من المسائل المهمة أن نستقرئ أحداث التاريخ المختلفة؛ والتي تحيلنا إلى أن الأنظمة السياسية حتى الديمقراطية منها تطرأ عليها أحوال من التبشير بالوطنية الفاشية، وتستند في ذلك إلى عقائد وأفكار تعبر في النهاية عن حالة عنصرية.
فمن المهم أن نشير إلى أن تصاعد الأحزاب الوطنية القومية تحت دعوى مواجهة التمدد للاشتراكية والشيوعية؛ أدى إلى إنتاج نظم فاشية في إيطاليا ونظام نازي في ألمانيا. وكان من أهم مفردات الخطاب لتلك الأحزاب التي صعدت وتصاعدت في تلك الآونة مفردة “الوطنية”؛ وعلى قاعدة منها حددت حدودا للمواطنة واتهمت الآخرين بعدم الوطنية. وكان هذا الاتهام يتعلق بمعاني الخيانة والاتهام بها.
وقد قلنا سابقا إن هذه النظم تحاول بشكل أو بآخر احتكار مفهوم الوطنية والمواطنة الصالحة في تصورهم؛ وتحديد معاييره واستبعاد من أرادت من ساحة الوطنية والمواطنة، وإدخاله في ساحة الخيانة والعداوة؛ ومن ثم كان ذلك التوظيف الخطير لمفهوم الوطنية من أهم ما شهدته تلك النظم السياسية.
وكما أشرنا، فإن الأمر لا يقتصر على تلك النظم التي اتخذت من الآليات الديمقراطية فرصة للوصول إلى سدة الحكم. وظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية حركة تسمى “الماكارثية”؛ تقوم بتدبيج الاتهامات للمخالف أيديولوجيا واتهامه بالخيانة، وبدأت الحركات العنصرية تتصاعد بشكل أو بآخر ضمن تشكيلات عدة؛ أهمها الحركة الإنجيلية وتصاعد اليمين الديني واليمين بوجه عام، وكذلك تصاعد خطاب شعبوي يترافق مع هذه الحالة العنصرية.
ويشهد العالم موجات بعد موجات، حتى حينما وُجدت وأُنشئت الدولة القومية التي ظلت مسكونة بتلك الفكرة وارتبطت في مكنونها بمفردات عنصرية كامنة. وفي هذا المقام فإن أول ضحايا مفهوم الوطنية الفاشية هو مفهوم المواطنة الحقيقية، إذ أنه حتى مع بروز فكرة العولمة والعالم كقرية كونية وتصاعد الاختراعات التي تعلقت بثورات الاتصال والمعلوماتية، إلا أنه في حقيقة الأمر برز مفهوم العولمة ممتزجا بالعنصرية الكامنة ومأزق الديمقراطية والحالة الشعبوية وتصاعد اليمين، وصولا إلى حالة مما يمكن تسميتها بقدر من الاطمئنان “عولمة الكراهية”.
ورغم خطاب تبشيري عن الديمقراطية وخطاب زاعق حول الالتزام بالحقوق الإنسانية التأسيسية؛ إلا أن الأمر صار بشكل منتظم وتصاعدي في إطار تصاعد موجات من الوطنية الفاشية، والتي أكدنا أن أول ضحاياها كان مفهوم المواطنة الحقيقية بكل مستلزماتها والتزاماتها؛ والمسائل التي تتعلق بالحقوق والواجبات في إطار تبادلي وتعاقدي.
وفي حقيقة الأمر أن “عولمة الكراهية” تلك اتخذت أشكالا تزيت بأثواب علمية وما هي بالعلم؛ واتخذت أشكالا نظرية وما هي بالنظريات؛ وبدت الأمور أقرب إلى ما يكون إلى شعارات وادعاءات ودعايات مشفوعة بكلام يشبه الكلام العلمي، ولكنه يفتقد الرؤية المنهجية في سياقات تبريره للحالة العنصرية.
إن انتشار أفكار مثل “نهاية التاريخ” على سبيل المثال لدى “فوكاياما” و”صِدام الحضارات” عند “هنتنغتون”؛ قد وضع أسسا للأفكار المتعلقة بـ”عولمة الكراهية” وصناعة العداء والأعداء؛ ومواجهة هؤلاء بشكل عالمي ضمن مقولات متعددة كان من أهمها “الإرهاب”. فـ”هنتنغتون” على سبيل المثال قبل موته لم يكتف فحسب بالترويج لصدام الحضارات على المستوى العلمي الكوني؛ لكن لم يأمن المجتمع الأمريكي ذاته من تسويغ رؤى عنصرية في ثوب شعبوي جديد بطرح مفهوم الهوية مستجدا، ويقدم إجابات عنصرية للسؤال “من نحن؟”.
وليس مستغربا أن يكون لـ”هنتنغتون” ذلك الكتاب الأخير الذي اتخذ عنوانا له: “who are we?”، وبدت إرهاصات إجابة رغم أن المجتمع الأمريكي في تأسيسه يتسم ويفتخر بأنه يشكل “بوتقة صهر” لعناصر وجنسيات مختلفة وثقافات متنوعة ومتعددة؛ إلا أنه أشار بعنصرية إلى “الجنس الأبيض المؤسس للولايات المتحدة”؛ اعتمادا منه على تلك الأفكار التي اعتمدها نظام مثل “ترامب” وخطابه ومواقفه. وما حادثة مقتل “فلويد” ببعيد، والذي شكل لحظة نماذجية على حد تعبير أستاذنا “الدكتور عبد الوهاب المسيري” في الحضارة الغربية وفي الولايات المتحدة الأمريكية.
كذلك فإنه من المؤكد أن تصاعد أحوال استبدادية في كثير من الدول العربية والإسلامية قد شكل أرضا خصبة لهذه المفاهيم، والاستناد إليها في سياقات تتهم تلك السلطات كل من يعارضها أو يعارض مواقفها أو سياساتها، أو المطالبة بالامتثال للحقوق الإنسانية الأساسية والتأسيسية. فتجد في هذا المفهوم مدخلا لاتهام كل معارض بالخيانة، فأثر في تكوين نظرة للمواطنة شديدة السلبية في هذا السياق.
وإن نظرة متأنية لخطاب العسكر الذين أرادوا أن يتحكموا في المنظومة السياسية والمدنية، ضمن ترويجهم لنقاط عنصرية مركبة استندوا فيها إلى خطاب شعبوي، مثل مقولات “خير أجناد الأرض” و”الجيش الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه”، نرى أن الأمر متعلق بتجريم وتحريم أي خطاب يحاول انتقاد عسكرة المجتمع أو تلك الممارسات المعسكرة؛ التي يقوم بها قادة العسكر وعصابتهم، والتي اختطفت مؤسسات المجتمع جميعها ووضعتها تحت سيطرتها، وبدا لها أن تصدر خطابا عن “الوطن الوطنية والمواطن”؛ وأردفت ذلك بشعارات مغشوشة من مثل “تحيا مصر”، وأمور مكشوفة من مثل تلك التحريضات الخفية بإسقاط الجنسية عن بعض المعارضين تحت دعوى وصفهم بالخيانة والإرهاب وتبعيتهم لدول أخرى؛ من دون أن يفطن ذلك النظام (أو أنه يتغافل عن ذلك عمدا) إلى أنه هو الذي أجبر هؤلاء على الهجرة القسرية والإكراهية.
فمن أراد أن يعارض في الداخل وُضع في السجون والمعتقلات؛ وتصاعدت ممارسات تتعلق بالإخفاء القسري والقتل بالتصفية الجسدية والمطاردات، وباتت هذه الأمور تعبر عن حالة من الوطنية الفاشية أدت بالنظام لإسكات المعارضين بكل وسيلة فاجرة، ضمن مخطط بالقبض على أقارب هؤلاء المعارضين ومحاولة التعامل مع هذا الأمر بوسائل حقيرة، من مثل أن تقوم “لجان الكترونية” بالاتهامات بالخيانة وعدم الوطنية، وقيام مجموعة من المحامين المستأجرين برفع قضايا ملفقة ووهمية؛ باتهامات كاذبة زائفة.
يحاول هؤلاء أن يجعلوا من تلك الاتهامات أسلوبا ممنهجا، يساعدهم على ذلك جهاز فاسد “للنيابة العامة والنائب العام”؛ لم تعد له من وظيفة إلا أن يطارد هؤلاء بالتحقيق في اتهامات زائفة باطلة عن طريق من استأجروهم وشروهم من محامين فسدة؛ شكلوا واحدة من أدوات الاستبداد السلطوي الفاشي بعد الانقلاب العسكري.
إن الأمر الذي يتعلق بالوطنية الفاشية تلك ومحاولة ترويج خطاب لصناعة الكراهية؛ تقوم عليه كذلك مؤسسة قضائية تصدر أحكاما بالعقوبة على تلك الاتهامات الوهمية، وجهاز إعلامي صارت صناعته استهداف قيم المجتمع وتماسكه ولحمة الجماعة الوطنية، فبدا لهم تنفيذ عملية “شيطنة” كبرى لفصيل بعينه؛ مثله في ذلك مثل تلك المذاهب والحركات التي سبقت الإشارة إليها، وبات من يعارض وليس من هذا الفصيل يُتهم هو الآخر بتهمة فاجرة مبتكرة، وهو أنه يساعد جماعة إرهابية على تحقيق أهدافها، وبات المسيحي المعارض مشمولا بتلك التهمة والماركسي واليساري، بل والليبرالي والناصري المختلف مشمولا بهذه الجريمة..
كل ذلك شكل حالة من الوطنية الزائفة وترويجا لمفهوم الوطنية الفاشية؛ واتهامات بالجملة بالخيانة واستهداف مصر. هذه الأمور كلها إنما تشكل اغتصابات متكررة بجملة “اغتصاب السياسة” و”الحياة المدنية” والمجتمعية؛ وعسكرة المجتمع ضمن حالة عنصرية تبدو متصاعدة بصناعة الكراهية ضد فئات بعينها، مثل “الأطباء” على سبيل المثال؛ ضمن حالة عنصرية خطيرة تجعل كل ما ينتمي للعسكر هو الفائق والمتفوق، وكل من ينتمي إلى غيرهم هو الفاشل والمرشح لوصف الخيانة والمواطن غير الصالح وفق تقديراتهم.
ولا شك في أن هذا يدور بنا في حلقة مفرغة تتعلق بنظرة مختلفة لمفهوم المواطنة وأحوالها؛ ليس بالحقوقي أو التعاقدي، ولكن بمفهوم للمواطنة يستند للأسف الشديد إلى الترويج إلى شعارات الوطنية الفاشية الزائفة.
في زمن مبكر رسم الخوارج الأنموذج التاريخي الذي أصبح يقاس عليه ما دونه من الأمثلة في تعامل الحكام مع المختلفين عن المجتمع فكرياً، ومن يقرأ في سيرة الخوارج الذين ظهرت نابتتهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال له ذو الخويصرة التميمي: اعدل يا محمد، في جرأة كبيرة جعلت الصحابة الكرام يهمون بالفتك به، إلا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم منعهم من ذلك وقال: (يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبا لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية قال أظنه قال لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود) رواه مسلم من حديث أبي سعيد، فهذا خبر من النبي صلى الله عليه وسلم بأن هؤلاء سيخرجون ويكون الخروج على الجماعة، واستحلال الدم الحرام، وقتال أهل الإسلام من أبرز علاماتهم، وما هي إلا سنيات حتى خرجوا في زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وانزووا في أماكن يعدون العدة للتكفير والقتال والخروج على جماعة المسلمين، إلا أن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أعلن مبادئ عظيمة في كيفية التعامل مع مثل هؤلاء فقال مخاطبا الخوارج في زمانه مع أنهم كانوا أشد الناس عنادا له، ومنابذة وتكفيرا: (إن لكم عندنا ثلاثا: لا نمنعكم صلاة في هذا المسجد، ولا نمنعكم نصيبكم من هذا الفيء ما كانت أيديكم في أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا”. فكان الناس يقولون لعلي: إنهم خارجون عليك. فقال: “لا أقاتلهم حتى يقاتلوني وسيفعلون)، وهذا الكلام من أمير المؤمنين يعطي قواعد في أن الإنسان في حال انتظامه في الجماعة حتى لو كان يتمايز عنهم عقديا فإن له حقوقا إلا أن ينزع يد الطاعة أو يفارق الجماعة أو يقاتل، ولذلك حين قاتلوا أمير المؤمنين قاتلهم الصحابة، وعرفوا أن هؤلاء هم الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم، وبشر بقتلهم، لأنهم كانوا أشد الناس على الأمة حتى من أعدائها الصرحاء، فهم قد أشغلوا الناس بصراعهم، وكانوا خنجرا يطعنون الأمة من خاصرتها، ولذا جاء في صفاتهم التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم (يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل الأوثان)، وجاء في صفاتهم أنهم (حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون بقول خير البرية).
لقد كانت هذه الحقوق التي أعطاها علي بن أبي طالب رضي الله عنه للخوارج في زمانه دلالة على عدم الملاحقة بما يعتقده الإنسان ما لم يكن فيه خروج على الجماعة، وأن الخوارج الذين هم (شر الخلق والخليقة) كما وصفهم المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يمنعون من مساجد المسلمين ولا يحرمون نصيبهم من المال، ولا يقاتلون إن لم يقاتلوا، فكانت الحكومة الراشدية مظلة تحتوي حتى هؤلاء الذين يتمايزون عنها فكرياً وعقديا، وتبذل معهم كل سبيل لمقاربة وجهات النظر، والحوار ورد الشبه التي تعلق بعقول هذه الجماعات المنتسبة إلى الأمة بالعموم، ولذا أرسل علي بن أبي طالب ابن عمه ترجمان القرآن لحوار هؤلاء والنظر فيما ينقمون على أمير المؤمنين في مناظرة شهيرة تراجع في مضامينها، وهذا كذلك منهج ناضج من أمير المؤمنين رضي الله عنه ومبكر في حوار المخالفين بأدب وعلم، وإعطاء أهل العلم الدور البارز في المناظرة وعدم المفاصلة مع الخارجين على الجماعة، والنظر في أحوالهم ومطالبهم، ولكنه كذلك كان حازماً في قتالهم حين حملوا السلاح على الأمة، وسفكوا الدم الحرام، فقطعوا الذرائع التي يتذرعون بها، فلم يبق إلا قتالهم، ولقد استبشر الصحابة بقتالهم لبشارة النبي صلى الله عليه وسلم بالأجر لمن يقتلهم، لأن هؤلاء الذين يقتلون المسلمين لا يقتلونهم وهم متأثمون، قد طغت غضبات نفوسهم فقتلوا، بل يقتلون وهم مرتاحو الضمير، وهذا هو الفرق بين القاتل العمد والقاتل السياسي، فإن القاتل السياسي يستحل ويكفر ثم يقتل، وهذا سبب الوعيد الشديد الذي جاء في الخوارج حتى حكم بكفرهم جماعة من السلف والخلف، لأنهم يستحلون سفك الدماء ويقتلون بدم بارد ونفوس لا تتحرك.
إن هذه الأشكال من الخروج على جماعة المسلمين، وإحداث الفتنة فيهم لا تقتصر على مباشرة القتل والقتال، بل تتطور بتطور أشكال الاجتماع البشري ووسائل الاتصال ليكون هؤلاء المفتئتون أدوات بأيدي الأعداء الخارجيين الذين يجيرون نشاطاتهم وجهودهم لما يحقق أجنداتهم الخاصة، فيجتمع في هؤلاء الخروج على البلاد، وهو وحده شر مستطير، ثم يكونون أدوات في أيدي الآخرين لزعزعة الأمن والاستقرار، مما ينعكس سلباً على ضرورات الناس وحياتهم، فيبوء هؤلاء بآثام متلاحقة، توجب المسؤولية السياسية على أولي الأمر التعامل معهم بحزم وشدة مقرونة بالحكمة في التعاطي مع الأحداث.
ومن الدروس المستفادة في طريقة تعاطي الصحابة الكرام مع أولئك الخارجين هو محاسبة المخطئين بعيدا عن توسيع دائرة الاتهام لتشمل الأبرياء حتى من أصحاب الفرق، فإن من الظلم البين أن تعامل طائفة بجرم من ينتسب إليها، أو تستدعى قضايا التاريخ في كل حدث يمر ويكون سببه منتسبين إلى طائفة ما، وحينئد لا بد أن يقتصر خطاب الإدانة على من يقع منه الفعل المشين بعيداً عن التحيز الطائفي أو تأجيج المشاعر تجاه مذهب أو ملة كاملة لا دخل لها بما حدث، فإن هذا هو الذي يؤدي إلى الاحتقان، ويوغر الصدور، وهذا هو ميزان الشرع والعدل: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).
أن هناك دولاً تبالغ في إعلاء المواطنة القومية لنفسها، وفي الوقت نفسه تحط من رغبة الآخرين في إعلاء وطنيتهم أو قوميتهم! ما أفكر فيه على وجه التحديد هو موقف إيران تجاه جيرانها العرب، لأنه مقلق ولأنه ينشب أظافر مصالحها في رقاب شعوب عربية قد تكون فقدت القدرة على مقاومته. لو قرأنا الموقف الإيراني تجاه الغرب والولايات المتحدة من جهة، والجهد المبذول من طرف الدولة الإيرانية لبناء موقف وطني (قومي) مضاد، لاعتبرنا أن هذا البناء هو حائط الصد كما يراه راسم السياسة الإيرانية، لذلك يعتبر مئات الآلاف الذين يعارضون سياسة الجمهورية الإسلامية من المواطنين الإيرانيين عبارة عن (خونة) يجب التخلص منهم، وبالتالي تكثر الاغتيالات غير الرسمية أو الإعدامات الرسمية للنساء وحتى اليافعة تحت السن القانونية، متى ما اتهم الشخص بأي من تلك التهم، والتي هي «خيانة الوطن»، أي عدم الولاء للنظام القائم. عدد من المواطنين الإيرانيين حتى من أولئك الذين لا ينتمون إلى الصف الآيديولوجي، يسارعون للدفاع عن سياسة النظام حباً في الوطن الأم وفخراً به. أحدهم هو حومد مجد صاحب كتاب «آيات الله يطالبون بالاختلاف» من بين عدد من الكتب، يقول إنه لما كان طالباً في إحدى المدارس الغربية ويُفصح لزملائه أنه من إيران، يتساءل معظمهم وأين تقع إيران؟ أما اليوم فإنَّ اسم إيران على كل لسان كما يقول، وهذا فخر له. الرجل ليس من العامة ولكنْ مؤلف وكاتب، الدليل ذاك يأخذنا إلى ما يمكن أن يسمى الفخر القومي، لذلك نجد أن كثيراً من الإيرانيين في الغرب يدافعون (من منطلق قومي) عن سياسة النظام رغم معرفتهم اليقينية على انحرافه عن حقوق الإنسان أو حتى التنمية بمعناها الشامل.
هنا يظهر التناقض الكلي بين تعظيم «الأنا» الوطنية، وتحقير الأنا الوطنية الأخرى، فعلى مقلب آخر الاعتراف الإيراني بما يمكن أن يسمى «الولاء الوطني» العربي في كل من سوريا أو لبنان أو اليمن أو العراق غير معترف به لدى النظام، بل ومتجاهل وفي مكان غير معلن (محتقر). واحد من الأسباب التي جعلت شعوباً عربية تنتفض ضد الحكم العثماني ومن بعده الاستعماري في أكثر من بلد عربي شيء اسمه (الحصانة القضائية والقانونية للأجنبي) يمكن للمرء أن يذكر العديد من أحداثها التاريخية، فقد كان الإيطالي أو اليوناني أو البريطاني في مصر والشام وغيرها من بلاد العرب (محمي) من المساءلة القانونية في حال ارتكابه جرماً مشهوداً، كل ما كان يحدث أن يسلم هذا الشخص إلى البلد الذي ينتمي إليه ليحاكم هناك، بل إن أحد أسباب تصاعد المعارضة ضد محمد رضا بهلوي هو موافقته على السماح لحصانة الجنود الأميركان في حال ارتكابهم جرماً على الأراضي الإيرانية، ويذهب بعض المتابعين للقول إن احتلال السفارة الأميركية في طهران في أبريل (نيسان) 1980 والتي سميت «مخلب النسر»، هي جزئياً عملية ثأرية لتلك الحماية غير المستحقة في نظر الأكثرية. الأمثلة الصارخة المضادة التي يقوم بها النظام الإيراني لدحض حق الدول العربية في الشعور الوطني، تظهر لنا في أكثر من مكان على أنها سياسة (دحض ممنهجة). المواطنة في الدول العربية التي تهيمن عليها إيران اليوم مشوهة، فشخص اسمه سليم عياش صدر عليه حكم ناجز من محكمة دولية وبعد سنوات من التحقيق والتمحيص في اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، الآن أن النفوذ الإيراني المتمثل في ذراع «حزب الله» في لبنان والذي كان خلف جريمة الاغتيال يرفض تسليم المُدان، بل في الغالب يجد المدان ملاذاً آمناً في مكان ما من أرض الجمهورية الإسلامية، أي أن السيادة اللبنانية غير معترف بها ومتجاهلة إلى حد الاستحقار، وأيضاً نجد من يقتل المتظاهرين في شوارع بغداد والمدن العراقية الأخرى، ولا يقدم إلى العدالة، بل يسير حراً بسلاحه لأن النظام الإيراني يريد ذلك ويحميه، ويفرض هذا النظام أن يحتفل بذكرى مقتل ميليشياوي متهم بسفك دماء عدد كبير من المواطنين العرب في سوريا ولبنان وغيرها، بفرض الاحتفال بذكراه في بيت الأمة العراقي غصباً عن أي رأي آخر بما فيه معظم المواطنين العراقيين. المشروع السياسي الإيراني القائم غارق في الشقاء، وقد أغرق معظم الإيرانيين والكثير من العرب معه في لجة آيديولوجيا ليس لها قرار، بل تميل إلى نوع من الفاشية المذهبية المدمرة والتي شهدتها أوروبا بعد الحرب العظمى الأولى. تتسم علاقة العرب بالإيرانيين بعنف شديد يظهر في تسمم العلاقة بين السنة والشيعة، ويتحول في بعضه إلى عنف مدمر ويترجم بمجازر مروعة يبدأ بعنف لفظي وينتهي بتفجير الجوامع والحسينيات وينظر المراقب بحسرة كيف أن مرحلة صعود القومية العربية لم يكن هناك ذلك الشقاق، فقد كان بطل العرب القومي (كما يعتقد كثيرون) جمال عبد الناصر متزوجاً من ابنة تاجر إيراني مهاجر إلى مصر، وهي تحية كاظم، ولم يتوقف أحد ليضع ذلك الموضوع محل تساؤل، بل إن الزواج بين الشيعة والسنة في بلاد مثل لبنان ودول الخليج كان وما زال مستمراً من دون أن يرفع أحد حاجبه ليتساءل أو أكثر من ذلك يعترض. الوصاية الإيرانية على مقدرات الشعوب العربية المجاورة هي المرفوضة، وهي وصاية لا تسعى كما هو ظاهر لإيجاد أرضية مشتركة. المشروع الإيراني يقاوم مشاطرة معايير العصر، وقد يتساءل البعض كيف لبلد أنتج كل هذه الثقافة وأنجب سعدي والشيرازي ومسعود وعمر الخيام وابن سينا والآلاف من العلماء والشعراء، أن يتحول إلى بلد مغلق خائف وقمعي في الداخل وعدواني في الجوار ومعادٍ للعالم؟ ذلك ليس جديداً في التاريخ فالحضارات تصاب بالنكبات، فقد ظهر بلد أوروبي رفد العالم بكبار الفلاسفة والفنانين وشكل حضارة علمية مشهودة، بلاد غوته وبتهوفن وكانط هي نفسها بلاد غوبلز وهملر وهتلر وسنوات الرعب والحروب، وأيضاً هي نفسها التي تحولت إلى بلد الديمقراطية الرشيدة والتي تقود أوروبا اليوم في ساحة التسامح والعلم. لقد عادت ألمانيا إلى نهضتها، فهل تعود إيران إلى مجدها التاريخي؟ الجواب ممكن عندما يختفي المسخ ويظهر الحضاري والإنساني والعقلاني.
لقد بدأت بعض النخب في الدول العربية التي ابتليت بالاحتلال الإيراني تفصح أنها مستعدة لأن تضع ملفات الإصلاح والفساد وتدهور الخدمات وسقوط عملتها الوطنية في مكان متأخر على مطلب السيادة الوطنية التي انتهكتها إيران.. مطلب السيادة الوطنية هو الأول لأنه المدخل لكل إصلاح.
نستشف من الآيبين الى العراق من بلدان كانوا قد هاجروا اليها طوع إرادتهم، ما يغني عن التعليق ويختزل التعليل، بأن أرض الوطن هي الأم الرؤوم التي لاغنى عن أحضانها، فما من شاعر إلا وتغنى بالوطن وحبه والولاء له، وتغزل بكل ما يمت بصلة الى مكوناته، وكم سطر التاريخ لنا قصصا بذلك حتى من جار عليه وطنه
ولطالما عاد أولئك المسافرون رغم عيشهم الرغيد في بلاد المهجر، ليعزفوا على أوتار أرضهم التي فارقوها في وقت ما ألحانا دافئة تستكن اليها نفوسهم. وفي عراقنا بلغت أعداد المهاجرين في السنوات الأخيرة رقما مهولا، وملأوا مشارق الأرض ومغاربها بحثا عن الأمن والأمان والرزق الميسور والعيش الهني، وكان حريا ببلدهم أن يوفر لهم كل هذه الحقوق. ورغم هذا كله بقي الرجوع اليه غايتهم وهدفهم ولاءً وانتماءً له، ومن المؤكد ان الولاء للوطن ليس إحساسا قسريا او عبئا مفروضا على النزيه والـ (شريف)، بل هو سليقة وطبيعة تسمو على كل الطبائع والمشاعر، وتتربع فوق كل الاعتبارات من حيث يشعر المواطن الصدوق ولايشعر. ولنا في صفحات التاريخ ومايسجله من أحداث خير واعظ عن القيمة العظمى للولاء والانتماء للوطن، من تلك الأحداث مايروى عن القائد الفرنسي نابليون، عندما شن حربه على النمسا، إذ كان هناك ضابط نمساوي يتسلل بين الفينة والأخرى الى نابليون بونابرت قائد الجيش الفرنسي، يفشي له اسرار جيشه وتحركاته، وكان نابليون يرمي لهذا الضابط -بعد أن يستمع الى مايفيده من أسرار عدوه- صرة نقود على الأرض ثمنا لبوحه بأسرار جيشه. ذات يوم وكعادته بعد ان سرّب الضابط لنابليون معلومات مهمة، همّ نابليون برمي صرة النقود له، فما كان من الضابط إلا ان قال:
“يا سيادة الجنرال، ليس المال وحده غايتي، فأنا أريد أن أحظى بمصافحة نابليون بونابرت”.. فرد عليه نابليون:
“أما النقود فإني أعطيك إياها كونك تنقل لي أسرار جيشك، وأما يدي هذه فلا أصافح بها من يخون وطنه”..! وقال مقولته: “مثل الخائن لوطنه.. كمثل السارق من مال أبيه ليطعم اللصوص.. فلا أبوه يسامحه.. ولا اللصوص تشكره”.
من هذا الموقف تتكشف لنا خسة من لا يكنّ لبلده الولاء كل الولاء.. والذي ذكرني بنابليون واحتقاره الضابط النمساوي، هو ما يحدث في ساحة العراق على يد ساسة وقادة، اتخذ بعضهم من العراق -وهم عراقيون- سوقا لتجارة ووسيلة لربح وطريقا لمآرب أخرى، نأوا بها عن المواطنة والولاء والانتماء للوطن، فهم أناس لا أظنهم يختلفون عن ذاك الضابط النمساوي الخائن، لاسيما بعد ان سلمهم العراقي الجمل بما حمل، وحكّمهم بامره متأملا بهم الفرج لسني الحرمان التي لحقت به،
وباستطلاع لماجرى في العراق خلال الأعوام الثلاثة عشر الأخيرة، يتبين لنا كم هو بليغ تأثير خصلة خيانة الوطن، لاسيما حين تكون صفة لصيقة بالشخصيات القيادية في مفاصل البلد الحساسة، والشواهد على هذا كثيرة، ليس أولها ماحدث في محافظات الموصل والأنبار، كما أن آخرها لا يقف عند حوادث التفجيرات التي تقع بين الفينة والأخرى كناتج عن خيانات وتواطؤات دنيئة رخيصة، مخلفة خسائر عزيزة غالية كبيرة. فهل يعلم الخائنون حجم الأضرار التي يتركها عدم ولائهم للوطن؟ وهل يعون ويدركون عظم الآثار والعواقب التي تترتب على العراقيين بكل شرائحهم، وعلى البلد بكل جوانبه، من جراء ضعف انتمائهم له؟ وهل يعرفون أن قدرهم عند المواطن كقدر ذاك الضابط النمساوي عند نابليون؟!.
خان وطنه: تخلى عن واجب المواطنة والإخلاص للوطن.
النفس البشرية ذات تطلعات ونوازع متاهية غريبة , عندما تعصف بها تعميها وتطلقها بإنفعالية هوجاء وممارسات شنعاء , تبغي من ورائها الوصول إلى ذروة الإشباع الرغبوي الفوري البهيمي الفتاك.
والخيانة سلوك تعجز عن فهمه وتحليله العقول المتخصصة في ميادين السلوك البشري , فهو سلوك مبهم ومطلق لا يمكن الوصول إلى منطلقاته وجذوره بسهولة , لكنه فاعل في الحياة البشرية وبسببه تعاني المجتمعات من الويلات الجسام , لأن الخونة يساهمون في تدميرها وتحطيم أركانها وتقديمها هدية سهلة للطامعين بها.
وتدمير أي هدف يستوجب وجود الخونة الذين يعملون على تأهيل عناصره للإستسلام والضعف وفقدان قدرات المقاومة والتحدي , والعمل على تعزيز إرادة الطامع فيه.
ولو تأملنا معظم الأهداف التي تدمرت أو تحقق الإستحواذ عليها , سنجد أن للخونة دورهم الأساسي في إنهيارها وإنتصار عدوها عليها.
وفي بعض المجتمعات تتنامى نزعات الخيانة , حتى لتجد في كل حالة خونة يديرون شؤون إضعافها وإنهاكها , وتأهيلها للإفتراس من قبل الآخرين.
ولا يُعرف لماذا هذا الميل الفتاك الفاعل فيها؟
هل لأن المواطن مقهور؟
هل لأن الحكومات فاشلة وخائنة في جوهرها؟
هل لأن المواطن محروم من حقوقه؟
الأسباب متنوعة ومتراكمة , والمطلوب تعلم كيف لا تخون , بدلا من البحث في أسباب لماذا تخون!!
فهل ستنتصر على نزعة الخيانة الكامنة فيها؟!!
نحن أمام تراكم خطير لأزمة انعدام العدالة في توزيع موارد الدولة، انعدام العدالة في تقديم الخدمات للمواطنين، انعدام العدالة في معالجة مشاكل محافظات ترزح تحت خط الفقر في غالبية سكانها، ومحافظات تقدم غالبية موارد العراق لكنها مهملة، أو بالأقل لم تعد كما كانت قبل عام 1980 وعاشت مأساة استحواذ المسلحين على مصائرها بعد 2018 وقد تكون البصرة والناصرية إنموذجين صارخين.
نعم الحشد الشعبي قوة وطنية، شاركت في لحظة حرجة في الدفاع عن تراب العراق ودولته المدنية وقدموا الشهداء بجانب القوات المسلحة والشرطة الاتحادية البطلة، وما زال كثر منهم في السواتر، ووجودهم الذي ينبغي أن يكون خارج المدن حصراً، جزء من مستلزمات الأمن الداخلي لاستئصال داعش وأخواتها.
ووجود الشرطة المحلية في أرجاء مدننا مسنودة من الشرطة الاتحادية ومؤطرة بقدرات قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية والظهير الحشد الشعبي، هو منظومة تضمن الأمن الداخلي والوطني على حد سواء،
المطلوب إنصاف كل المضحين، والمطلوب تجنب استسهال الاتهامات، فكل عمل كبير فيه أخطاء وتحدث تجاوزات، لكن الصورة الرئيسة هي الإيجابيات، التي لا يجوز طمسها بتضخيم السلبيات، طالما هناك التزام بضوابط عمل القوات المسلحة، طالما أن السلاح موجه إلى داعش وأخواتها، وطالما أن عقل حاملي السلاح يعي أن وطنيته وإيمانه بمبادئ آل البيت تعني احترام شريعة الدولة الدستور، وتطبيقاته القانون، حيث المواطن ومصلحة الوطن هي العليا، وكفالة حرية تعبير العراقيين عن رأيهم وتظاهرهم السلمي، وأي تصرف بالسلاح خارج هذا المنظور من قبل أي طرف مسلح، بغض النظر عن كل شعاراته، هو تحقيق لمشروع داعش والقوى الأخرى المتربصة بالعراق، تحت مسميات مبتكرة لتمرير المؤامرة ذاتها المستهدفة للعراق والعراقيين. بالأخص عندما يتم اختزال خلافاتنا إلى شخصنة تنحصر في قضية السيد قاسم مصلح، مع كامل التقدير للحرص على قانونية أي إجراء، لكن ينبغي عدم تغليب الجزء على الكل وحشر الموضوع في التفاصيل بعيداً عن قضية سيادة القانون في ضمان سلامة المواطنين، ضمنهم المحتجون السلميون. إن مشاكل سوء إدارة الثروة الوطنية، عوائد النفط والكمارك والسياحة الدينية والضرائب وتملك الأرض والعقارات وتهريب السلع التالفة من دول الجوار لتصريفها “برأس”، العراقيين ومنع استرجاع قدرات العراق لإنتاج السلع الاستهلاكية والوسيطة خدمة لتصريف منتجات الجوار التالفة وغير التالفة واستيراد المخدرات بحجة تحريم “المنكرات”، هي العوامل الكامنة في تسخين انتفاضة العراقيين بدءاً من عام 2011 وحتى انتفاضة تشرين 2019 وهي حالة لن يوقفها اغتيال الناشطين، كون أسبابها قائمة، والاغتيالات قد تؤخر حسم الموقف لكنها لن تحول دونه في الأخير، تماماً كما كان أسلوب قمع النظام الشمولي لتطلع المواطنين إلى التغيير، سبباً ليس فقط في توفير مبررات التدخل الخارجي، إنما في خلعه “بسهولة” غير متوقعة دون أية مقاومة شعبية واسعة، إلى أن بدأت الطائفية وفق مخطط أميركي لمنع مقاومة استمرار الاحتلال، الاحتلال الذي كان المرحوم احمد الجلبي أول من طالب بإنهائه، فكان موضع سخط الإدارة الأميركية، كونه في الأصل ظن “حساباته” إمكانية انسحاب “المحررين” بعد “التحرير” لإقامة سلطة وطنية عراقية خالصة ، برغم انه عالم الحسابات الرياضية، لكن الوقائ بينت أننا صرنا دولة محتلة وليس محررة.
إن حكومة السادة برهم صالح ومجلس الوزراء برئاسة مصطفى الكاظمي تواجه كل المتراكم من إخفاقات ما بعد نيسان 2013 وهو تراكم صار حالة نوعية: الفساد بات ظاهرة، المحسوبية معيار وليس الكفاءة، قيم المواطنة مذكورة في الدستور فقط للتباهي، والعدالة تواجه تهديدات مسلحة لن يستطيع معها القضاء حماية نفسه، وما جرى من تظاهرة مسلحة أخيرا مجرد عينة.ما العمل؟ إن جميع القوى المعنية بالحفاظ على العراق دولة قادرة على تخطي الفشل ومطالبة اليوم بضرورة تشخيص حقيقة أساس وهي أن مفتاح مسيرة الإصلاح هو احد حلين:
– تعطيل الدستور وتعليق عمل مجلس النواب، والعمل بمراسيم يصدرها مجلس “سيادة” يضم الرئاسات الأربع لمدة سنة لحين إزاحة كل عراقيل البرنامج الحكومي، ثم إجراء انتخابات عامة.
وهذا حل صعب طالما أن هناك قوى لديها اذرع مسلحة تعتقد أن مثل هذا المشروع يستهدفها، في ظل حقيقة ان المسلحين يقاربون تعداد القوات المسلحة النظامية، وما لم تكن الفكرة تعريض العراق لحمام دم غير ضروري، فأن هذا الحل مستبعد لعدم القدرة على ضمان تطبيقه على طريقة السيسي، سواء أكان “سيسينا” عسكرياً أم مدنياً، بجانب أن توفير فرص الإصلاح والتغيير السلميين تلغي هذا الخيار طالما انه مازال بالإمكان.
– صياغة تحالف فاعل متخط للطائفية يتبنى مشروع خطوات عملية لتطبيق البرنامج الحكومي بفقراته المشتركة من حكومات السادة العبادي وعبد المهدي والكاظمي، يوثق في مذكرة موقعة من قادته يوضع في عهدة السادة رؤوساء الجمهورية ومجلس الوزراء والنواب والمحكمة الاتحادية، ويعلن في اجتماع شعبي حاشد يتصدره زعماء القوى السياسية المعنية ببناء عراق مدني ديمقراطي اتحادي، تكون إرادة شباب الانتفاضة وبقية العراقيين رقيب لدعم مسيرة تنفيذه بعيداً عن المزايدات وانعدام الوعي بقيمة الحزبية في هذه المرحلة من حياتنا، شريطة برنامج البناء والنزاهة والشفافية يعمل على تنفيذه نخبة من المسؤولين المشهود لهم بالنزاهة، أو بالأقل ممن لم يعرف عنهم التلوث بمغريات السلطة وما تأتيه من “منافع” تحت الطاولة.
عانت كل أطياف الشعب العراقي، بعربه وكرده وتركمانه وبقية العراقيين من قبضة الشمولية، وهي تعاني اليوم من قبضة الفساد وعدم الكفاءة المحمية بالسلاح المنفلت، ولا مخرج إلا بمبادرة سياسية مسؤولة تشكل قوة ضغط عظيمة تلجم مطلقي الشعارات الفارغة، توعي المسلحين “المتحمسين”، الذين يظنون أن حملهم السلاح هو ضمانة التغيير المطلوب في تحقيق العدالة، بالمسار المطلوب لإنصافهم ضمن عملية ضمان حقوق مواطنة كل العراقيين وليس التخندق ضد أخوتهم المنتفضين السلميين، بما يؤدي لعزل من يريدون تدمير هذا الوطن لمصلحة قوى رأس المال الأجنبي الإقليمي والعالمي في زمن العولمة… فيما هناك ظروف إقليمية ودولية يمكن تجييرها لمصلحة مشروعنا الوطني الجامع.المطلوب توفير ظروف طبيعية لتوظيف ريع النفط وبقية الموارد لإعادة البناء في بقية الزمن من الفرصة التي باتت تضيع، في ظل التأزيم المستمر لوضعنا الداخلي، ليستمر نهب مواردنا من قبل إطراف دولية ومحلية، فاستمرار الحالة الراهنة من التأزيم يعني ترك الوطن خراباً بلا موارد في حقبة لاحقة قصيرة، وهي الخيانة الكبرى لأبنائنا وأحفادنا…إنها الخيانة العظمى.