تعرضت العلاقات العراقية العربية ، ومع دول الجوار والمحيط الإقليمي الى إختلالات وعوامل توتر وافتراق في أزمنة مختلفة ، رغم ان هذه العلاقات كانت في أفضل أحوالها في السبعينات والثمانينات، لكن مشكلة دخول العراق الى الكويت عام 1990 ، كان أحد الأساب التي أدت الى هذا التدهور، ثم جاء الإحتلال الامريكي للعراق ، ليقطع آخر حبال هذه العلاقة ، ويضعها في أكثر أحوالها تعقيدا وقطيعة.
وهناك جملة ملاحظات يمكن الوقوف عندها اذا أريد ترطيب أجواء العلاقات العراقية العربية ومع دول الجوار ومع المحيط الإقليمي أو تحسينها نحو الأفضل ندرجها على الشكل التالي:
1. ان تبادر الحكومة الى إصلاح العلاقة مع شعبها وكتلها السياسية في المقام الاول، كبادرة حسن نية لإصلاح علاقاتها بالآخرين ، وبدون إصلاح جوانب هذه العلاقة المتدهورة يكون الحديث عن العلاقات العراقية العربية من قبيل الأمنيات.
2. إن أحد ركائز إصلاح البيت العراقي هو في الاعتراف المتبادل بين كل الاطياف العراقية السياسية ، وتلك التي هي خارج العملية السياسية كل بالآخر، وان تقام علاقة قائمة على احترام وجهات نظر الآخرين والتعامل مع الشعب العراقي على انه شعب واحد لاتفرقه المذاهب ولا الاديان ولا القوميات، وعندما يتم اصلاح البيت العراقي يكون المدخل الى واجهات المحيط العربي والاقليمي أكثر سهولة، وهذا لايتأتى الا بعد بناء أجواء ثقة ، والتخلي عن الإتهامات السابقة المتبادلة بين كل الأطراف، لأن الإعتراف بالآخر أصبح أمرا واقعا لايمكن إنكاره مهما حاول ( البعض ) أن يدفن نفسه بالرمال.
3. ان الدول العربية تريد رسائل تطمين من الحكومة العراقية على ان تتخلى عن توجهاتها السابقة في الانفراد بالسلطة والقرار وان تتخلى عن نهجها الطائفي المعادي للعرب ، وان توقف كل حملات الدعاية المناهضة للمحيط العربي والاسلامي والدولي، لكي يتم تحقيق انفراج في هذه العلاقات نحو الأفضل.
4. في ظل الوضع الحالي للعراق وتشجيع المليشيات للعمل في الساحة العراقية وتحت انظار الحكومة وبدعم منها يكون من الصعب الحديث عن اصلاح علاقات العرب مع العراق ومع دول الجوار التي تنظر الى شيوع مظاهر التجييش الطائفي والمذهبي وفرض نظام طائفي محدد على العراقيين على انه يبعد المسافات بدلا من ان يقربها، اذ ان اكثر الدول العربية لها هي الاخرى امتدادات قومية وعشائرية ومذهبية وسياسية مع محافظات عراقية عديدة، وهي ترى ان اغلبية الشعب العراقي يرضح تحت نير نظام لايريد اصلاح العلاقة مع شعبه ووجود التظاهرات الحالية وعدم تنفيذ مطالبها المشروعة حتى الان لايخدم تطور هذه العلاقات ولا يسهم في بدء صفحة جديدة وتبقى هذه العلاقات تشوبها الكثير من حالات الـتأزم والافتراق والتناحر.
5. ان العراق مرشح لأن يكون نواة الحرب الأهلية اذا بقيت سياسات الحكومة الحالية على هذا المنوال ولم تحسن التعامل مع شعبها بواقعية ، وان تحقق له الحد الادنى من اجواء الكرامة والحرية والتخلي عن ممارسات حملات الاعتقال والملاحقة والتهجير وانتهاك الاعراض وتدهور اجواء الحريات ، وكل حديث عن الديمقراطية في العراق يعدونه سرابا مخادعا ان لم يتم إحترام حقوق الانسان في هذا البلد وصون حرية شعبه وضمان الحد المقبول من العيش الكريم لمختلف شرائحه بغض النظر عن توجهاتها الطائفية والسياسية.
6. ان العرب يشعرون انهم بدون العراق ومصر لن تقوم لهم قائمة بعد الان واصلاح العلاقات العربية مع العراق ومصر يعيد لهم هيبتهم وتوازنهم في الوسط الدولي ، ومن شأن قيام العراق بحملات زيارات على مستوى عال بعد اصلاح الحال مع الشعب العراقي تكون الابواب قد انفتحت على مصراعيها ويكون دخول بوابة العراق ايجابيا ويخدم كل العرب والمنطقة، وهو ما سيدر على العراق بأموال وثروة وجاه وقوة ومكانة يعيد حالة توازنه الى ما كانت عليه ايام عزها وزهوها.
7. ربما لاتشجع الادارة الاميركية ولا اسرائيل ولا ايران محاولات من هذا النوع باتجاه ترطيب اجواء علاقات العراق مع محيطه العربي والاسلامي لأنها لاتجد في تطور هذه العلاقات مسارا لابقاء العرب يرزحون تحت نير احتلالها وسطوتها عليهم، وان يدرك العراقيون سنة وشيعة وعربا واكرادا وقوميات اخرى انه لا الولايات المتحدة ولا اسرائيل ولا ايران تريد الخير لهذه العلاقة.. انه ثالوث مقدس، لم يكون في يوما راغبا بان يكون للعراق مكانة على مر التاريخ ، وان تحطيم العراق هو قدرهم الذي لاينبغي في تفكيرهم التخلي عنه ولذلك يعملون بكل ما اوتوا من قوة وتحرك نشط لافشال اية محاولة من هذا النوع لكي لاتنشط جوانب العلاقة بين العراق ومحيطه العربي والاسلامي في اجوائها الرحبة، ولهذا سيعملون في السر والعلن على تحطيم ركائز علاقة من هذا النوع ويجدون في توجهات بعض القوى السياسية العراقية مايخدم اغراضهم في ابقاء اجواء العراق في دائرة العزلة، وان احاديثهم عن رغبتهم بتطوير علاقات العراق مع اشقائه ومحيطه ضمن المنطقة ما هو الا سراب مخادع الا في الحالات التي تخدم اغراضهم هم، لاقامة تجمعات اقليمية كانوا قد شجعوها من قلبل وادت الى كوارث على المستقبل العربي والعراق بوجه خاص.
8. لايمكن الاعتماد على الولايات المتحدة كداعم للعراق في استمرار بقاء نظامه السياسي ، بل انه اذا اريد للعراق ان يبلغ مرتبة من التقدم والنهوض وان يستعيد عافيته فلا بد من ان يصلح علاقاته مع جميع جيرانه ومع المحيط الاقليمي والدولي، واذا كانت هناك علاقة مع طرف إقليمي ، تبدو اكثر من المعقول ، ويعرف العراقيون ان مثل هذه العلاقة تعود عليهم بأضرار مثل العلاقة الحالية مع ايران، فأن افضل حل لتخليص العراق من ارتهان مصيره بدول الجوار ان يقيم علاقات متوازنة مع الجميع بنفس مقدار الكفة ولا يعطي ارجحية لاية علاقة على حساب دول اخرى ، وان يدرك القائمون على الحكم في العراق انهم ان رهنوا مستقبل بلدهم بإيران وأمريكا فلن تقوم للعراق قائمة بعد اليوم ، لانهم وراء كل أزمات العراق ومصائبه، وان رسم ستراتيجية توازن جديدة سيقوي من مكانة العراق ويكون هو الرابح الاكبر ان بنيت العلاقات مع دول الجوار على اساس قاعدة التوازن والمصالح المشتركة وبدونه يكون الحديث عن علاقات مع دول الجوار من قبيل الدعاية والاستهلاك المحلي ليس الا.
9. ان العراقيين لايريدون تخريب العلاقة لا مع امريكا ولا مع ايران ، لكنهم يريدون علاقات متكافئة تقوم على الاحترام والاعتراف بسيادة الآخر ونوع النظام السياسي الذي يخدم شعبه لا ان يفضون عليه نظاما طائفيا محددا من اي نوع من انواع حكم الطوئف الذي يرفضه العراقيون ويريدون اقامة دولة مدنية تقيم الحق والعدالة وتحترم شعبها وتوفر له سبل العيش الكريم الآمن المستقر عندها يمكن اقامة علاقات مع المحيط العربي والدولي في أجواء مريحة وأكثر سهولة واكثر نفعا وخدمة للعراق وللعراقيين بل ولشعوب المنطقة بأسرها.
10. لقد إشتكى وزير الخارجية هوشيار زيباري أكثر من مرة بأن تحسين علاقات العراق بالمجتمع الدولي والمنظمات الدولية كمنظمات حقوق الإنسان تصطدم دوما بممارسات الأجهزة الأمنية وحملات الاعتقال والتعذيب والتهجير التي تمارس على نطاق واسع في العراق ، ما يصعب فهم إقامة علاقة سليمة لا مع المحيط العربي ولا مع المجتمع الدولي عموما، الذي يرى في هذه الممارسات ، إنحرافا عن المسار الديمقراطي ، بل وتتويجا لممارسات دكتاتورية لاتمت لحقوق الإنسان بأية صلة، ولهذا يصعب تصور إقامة علاقات مع دول العالم، إذا بقيت هذه الممارسات هي السائدة في تعامل الحكومة مع الشعب العراقي.
11. ان الولايات المتحدة تجد نفسها محرجة هي الأخرى ، عندما يتم الحديث عن نظام ديمقراطي في العراق، فهي لم يكن في تصورها ان النظام السياسي في العراق سيعود الى عهود الإنفراد بالحكم ، والى علاقة متدهورة مع قطاعات عراقية واسعة ، وإن عملت من جهتها على تأزيم العلاقة بين الاطياف العراقية ، لكنها كانت تتمنى إقامة نظام حكم ديمقراطي يكون أمثولة للمنطقة على انه الشرق الأوسط الجديد المصغر، لكن ضخامة الخسائر الفادحة التي واجهتها في العراق وتعقيد المشهد السياسي العراقي ، حال دون إقامة نظام ديمقراطي وفقا لتصوراتها، على غرار ما حدث بعد الحرب العالمية الثانية من إقامة أنظمة أكثر ليبرالية وديمقراطية ، وما حدث في اليابان وكوريا الجنوبية والمانيا الغربية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية أمثلة يمكن أن نسوقها في هذا المجال،لكن ماحدث في العرق بعد إحتلاله ، أمر مخالف لكل التوقعات الاميركية، نظام هجين، ليس بمقدور الإدارة الاميركية الدفاع عنه امام المجتمع الدولي.
12. ان العراق كان يؤكد منذ الثمانينات والتسعينات على انه يشكل عنصر الارتكاز والتوازن في المنطقة، وكان فعلا هكذا ، والصحافة الغربية كانت تؤكد هذه الحقيقة ، لكن نائب الرئيس الاميركي / بايدن / بعد أكثر من عشرين عاما ، عاد وجدد تأكيد هذه المقولة خلال لقائه الاخير بالمالكي وكانه ” مكتشف اللبلبي ” كما يقال في الكلام الشعبي العراقي، وكأن العراقيين لايعرفون ان العراق بثقله ومكانته وموقعه الستراتيجي وثرواته النفطية الضخمة يشكل عامل توازن وارتكاز للعالم وللمنطقة بأجمعها ، بل ان العراق هو قلب العالم ونبضه الدافق، ولن يكون بمقدور أي كان ترويضه او سلب دوره الحضاري في المنطقة، وهذه النقطة هي التي كانت بالذات مصدر خشية لبعض القيادات العربية السابقة التي عملت على عرقلة نهوض العراق وورطته في حروب مدمرة لكي يصل الى هذه النتيجة التي هو عليها الان، لانهم لم يدركوا مدى المخاطر المترتبة على قيامهم بالتآمر ضده مع جهات عراقية معارضة كانت تقطن فنادق لندن وامريكا ودمشق وعمان وطهران والقاهرة وعواصم أوربية وهي في أغلبها أما هربت لأنها أتهمت بالسرقة أو هربا من الخدمة العسكرية أوأرتكبت جريمة مخلة بالشرف أو بخرقها لقانون وللنظام، وسعت كل هذه الدول وهذه العناصر العراقية للعمل على التعاون مع الامريكيين والاسرائيليين والايرانيين لكي يصل بالعراق الحال الى ماوصل من وضع لايحسد عليه، والنتيجة بالنسبة للقيادات العربية اصبحت ان التدهور سار الى دولهم وراحت تتدحرج كياناتهم وزعاماتهم الواحدة بعد الاخرى ، لكن العراق لابد وان يستعيد عافيته رويدا رويدا، الى ان يكون بمقدوره ممارسة دوره الذي يليق به، كعنصر توازن من جديد ونقطة ارتكاز لسلام المنطقة والعالم أجمع.