كتب بوشكين قصيدته القصيرة هذه عام 1829وهي بدون عنوان , لهذا اخذوا يسمونها باول كلمة جاءت فيها وهي – ( احببتك ), وتعد هذه القصيدة واحدة من اشهر قصائده بين القراء الروس والاجانب ايضا, اذ انها تدخل ضمن مناهج تدريس اللغة الروسية للاجانب لانها تجسٌد– وبشكل مدهش – التركيب والبناء اللغوي النموذجي للجمل الروسية ودقتها وجماليتها ووضوحها, اضافة الى موضوعتها الجميلة وغير الاعتيادية , اذ ان بوشكين يتمنى لحبيبته في نهاية القصيدة ان يحبها شخص آخر, وهذه مسألة مثيرة لكل القراء, بغض النظر عن جنسيتهم وقوميتهم طبعا, وأذكر اني أجريت مرة استبيانا بين طلبتي في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد حول قصائد بوشكين التي درسناها ضمن منهجنا لمادة الشعر الروسي , وقد جاءت هذه القصيدة في المرتبة الاولى بين كل القصائد الاخرى للشاعر , رغم ان معظم الطلبة تقريبا أشاروا الى ان نهايتها غريبة ولا تنسجم مع الواقع بشكل عام , والواقع العراقي والشرقي بشكل خاص.
توجد الكثير من الترجمات العربية لهذه القصيدة, وقد استطعت الاطلاع على سبع ترجمات منها فقط , ولم استطع – مع الاسف – ان اجد نصوص الترجمات الاخرى, والتي أعرف انها موجودة فعلا , واظن ان عرض هذه الترجمات للقارئ – مسألة مثيرة وطريفة, اذ انها ترسم صورة لفوضى الترجمة في عالمنا العربي اولا, ولا تخلو من متعة القراءةثانيا, حيث يحاول كل مترجم ان يعبٌر عن فهمه لنص قصيدة بوشكين حسب امكانياته الابداعية, ولنتوقف عند البيتين الاول والثاني , وقبل ان نبدأ بعرض الترجمات المختلفة والمتنوعة, نعطي الترجمة الحرفية للبيتين – ( انا احببتك, والحب يمكن ان يكون / في روحي لم ينطفئ كليا ), واكرر ان هذه الترجمة حرفية ليس الا, وبالتالي فهي ليست لا من قريب ولا من بعيدالترجمة الشعرية النموذجية المطلوبة للتعبير عن جمالية الصياغة الرائعة الجمال كما جاءت في نص بوشكين. والآن لنقرأ ترجمة هذين البيتين كما جاءت عند المترجمين – ( احببتك, ومازلت احبك,/ فاللهب لم ينطفئ في قلبي,) – ترجمة نزار سرطاوي من موقع صدانا, الصالون الثقافي, ( اجل لقد احببتك, ولا يزال الحب ممكنا بعد / فلم تنطفئ شعلته تماما في روحي ) – ترجمة أماني مغاوري من موقع منتدياتوانا الحضارية , ( أنا احببتك/ وربما سأبقى/ احبك او / لبرهة هذا/ الشعور سيبقى/هكذا ولكن )- ترجمة سالم الياس مدالو من موقع الحوار المتمدن , ( احببتك,وهذا الحب,اذ يرفض الموت,/ قد يبقى- من يدري – مستكنا في صدري .) – ترجمة رفعت سلام من كتاب الغجر واعمال اخرى / الكسندر بوشكين القاهرة 2010 , ( احببتك..وربما ما زال الحب / يتراقص في روحي كجذوة لم تنطفئ ) – ترجمة نهاد عبود من موقع الادب الروسي , ( احببتك ذات مرة..وربما لا يزال هذا الحب باقيا / لن يفنى ولن يموت الا عندما تفارقني الروح ) – ترجمة حسام الدين مصطفى من موقع حسام الدين مصطفى صلوات كيوبيد – قصائد مختارة , ( احببتك انت ..ولا ازال احبك / فنار هواك تؤجج في داخلي… لم تنطفئ بعد )- ترجمة عثمان محمد ابو بكر من موقع الادب العربي. والان , وبعد عرض هذين البيتين بترجمة سبعة مترجمين يحق لنا ان نطرح الاسئلة الاتية –
1-هل استطاع المترجمون ان يعبروا عن المعنى العام في قصيدة بوشكين المذكورة؟ والجواب – نعم.
2- هل استطاع المترجمون ان يحافظوا على شاعرية القصيدة وروحية بوشكين؟ و الجواب –نجح بعضهم وفشل البعض الآخر.
3- هل يحق للمترجم الذي لم يستطع ان يعكس روحية بوشكين الشاعرية في بداية ترجمته ان نستمر بعرض ترجمته ؟ والجواب- كلا بالطبع .
وبناء على جواب السؤال الثالث نقدم للقارئ ثلاث ترجمات كاملة فقط لهذه القصيدة –
احببتك/بوشكين// نزار سرطاوي
++++++++++++++++++
احببتك, وما زلت احبك,
فاللهب لم ينطفئ في قلبي,
لكن لا تدعي حبي لك يزعجك بعد اليوم,
فلا اريد ان اسبب لك المزيد من الحزن.
لقد احببتك بصمت, بلا أمل,
بكل خجل, ومع ذلك مزقتني الغيرة,
احببتك بكل صدق, بكل حنان,
وادعو الله ان يهئ لك شخصا آخر ليحبك هكذا.
احببتك / بوشكين// أماني مغاوري
+++++++++++++++++++
أجل لقد أحببتك,
ولا يزال الحب ممكنا بعد,
فلم تنطفئ شعلته تماما في روحي,
غير اني لن اقلقك بحبي ثانية,
ما أنا راغب ان أحزنك.
اجل احببتك صامتا يائسا,
أحببتك في خجل منك,
أو في غيرة مضنية,
وبرقة وصدق عظيمين,
وبمثل هذه القوة أدعو الله
أن يحبك آخر سواي.
أحببتك/ بوشكين// نهاد عبود
++++++++++++++++
أحببتك…وربما ما زال الحب,
يتراقص في روحي كجذوة لم تنطفئ,
ولكن لا تدعي ذلك يحزنك,
لا اريد ان تتكدري من أجلي بعد الآن.
لقد أحببتك بصمت..بلا أمل,
واكتويت من ناريٌ الخجل والغيرة,
لقد كنت أحبك بصدق..بصمت,
كم أصلٌي لله كي يمنحك من يحبك مثلي.
هل نصوٌت كي نختار أفضل ترجمة بين تلك الترجمات؟؟؟ والجواب – كلا بالطبع, فكل الاجتهادات الموضوعية ضرورية لنا في عملية الترجمة الابداعية , كما هي ضرورية في مسيرة الحياة الانسانية بشكل عام.