لايسع من يطلع على كتاب شذرات من تراث الكاظمية في القرن العشرين ، الا ان يشعر بوقفة وفاء ومحبة مؤلفه الكاتب الاعلامي الصديق والاخ علي عبد الامير الزبيدي لهذه المدينة العريقة واهلها وتاريخها الزاخر بالتضحيات والعطاء .. كما يلمس مقدار الجهد الكبير المبذول في اعداده ليخرج بهذه الصيغة الجميلة والرائعة .
واذ حرص المؤلف على ان يتناول كما اشار هو في التوطئة ( الكاظمية علماً وفكراً وثقافة وموروثاً شعبياً في كل تفاصيله على مدى 100 عام ..) فانه قال بتواضع بان هذا الكتاب ( ليس تسجيلا تاريخياً حرفياً وانما اطلالة على كل شيء فيها ..)
وبرغم مكانة الكاظمية التاريخية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً اضافة الى قدسيتها فانها ومع الاسف عانت وتعاني من عدم الاهتمام الذي يليق بمكانتها و تعرضت ” خلال الاعوام التي تلت احتلال العراق الى فوضى عمرانية وضياع الكثير من معالم المدينة القديمة وارثها العمراني بحجة التطوير وتوسيع العتبة الكاظمية .. ” اضافة لفقدانها الى جزء كبير من مكانتها الاقتصادية كمدينة تجارية بسبب القطوعات الامنية التي فرضتها الاوضاع غير المستقرة للعراق بعد 2003 وربما يحتاج تناول التشويه والاهمال الذي تعرضت له الكاظمية وما زالت الى كتاب بحد ذاته .
وقبل العودة الى كتاب الاستاذ علي عبد الامير الزبيدي لابد ان اعترف هنا بالعجز عن ايفاء هذا الكتاب ما يستحقه بسبب غزارة ما فيه من معلومات واسماء شخصيات ومحلات سكنية ومعالم عشنا فيها لحظات غير قليلة من عمرنا ، وحسبي هنا ان اشارك اخي الزبيدي وقفة الوفاء والمحبة بهذا المقال المتواضع ..
في شذرات من تراث الكاظمية بفصوله الثلاثة وملحقه المصور ياخذنا الاستاذ علي الزبيدي في رحلة ممتعة ومشوقة لسبر اغوارطبيعة اهلها ومعدنهم الاصيل حيث يستعرض في الفصل الاول علماء وفقهاء الكاظمية وفي مقدمتهم الشيخ مهدي الخالصي الكبير والسيد ابراهيم الحيدري والسيد جعفر الاعرجي والشيخ راضي ال ياسين وسدانة الروضة الكاظمية ثم رجال الفكر والمعرفة وابرزهم الدكتور علي الوردي والدكتور حسين محفوظ . ويبدأ الفصل الثاني لرجال السياسة حيث يتصدرهم السيد محمد الصدر والدكتور محمد فاضل الجمالي الذي انتقل للعمل من ديوان وزارة المعارف الى وزارة الخارجية ليكون على راس هذه الوزارة ويسجل مواقف مشرقة في تاريخ العمل الدبلوماسي وظل ( يتدرج صعوداً في مجال العمل الوظيفي الى ان شغل رئاسة مجلس الاعيان ثم رئاسة الوزراء لمرتين متتاليتين .. ). ومن رجال السياسة الى الحياة العلمية والثقافية في الكاظمية ليتناول المؤلف الزبيدي الشعر والشعراء والصحافة والصحفيون والفن والفنانون بما فيها الموسيقى والغناء والمصورون والتصوير الفوتغرافي ومكتبات الكاظمية العامة والخاصة والمجالس الادبية والمعلمون والمدرسون والمدارس في المدينة والاطباء والصيادلة والمضمدون الصحيون ورجال القانون والمحامون والصيرفة والمصرفيون ثم ينتقل في نفس الفصل الى الجانب الاداري للكاظمية فيستعرض قائم مقامو المدينة ومختاروها ووسائط النقل قيها . اما في الفصل الثالث فقد تناول فيه المؤلف الحياة الاجتماعية والمهنية فيبداً بالمواكب الحسينية التي تقام في شهر محرم الحرام ودورها في تسليط الاضواء على الواقع السياسي للعراق بقصائد بعضها ما زالت خالدة ترددها الاجيال كما يستعرض الزبيدي الطقوس والممارسات الاجاماعية في شهر رمضان اضافة الى الحج والحملدارية والكتاتيب وشيوخها وقراء كتاب الله القران الكريم ولاينسى المؤلف القابلات المأذونات اللاتي يطلق عليهن بالعامية ( الجدات ) ثم المدفن والدفانة في الكاظمية والسقاية واسالة الماء وظرفاء المدينة ناهيك عن استعراضه لشخصيات علمية وادبية واجتماعية سكنت الكاظمية والوجوه الاجتماعية لها وفتواتها والامثال الشعبية فيها والخانات والحدائق العامة وتراث الكاظمية الرياضي ونظام التظيف في المدينة والصناعات والمهن وابرزها النسيج والصياغة والدباغة ثم المقاهي والحمامات والاسواق والحلاقون والدلالون والمأكولات الشعبية وغير ذلك من المهن والاعمال .
وكان حسن ختام الكتاب هو ملاحق الصور التي جمعها الكاتب بجهد يشكر عليه .
اخيرا هنيئاً للاخ ابو سامر الاستاذ علي الزبيدي ولنا هذا الاصدار الذي يستحق القراءةكونه يمنح القاريء صورة عن مدينو تاريخية اسمها الكاظمية .