شهدت العاصمة العراقيّة، بغداد، خلال شهر آب/ أغسطس الماضي، العديد من الفعّاليّات (النادرة والمركّزة)، فبعد أقلّ من (24) ساعة على انتهاء قمّة بغداد الدوليّة نظّم مركز الرافدين للحوار (ملتقى الرافدين 2021… حلول) للفترة من 29 – 31/ آب (أغسطس) 2021.
وذكر القائمون على الملتقى أنّ بلاد الرافدين تختبر بتحدّيات كبيرة محلّيّة وإقليميّة ودوليّة، أهمّها نتائج حراك تشرين (أكتوبر) 2019 والانتخابات المبكّرة.
وناقش الملتقى حلول مشكلات الواقع العراقيّ السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة، وذلك لأنّ” الحوار المحايد، والأفكار الخلاّقة تسهم في حلِّ المشكلات والوصول إلى مبادرات متميّزة، عبر إثراء النقاش، وتقريب وجهات النظر من أجل تغيير إيجابيّ في البلد”.
وشارك في الملتقى شخصيّات من الرئاسات والوزراء وكبار المسؤولين التنفيذيّين والتشريعيّين والحقوقيّين، ومراكز الأبحاث المحلّيّة والدوليّة.
وتطرّق الملتقى للعديد من المحاور المتعلّقة بالعراق والعالم، ومنها الفيدراليّة، والحشد الشعبيّ، ومنظومة الأمن والدفاع، ومكافحة الفساد وغيرها من القضايا السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة!
ورغم أنّ المركز يذكر في تعريفه أنّه مركز فكريٌّ مستقلٌّ (THINK TANK)، يُشجّع الحوارات السياسيّة والثقافيّة والاقتصاديّة بين النخب كافّة؛ لتعزيز الديمقراطيّة وتحقيق السلم المجتمعيّ، ورفد مؤسّسات الدولة بالخبرات والرؤى الاستراتيجيّة؛ ابتغاء تفعيل دورها، إلا أنّ بعض نشاطات الملتقى (الثقيلة) تتطلّب منّا التدقيق الحثيث في العديد من الجوانب، ومنها التأثير المدهش والضاغط عبر مشاركة زعماء العراق وكبار مسؤولي الدولة من المدنيّين والعسكريّين في فعّاليّاته، والحرص على عضويّته!
فكيف يمكن أن تُفهم فرضيّة (الاستقلال) مع وجود هذا الترابط المتين والتشابك المذهل في التأثير والعلاقات مع مؤسّسات الدولة؟
وبعيدا عن بعض الملاحظات أعتقد أنّ الملتقى كان مناسبة مهمّة وجيّدة لمناقشة جملة من القضايا الوطنيّة المصيريّة والحساسة، ومنها محاكمة الخارجين عن القانون، وتكبيل أعداء السلم المجتمعيّ، وحصر السلاح بيد الدولة، وتكميم الخطاب الطائفيّ، وتصفية البلاد من المساعي الخبيثة لتخريب وعي المواطنين وثقافتهم وغيرها من الملفّات الفكريّة والإنسانيّة السامّة التي تمتدّ آثارها لعشرات السنوات المقبلة، وهذا ما لم يحدث!
ولاحظنا أنّ الملتقى لم يتطرّق لقضيّة المغيّبين، وبالذات مع تزامن انعقاده مع اليوم العالميّ للاختفاء القسريّ (30 آب/ أغسطس)، وأيضا غضّ الطرف عن الإرهاب المغلّف بقوّة القانون، والترهيب الفكريّ!
وهنا يهمّنا أن نركّز على مناقشة قضيّة دقيقة تغافل عنها الملتقى تماما مثلما تفعل الحكومة والقوى السياسيّة الفاعلة، والمتمثّلة بتجاهل وجود قوى فاعلة ومعارضة للنظام السياسيّ العراقيّ الحاليّ ومتواجدة خارج البلاد!
وحقيقة لا يمكننا تفهّم كيف لملتقى بهذا الحجم أن (يتغافل) قضيّة المعارضة الخارجيّة، ويركّز على حراك تشرين فقط، الذي هو جزء من الحالة الرافضة للواقع المرهق، لكنّه لا يمثّل جميع القوى المعارضة الخارجيّة، والمكوّنة من منابع فكريّة وسياسيّة متنوّعة، لكنّها متّفقة على قضيّة البحث عن وطن؟
وحالياً هنالك العديد من قوى المعارضة العراقيّة الواضحة والمعلومة، والتي لم ترهن قرارها بيد الحاقدين على العراق، وهي كيانات نقيّة وصلبة، وبعيدة عن الإرهاب، وتهدف لبناء الوطن، وترتيب حياة حرّة كريمة، وتخليص البلاد من الإرهابيّين والمخرّبين والكارهين للحياة، وتأمل عودة العراق الفاعل إقليميّا ودوليّا!
إنّ تجاهل وجود المعارضة العراقيّة الصافية لا يختلف عن حالة القفز السياسيّ على الواقع المحلّيّ المتهالك الذي مارسته حكومة بغداد خلال مؤتمر الشراكة والتعاون، الذي عقد قبل ستّة أيّام، وهذا القفز لا يمكن أن يحلّ الإشكاليّة لأنّ القيادة الحكيمة هي التي تواجه الواقع، وتسعى لتنقّيته!
كنا نأمل أن يتطرّق الملتقى لكلّ ما يمكن أن يكون أرضيّة صالحة للتعايش المجتمعيّ، وأن يكون منبرا للضعفاء والمظلومين والمهجّرين والمغتربين، وأن يركّز على القضايّا الكبرى المتعلّقة بتصفير مشاكل العراق!
ينبغي على النخب الفكريّة والسياسيّة أن يكونوا أداة لجمع الكلمة وتسليط الضوء على الآفات القاتلة في عموم البيت العراقيّ، والعمل على تقديم الحلول الموضوعيّة والحكيمة والصافية للمشكلات الجذريّة، ومنها القبول بالرأي والرأي الآخر، والنقاش القائم على سلامة الصدر، والابتعاد عن الاتّهامات الجاهزة!
القفز على الواقع العراقيّ لتصويره بشكل غير دقيق لا يتّفق مع نظريّات البناء السليم للدولة، ولا يقود إلى قواعد متينة للتعايش السلميّ!
لنتكاتف من أجل عراق خال من الخراب، ولنقرأ الواقع بعناية وحكمة ثمّ لنفكّر بالغد المشرق، وكلّ ذلك وفقاً لميزان القوّة العادلة العاقلة!
dr_jasemj67@