18 ديسمبر، 2024 11:24 م

هكذا ردّت قريش جميل الرسول بانقاذها من براثن الجاهلية

هكذا ردّت قريش جميل الرسول بانقاذها من براثن الجاهلية

لم ولن يحفظوا له رسالة ولا شخصية ولا منزلة ولا كرامة ولا وصية ولا أهل بيت رغم أنه أنقذهم من الشرك والضلالة والظلمة والوثنية نحو النور والعلم والهداية صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ” – ابراهيم: 1؛ فينبرون بكل وقاحة وجسارة ليتهمونه بالهجران عندما طلب منهم قلما ودواة ليكتب لهم وصيته وهو الصادق الأمين الذي “وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى” – النجم: 3و4، لينادي الرجل بأعلى صوته قائلا: “دعوه أن الرجل ليهجر.. وعندنا كتاب الله حسبنا” – رواه البخاري بسنده عن عبيد الله بن عبد الله وكذلك ابن سعد عن ابن جبير عن ابن عباس (صحيح البخاري بحاشية السندي 1/32 كتاب العلم)، ورواه احمد بن حنبل في مسنده: 3/346، ومسلم في صحيحه: 3/1257- 1259 كتاب الوصية، وكذلك البخاري في صحيحه: 5/127، وفي الصحاح: 2/851 ايضاً، وبألفاظ مختلفة.

الغالبية العظمى لكبار العلماء والرواة والمؤرخين من أهل السنة وصغارهم أكدوا انحراف القوم وهم يعيشون اللحظات الأخيرة من حياة خاتم المرسلين ومن بعده، وعدم إمتثال الصحابة خاصة كبارهم الآنف ذكرهم مما أكد عليه الرسول الأكرم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الأخيار على طول رسالته السماوية؛ في كتبهم وصحاحهم وأسانيدهم ومنها كتب صحيح مسلم والبخاري وما رواه الامام أحمد في مسنده، والحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين، وأبي زرعة في تاريخ الدمشقي، وابن حجر العسقلاني في الإصابة، والبيهقي في كتابه الاعتقاد على مذهب السلف وأهل الجماعة، والسيوطي في الجامع الصغير، والقندوزي في ينابيع المودة ، والمقريزي في خططه، والمحب الطبري في الرياض النضرة ،وابن خلكان في وفيات الأعيان، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة، والعقيدة الواسطية، والمسعودي في مروج الذهب، والبلاذري في أنساب الأشراف، وابن كثير في تفسير القرآن الكريم، وابن حجر الهيتمي في صواعقه المحرقة، حتى ابن تيمية المعروف بحقده الكبير على آل الرسول في كتابه “حقوق آل البيت”؛ وهو ما كان قد اشار اليه القران الكريم من قبل: “وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ”- آل عمران:144.

نبي الرحمة محمد الصادق الأمين كان قد تعرض منذ بزوغ شمس الاسلام وحتى لحظة عروجه الى الرفيع الأعلى بمكيدة قريشية يهودية، لأكثر من 20 محاولة اغتيال فاشلة كان أهمها تلك المحاولات التي ذكرها العديد من رواة التاريخ والكتاب في عصرنا الحاضر، منهم مراد سلامة (عشر محاولات لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم)، وعبد المنعم الهاشمي (محاولات اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم)، وكتاب (محاولات اغتيال النبي وفشلها) لمحمود نصار والسيد يوسف، و(محاولات قريش قتل رسول الله بعد بدر) د. راغب السرجاني و… وغيرهم؛ إستناداً لما أخرجه أخرجه البخاري (3856 و4730 و2617)، ومسلم (2797 و2190)، وأبن الجوزي في صفة الصفوة، والسيرة البوية لأبن كثير (3/177و3/313 و4/75)، وأخرجه أبو داود(4512)، وأبن كثير، البداية والنهاية (5/20)، والجامع لأحكام القرآن (8/188).

المؤرخون يذكرون أن بداية عمليات إغتيال المصطفى الأمين كانت لقريش الكفر والنفاق والغدر والخيانة بدأت بمحاولة أبي جهل، ثم محاولة في ليلة المبيت حيث “اجتمعت قريش في دار الندوة واتفقوا على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وآله، فأختاروا من عدة عوائل أربعين رجلاً يهاجمون بيت النبي محمد (ص) في الظلام ويقتلونه مجتمعين ـ ليبِّيتوا النبي صلى الله عليه وآله بضربة واحدة من سيوفهم، ويُغلق الطريق على بني هاشم لمعاقبة القاتل بوضع دمه بين عدة عوائل، لكنهم مشيئة الخالق جل علا أبت ذلك فبهتوا عندما رأوا أن أبن عمه أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب عليه السلام في فراش النبي الأكرم، فباؤوا خاسئين .

السبب كل السبب في ذلك أن قيادة قريش القبلية الصنمية وفي مقدمتهم اللقطاء أحسوا بأن الرسالة الختمية للنبي محمد بن عبد الله (ص) تهدد قوتهم وقدرتهم ومكانتهم ودعارتهم وجهلهم وظلمهم وطغيانهم وجبروتهم، كما هو الحال مع الأنظمة الموروثة القبلية الحاقدة الناقمة على الأمة ووعيها ودينها ومعتقداتها وحريتها وديمقراطيتها ودعوتها للتغيير والاصلاح والعدالة والمساواة والعلم والنور وهي أسس الرسالة المحمدية الأصيلة، فما كان منهم إلا أن أسسوا ودعموا الجماعات الارهابية التكفيرية المسلحة هنا وهناك لتعيث في الأرض فساداً وتشق عصا المسلمين وقد نجحوا في ذلك مع الأسف وأراقوا أنهاراً من دماء الأبرياء على طول البلاد الاسلامية من أفغانستان وحتى لبنان، ومن العراق حتى اليمن، ومن سوريا حتى البحرين.. وخططوا لمحاولات اخرى بعد أن فشلوا في سابقاتها.

محاولة “سراقة بن مالك” سيد بني مدلج وأحد أشراف قبيلة كنانة والذي ذهب ليقتص الأثر الرسول الأعظم وصاحبه خلال هجرته الى يثرب طمعا في جائزة قريش، هي احدى تلك المحاولات الخبيثة الفاشلة بمشيئة الله سبحانه وتعالى، لتليها محاولة “عمير بن وهب الجمحي” و”صفوان بن أمية” وذلك بعد معركة بدر الكبرى إنتقاماً لقتلى المشركين.

خلال غزوة تبوك كانت هناك محاولة اغتيال فاشلة تعرض لها مبعوث الرسالة السماوية السمحاء، نفذها اولئك من أدعوا كذباً وبهتاناً بأنهم مسلمين وأرادوا بنفاقهم تحريف وتزييف وتزوير وتشويه صورة الإسلام الناصعة متجاهلين قوله تعالى “يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ” – سورة التوبة الآية 32و33؛ وخاتم المرسلين عائد الى المدينة نفذتها مجموعة منافقة بلغت نحو عشرين شخصاً على بعض الاخبار من الصحابة (رواه الهيثمي في مجمع الزوائد- الجزء :1ص 110)؛ فكانت خطتهم أن يكمنوا فوق عقبة الجبل التي سيمر فيها الرسول محمد (ص) حتى إذا وصل الى المضيق ألقوا عليه ما استطاعوا من صخور لتنحدر بقوة وتقتله، ثم يفرون ويضيعون أنفسهم في جيش المسلمين، ويبكون على الرسول، ويأخذون خلافته!.

اليهود وفي مقدمتهم بني النظير وبني قينقاع لم يكتفوا بالمؤامرات والدسائس ضد المحبة والتآخي والمودة، ومحاولات حلفائهم في قريش النذالة والخبث والغدر التي خططوا ورسموا ونفذوا لها بإجماع الكفار والمنافقين واليهودي والذي لن يشفي غليلهم بعد بلوغهم المطلوب، فاقدموا هم مباشرة بمحاولة لاغتيال نبي الرحمة والمودة والمحبة محمد (ص) وذلك في السنة السابعة وبعد معركة خيبر حيث أهدت زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم للنبي (ص) شاة مصلية بعد أن أكثرت فيها بسم لا يطني بمساعدة ساحر اليهود والمتخصص بالسموم “لبيد بن الأعصم اليهودي” (الطبقات 2/197)؛ ومن قبلها محاولة “عمرو بن جحاش بن كعب اليهودي” وهي أحدى محاولاتهم الثلاث التي فشلت، وعرفت بمحاولة “الصخرة” أثناء زيارته الصادق الأمين لبني النظير سعياً منه لحل مشكلة مقتل يهوديين على يد مسلم.

محاولة قريشية فاشلة اخرى لاغتيال رسول النور والهداية السماوية كانت محاولة “فضالة بن عمير بن الملوح الليثي” خلال طوافه بالبيت العتيق عام الفتح، حيث أقدم عليها منافقوا قريش (الروض الأنف 7/ 114 “المحاولة الشهيرة لاغتيال خاتم المرسلين وحبيب رب العالمين”)، ثم محاولة شيبة بن عثمان بن طلحة والنبي الأكرم قرب مكة بعد غزوة حنين حيث روى ابن إسحاق أن شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، أخو بني عبد الدار قال:‏ اليوم أدرك ثأري من محمد، وكان أبوه قتل يوم أحد، اليوم أقتل محمداً، قال‏:‏ فأدرت برسول الله لأقتله، فأقبل شيء حتى تغشى فؤداي، فلم أطق ذاك، وعلمت أنه ممنوع مني (البحار ج21 ص154 و 181 والخرائج والجرائح ج1 ص117 و 118 وراجع: مجمع البيان ج5 ص18 ـ 20 وتاريخ الخميس ج2 ص102 و 103).

مشيئة الله سبحانه وتعالى شاءت أن تنتهي حياة أعظم إنسان في تاريخ البشرية جمعاء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم مسموما وله ثلاث وستون سنة (المجدي في الأنساب، محمد بن محمد العلوي ص6 وفي تهذيب الأحكام 6/1)، وقال الشيخ المفيد: وقبض صلوات الله وسلامه عليه وعلى أهل بيته واصحابه المنتجبين بالمدينة مسموما يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من هجرته (أنساب الأشراف 1 / 576 وقال البيهقي: أنبأنا الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار عن أبي معن عن الأعمش عن عبد الله بن نمرة عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود قال: لئن أحلف تسعا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قتل قتلا أحب الي من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل، وذلك إن الله اتخذه نبيا واتخذه شهيدا).

العلامة الحلي ذكر أن شهادة الرسول الأكرم (ص) كانت بالسم (السيرة النبوية، ابن كثير الدمشقي 4 / 449، وأيد الحاكم في كتابه المستدرك على الصحيحين مقتل الرسول صلى الله عليه وآله بالسم، ومستدرك الحاكم 3 / 60، ح 4395 / 99 باب المغازي والسرايا)، وقال الشيخ الطوسي: قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسموما لليلتين بقيتا من صفر سنة عشر من الهجرة (البحار، المجلسي 22 / 514)؛و يذكر ابن سعد: فلما كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله المرض فحمَّ وصدع (الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 249، وفي عيون الأثر لابن سيد الناس ج 2 ص 281)، وكانت أم البشر بن البراء قد قالت للرسول (ص): ما وجدت مثل هذه الحمى التي عليك على أحد (الطبقات الكبرى ج 2 ص 236) وهذا النص يثبت بدلالة قاطعة أن الحمى التي اعترت الصادق الأمين لم تكن حمى طبيعية وذلك لأنها لم تر مثل هذه الحمى من قبل، وهذه الحمى ما هي إلا من السم الذي جرعوه فقد تغير لونه وحالته؛ ولكن السؤال يبقى قائما: من الذي دس السم لنبي الرحمة والمودة في آخر أيام حياته؟، هل كان عبر الكرشة التي قدمتها له جارته اليهودية ؟ أم أن هناك أيادي اخرى من وراء محاولة الاغتيال الأخيرة التي تعرض لها الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الميامين ؟!.

[email protected]