبل ٣٧ عاما. إلا أن الأمر اختلف الآن، بحيث لم تنفض الجماهير من حول الثورة فحسب، وإنما أساءت الظن بها إلى الحد الذى أحدث انتكاسة فى موقفها إزاءها. ولعلى لا أبالغ إذا قلت إن الحفاوة العربية كانت منصبة على الثورة حين كانت بعيدة عنهم. لكن المزاج العربى تغير وانقلب حين اقتربت الدولة الإيرانية من العالم العربى، وصار لها حضور فى سوريا ولبنان والعراق واليمن. وهى الأقطار التى تباهى البعض فى طهران بأن نفوذ بلدهم وصل إليها وصار مؤثرا فى خرائطها وسياساتها.

صحيح أن ثمة دوائر شعبية (سلفية بالأساس) وأقطارا عربية ناصبت الثورة الإسلامية العداء من البداية، قبل تمدد النفوذ وانتشاره النسبى، وكان ذلك راجعا لأسباب مذهبية تارة ولمخاوف سياسية تارة أخرى متأثرة بالضغوط الغربية، إلا أن الوضع اختلف الآن بصورة درامية. فتصالحت إيران مع الدول الغربية ومع «الشيطان» الأمريكى الأكبر بدرجة أو أخرى، فى حين تباعدت المسافات وتعمقت الفجوات بينها وبين أغلب الأنظمة فضلا عن الشعوب العربية. وفى الوقت الذى لاحت فيه بوادر استعادة الثقة بين طهران والدول الغربية، فإن الشكوك والهواجس إزاء إيران تضاعفت فى العالم العربى. وبعدما خرجت التصريحات من طهران مزهوة بوصول نفوذ إيران إلى أربع عواصم عربية، فإن الفجوة بينها وبين العالم العربى لم تعد بحاجة إلى ضغوط غربية أو دسائس إسرائيلية لكى تزداد اتساعا وعمقا. وحين وقفت إيران داعمة للنظام السورى ضد شعبه الذى ثار عليه، فلم يعد بمقدورها أن تتحدث عن دفاعها عن المستضعفين ومنازلة المستكبرين، لأنها بذلك برهنت على أنها أسقطت «شاها» فى إيران فى حين ساندت «شاها» آخر فى سوريا.

2-هذا الذى ذكرت تلخيص لبعض ما قلته فى عدة لقاءات أثناء زيارتى الأخيرة لطهران. أحدها مع رئيس مجلس الأمن القومى ووزير الدفاع الأسبق السيد على شمخانى والثانى مع الدكتور على ولاياتى مستشار المرشد ووزير الخارجية الأسبق ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية والثالث فى اجتماع مع مركز الدراسات الدولية بوزارة الخارجية والرابع مع أساتذة ودارسى جامعة الدراسات العالمية. والخامس فى اجتماع مع نخبة من مثقفى التيار الإصلاحى.

خلال اللقاءات عرضت لتلك الملاحظات وأضفت إليها تحليلا لمسار وتحولات العلاقات العربية الإيرانية، وكانت مسألة التدخلات الإيرانية فى العالم العربى هى الأبرز فى الحوارات التى دارت (حين التقيت السيدين شمخانى وولاياتى لاحظت أن كلا منهما وضع أمامه ترجمة فارسية لمقالة نشرت لى فى ١٨/١٢/٢٠١٤ انتقدت فيها تصريحا نقلته وكالات الأبناء قبل ذلك التاريخ بثلاثة أيام تحدث فيه الدكتور ولاياتى عن وصول نفوذ إيران إلى العواصم العربية الأربع). فى المعلومات المتعلقة بالتدخلات الإيرانية قيل لى ما يلى.

< إن الدكتور على ولاياتى لم يصرح بشىء بخصوص نفوذ إيران فى العواصم الأربع. ولكن الذى قال ذلك الكلام شخص آخر كان يعمل فى مركز الدراسات الاستراتيجية انفصل عنه. وهو الآن عضو منتخب فى مجلس الشورى.

< إن إيران لا تدافع عن شخص الرئيس الأسد أو نظامه كما أنها لم تشترك فى قتل السوريين، ولكن انشغالها بالقضية الفلسطينية هو العامل الأساسى الذى دفعها إلى الذهاب إلى سوريا، التى تشكل حليفا أساسيا للفلسطينيين ولحزب الله بدوره المشهود فى الدفاع عن القضية الفلسطينية.

< إن التدخل فى اليمن شائعة لا أساس لها من الصحة ومساعدة الحوثيين الذين ليسوا من الشيعة أصلا لم تتجاوز حدود الرأى والنصيحة التى استجابت لها طهران حين وجهت إليها. وكانت قد نصحتهم بعدم التقدم صوب الجنوب بعد دخولهم إلى صنعاء، ولكنهم لم يقبلوا بذلك الرأى وواصلوا إلى عدن ووضعوا الجميع أمام الأمر الواقع، وجرى بعد ذلك ما جرى. وفى كل الأحوال فإن إيران لم ترسل مستشارين إلى اليمن كما لم ترسل سلاحا إلى الحوثيين كما قيل.

< استقرار الأوضاع فى العراق يعد جزءا من ضمانات الأمن القومى لإيران. وهى حريصة على تثبيت الأوضاع هناك من الناحية الأمنية، ولا شأن لها بالأوضاع السياسية الداخلية.

< إيران ليست طرفا فى التفاعلات الحاصلة فى لبنان، وحزب الله جزء من القوى السياسية هناك ويمارس أنشطته وصلاحياته فى الإطار المتفق عليه بين مختلف القوى اللبنانية.

< المثقفون الإصلاحيون لهم تحفظهم على التمدد الإيرانى خارج الحدود، وقالوا إن ذلك كان رأى الإمام الخمينى، الذى اعترض على إرسال مجموعة من حرس الثورة إلى لبنان فى الثمانينيات، استجابة لطلب الحكومة السورية. حدث ذلك حين كان السيد على خامنئى (المرشد الحالى) رئيسا للجمهورية. وبعد أن وافق السيد خامنئى على إرسال ألفى عنصر من الحرس، فإن الإمام الخمينى أوقف العملية، وقال إن أبناء المنطقة يجب أن ينهضوا بذلك الواجب من أنفسهم، وكانت تلك القصة وراء فكرة إنشاء حزب الله وتأهيله للتصدى للعدوان الإسرائيلى.

3-لم أجد تلك الردود التى تعلقت بالتدخل مقنعة، وهو ما قلته صراحة فى كل لقاء، وفى تحليل المشهد ذكرت أننى بين مرحلتى الثورة الإسلامية والدولة الإيرانية. فى مرحلة الثورة الإسلامية التى تبدت خلال السنوات العشر الأولى، أثناء قيادة الإمام الخمينى، كانت القيم والتطلعات مختلفة فى حدود نصرة الإسلام وتحدى الهيمنة الغربية والاستكبار العالمى. وكانت نظرة طهران للعالم العربى الإسلامى أكثر انفتاحا ونضجا رغم نشوب الحرب العراقية الإيرانية واصطفاف أغلب دول المشرق إلى جانب بغداد. وبعد وفاة الإمام الخمينى وانتهاء الحرب مع العراق حدث التحول التدريجى باتجاه الانحياز إلى حسابات الدولة الإيرانية وليس الثورة الإسلامية. ولا أستبعد أن يكون ذلك التحول قد تأثر بدرجة أو أخرى بأجواء عداء بعض الأنظمة العربية للثورة الإسلامية، الأمر الذى أسهم فى إحياء الشعور القومى المسكون فى جانب منه بالمشاعر السلبية إزاء العرب وبقايا الصراع السياسى والمذهبى بين الدولتين الصفوية والعثمانية بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر. ونستطيع أن نتفهم أكثر ملابسات ذلك التحول إذا تذكرنا أن إيران حين خرجت من الحرب محملة بجراحها، فإنها وجدت نفسها تحت ضغط الحصار الغربى وحصار الأنظمة العربية، الأمر الذى دفعها إلى التحصن وراء مقومات وجودها واستمرارها، وكان الحس الوطنى والقومى أحد أبرز تلك المقومات.

فى تلك الأجواء برزت حسابات الدولة الإيرانية التى تمثلت فى هويتها المذهبية وتطلعات التمدد فى محيطها الجغرافى. ساعد على ذلك وشجع عليه حالة الضعف المخيم على دول المحيط الذى أدى إلى انهيار النظام العربى وأحدث فراغا شديدا فى موقع القيادة والتأثير، وفى ظله انفراط عقد العالم العربى بحيث أصبح كيانات متناثرة واهنة الإرادة وفاقدة للحصانة، وهو ما عبرت عنه مقالة قيمة نشرتها صحفية «الحياة» اللندنية فى ٢٠ يناير الماضى كان عنوانها «قوة إيران أم ضعف العالم العربى؟». إذ خلص فيها صاحبها الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أن «جوهر المشكلة التى يواجهها العالم العربى لا يكمن فى قوة إيران أو حتمية المواجهة معها، ولكن فى ضعف العرب، بما يثير لعاب كل دول الجوار القوية، وعلى رأسها إيران وتركيا وليس لعاب إيران وحدها».

4-إيران بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة التى حقق فيها الإصلاحيون تقدما مقدرا تجدد شبابها. إذ تتقدم بخطى ثابتة نحو استعادة عافيتها وتعزيز حصاناتها، خصوصا بعد الاعتراف بها دولة نووية ورفع الحصار الذى ضرب عليها قبل ٣٧ عاما. ثم انها تتطلع لإحداث نهضة اقتصادية بعد استعادة أرصدتها التى كانت مجمدة فى البنوك الغربية (أكثر من ١٣٠ مليار دولار). وفى الوقت الذى تتحالف فيه مع روسيا الاتحادية رغم تعارض المصالح بينهما، كما أنها فتحت أبوابها لتنشيط علاقاتها الاقتصادية مع تركيا من خلال الزيارة الأخيرة التى قام بها لطهران الدكتور أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء التركى. إذ تم فيها تسوية العديد من المشكلات الاقتصادية العالقة وتم الاتفاق على زيادة التبادل التجارى بين البلدين لكى يصل إلى ٣٠ مليار دولار سنويا. وحدث ذلك رغم الخلاف المذهبى المعلن بين البلدين (إيران الشيعية وتركيا السنية) ورغم الخلاف السياسى الجوهرى بينهما حول الموقف من النظام السورى.

ما أريد أن أقوله أن إيران أصبحت رقما مهما فى المنطقة يتعذر تجاهله، وهى تتجه لأن تصبح رقما أكثر أهمية، لا نستطيع أن نتجاهله ونكتفى بشيطنته وهجائه فى وسائل الإعلام ليل نهار. لذلك فإن الملف يستحق حوارا جادا بين الطرفين ينطلق من الاعتراف بأن كل طرف أساء إلى الآخر، وأن الطرفين مضطران إلى التعايش مع بعضهما البعض رغم ما بينهما من خلافات، ليس فقط بأمر الجغرافيا ولكن أيضا لأن ثمة عقيدة سماوية ينتسبان إليها كل على طريقته. ولست أشك فى أن لدى الجانبين عقلاء يستطعيون إدراك مخاطر استمرار الخصام والتنابذ، ومن ثم القيام بنقد موضوعى يمهد لصياغة تلك العلاقة على نحو يعالج الفجوة القائمة ويحقق التعايش المنشود.

ولابد الاشارة لأمور ثلاثة هى.

< إن الخلاف العربى مع إيران ينبغى أن يظل محصورا فى حدود سياسات الدول، بمعزل عن العوامل المذهبية والعرقية، لأن الدخول فى متاهة الصراع بين السنة والشيعة أو العرب والفرس مؤد إلى تأبيد الصراع الذى لا نهاية له ولا منتصر فيه.

< إن الدولة القومية فى إيران مستعدة للتفاعل مع الغرب والتقارب مع إسرائيل بأكثر من استعدادها للتفاعل مع العالم العربى، وبين الإصلاحيين من يعلن عن ذلك صراحة. وذلك مآل ينبغى أن يظل فى الحسبان إذا استمر التخاصم مع العالم العربى بوتيرته الراهنة.

< إننا ينبغى أن ندرك أن الشعب الإيرانى يظل شقيقا مهما تباعدت عنه المسافات أو تراكمت المرارات، وأيا كان رأينا فى ممارسات حكومته، فإن انتماءه إلى الأسرة الإسلامية يظل باقيا. ولا أعرف عقلا رشيدا يؤيد تأبيد مخاصمة عضو الأسرة أو بتره حتى إذا ما شرد أو جنح. حيث لا مفر من ضمه واحتوائه يوما ما. لذلك فإن سؤال الساعة هو: أين دور العقلاء والراشدين من الجانبين؟ وهل يعقل ان تهدأ وتيرة الصراع ضد إسرائيل فى حين يشتد أوار التجاذب والخصام مع إيران؟

أن إيران حين وقفت داعمة للنظام السوري ضد شعبه الذي ثار عليه، لم يعد بمقدورها أن تتحدث عن دفاعها عن المستضعفين ومنازلة المستكبرين؛ لأنها بذلك برهنت على أنها أسقطت “شاهًا” في إيران، في حين ساندت “شاهًا” آخر في سوريا، مشيرًا إلى أن إيران أصبحت تحتل موقع “الشيطان الأكبر” لدى قطاع عريض من الرأي العام العربي، وأن إيران مستعدة للتقارب مع “إسرائيل” أكثر من تفاعلها مع العرب.

“هل تصبح إيران شيطان العرب الأكبر؟”: “صحيح أن ثمة دوائر شعبية “سلفية بالأساس” وأقطارًا عربية ناصبت الثورة الإسلامية العداء من البداية، قبل تمدد النفوذ وانتشاره النسبي، وكان ذلك راجعًا لأسباب مذهبية تارة ولمخاوف سياسية تارة أخرى متأثرة بالضغوط الغربية، إلا أن الوضع اختلف الآن بصورة درامية، فتصالحت إيران مع الدول الغربية ومع “الشيطان” الأميركي الأكبر بدرجة أو أخرى، في حين تباعدت المسافات وتعمقت الفجوات بينها وبين أغلب الأنظمة، فضلًا عن الشعوب العربية، وفى الوقت الذي لاحت فيه بوادر استعادة الثقة بين طهران والدول الغربية، فإن الشكوك والهواجس إزاء إيران تضاعفت في العالم العربي، وبعدما خرجت التصريحات من طهران مزهوة بوصول نفوذ إيران إلى أربع عواصم عربية، فإن الفجوة بينها وبين العالم العربي لم تعد بحاجة إلى ضغوط غربية أو دسائس إسرائيلية لكي تزداد اتساعًا وعمقًا”.

وفي مرحلة الثورة الإسلامية التي تبدت خلال السنوات العشر الأولى، أثناء قيادة الإمام الخميني، كانت القيم والتطلعات مختلفة في حدود نصرة الإسلام وتحدى الهيمنة الغربية والاستكبار العالمي، وكانت نظرة طهران للعالم العربي الإسلامي أكثر انفتاحًا ونضجًا رغم نشوب الحرب العراقية الإيرانية واصطفاف أغلب دول المشرق إلى جانب بغداد، وبعد وفاة الإمام الخميني وانتهاء الحرب مع العراق حدث التحول التدريجي باتجاه الانحياز إلى حسابات الدولة الإيرانية وليس الثورة الإسلامية”.

ولا أستبعد أن يكون ذلك التحول قد تأثر بدرجة أو أخرى بأجواء عداء بعض الأنظمة العربية للثورة الإسلامية، الأمر الذي أسهم في إحياء الشعور القومي المسكون في جانب منه بالمشاعر السلبية إزاء العرب وبقايا الصراع السياسي والمذهبي بين الدولتين الصفوية والعثمانية بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر، ونستطيع أن نتفهم أكثر ملابسات ذلك التحول إذا تذكرنا أن إيران حين خرجت من الحرب محملة بجراحها، فإنها وجدت نفسها تحت ضغط الحصار الغربي وحصار الأنظمة العربية، الأمر الذي دفعها إلى التحصن وراء مقومات وجودها واستمرارها، وكان الحس الوطني والقومي أحد أبرز تلك المقومات”.

وفي تلك الأجواء برزت حسابات الدولة الإيرانية التي تمثلت في هويتها المذهبية وتطلعات التمدد في محيطها الجغرافي، ساعد على ذلك وشجع عليه حالة الضعف المخيم على دول المحيط الذي أدى إلى انهيار النظام العربي وأحدث فراغًا شديدًا في موقع القيادة والتأثير، وفى ظله انفراط عقد العالم العربي، بحيث أصبح كيانات متناثرة واهنة الإرادة وفاقدة للحصانة، وهو ما عبرت عنه مقالة قيمة نشرتها صحفية “الحياة” اللندنية في 20 يناير الماضي، كان عنوانها “قوة إيران أم ضعف العالم العربي؟”؛ و أن “جوهر المشكلة التي يواجهها العالم العربي لا يكمن في قوة إيران أو حتمية المواجهة معها، ولكن في ضعف العرب، بما يثير لعاب كل دول الجوار القوية، وعلى رأسها إيران وتركيا وليس لعاب إيران وحدها”

وحول الانتخابات التشريعية الإيرانية، قال “هويدي”: “إيران بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة التي حقق فيها الإصلاحيون تقدمًا مقدرًا تجدد شبابها؛ إذ تتقدم بخطى ثابتة نحو استعادة عافيتها وتعزيز حصاناتها، خصوصًا بعد الاعتراف بها دولة نووية ورفع الحصار الذي ضرب عليها قبل 37 عاما، ثم أنها تتطلع لإحداث نهضة اقتصادية بعد استعادة أرصدتها التي كانت مجمدة في البنوك الغربية “أكثر من 130 مليار دولار، وفى الوقت الذي تتحالف فيه مع روسيا الاتحادية رغم تعارض المصالح بينهما، كما أنها فتحت أبوابها لتنشيط علاقاتها الاقتصادية مع تركيا من خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها لطهران الدكتور أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء التركي؛ إذ تم فيها تسوية العديد من المشكلات الاقتصادية العالقة وتم الاتفاق على زيادة التبادل التجاري بين البلدين لكي يصل إلى 30 مليار دولار سنويا، وحدث ذلك رغم الخلاف المذهبي المعلن بين البلدين “إيران الشيعية وتركيا السنية” ورغم الخلاف السياسي الجوهري بينهما حول الموقف من النظام السوري”.

إن إيران أصبحت رقمًا مهمًا في المنطقة يتعذر تجاهله، وهي تتجه لأن تصبح رقمًا أكثر أهمية، لا نستطيع أن نتجاهله ونكتفي بشيطنته وهجائه في وسائل الإعلام ليل نهار، لذلك فإن الملف يستحق حوارًا جادًا بين الطرفين ينطلق من الاعتراف بأن كل طرف أساء إلى الآخر، وأن الطرفين مضطران إلى التعايش مع بعضهما البعض رغم ما بينهما من خلافات، ليس فقط بأمر الجغرافيا ولكن أيضا لأن ثمة عقيدة سماوية ينتسبان إليها كل على طريقته”.

واختتم بقوله: “أختم بالتنبيه إلى أمور ثلاثة هي:

– إن الخلاف العربي مع إيران ينبغي أن يظل محصورًا في حدود سياسات الدول، بمعزل عن العوامل المذهبية والعرقية؛ لأن الدخول في متاهة الصراع بين السنة والشيعة أو العرب والفرس مؤد إلى تأبيد الصراع الذي لا نهاية له ولا منتصر فيه.

– إن الدولة القومية في إيران مستعدة للتفاعل مع الغرب والتقارب مع إسرائيل بأكثر من استعدادها للتفاعل مع العالم العربي، وبين الإصلاحيين من يعلن عن ذلك صراحة، وذلك مآل ينبغي أن يظل في الحسبان إذا استمر التخاصم مع العالم العربي بوتيرته الراهنة.

– إننا ينبغي أن ندرك أن الشعب الإيراني يظل شقيقا مهما تباعدت عنه المسافات أو تراكمت المرارات، وأيًا كان رأينا في ممارسات حكومته، فإن انتماءه إلى الأسرة الإسلامية يظل باقيًا، ولا أعرف عقلًا رشيدًا يؤيد تأبيد مخاصمة عضو الأسرة أو بتره حتى إذا ما شرد أو جنح؛ حيث لا مفر من ضمه واحتوائه يومًا ما، لذلك فإن سؤال الساعة هو: أين دور العقلاء والراشدين من الجانبين؟ وهل يعقل أن تهدأ وتيرة الصراع ضد إسرائيل في حين يشتد أوار التجاذب والخصام مع إيران؟”.

أحدث المقالات

أحدث المقالات