18 ديسمبر، 2024 9:33 م

حبكة رهاب العرب والمسلمين

حبكة رهاب العرب والمسلمين

تكفي نظرة مسحية على البنيان الاستراتيجي لكتلة القوة العسكرية المهولة التي يحشدها حلف شمال الأطلسي، والذي يمثل الذراع الضاربة الفعلية لقوى الولايات المتحدة ومن لف لفها من الدول التي تتحكم ببناها السياسية الشركات العولمية العابرة للقارات، لتظهر بشكل جلي للعيان بأن الرهاب المتأصل، والخوف الاستراتيجي لدى القائمين على صناعة الاستراتيجيات في لب هاتيك البنى السياسية هو من صعود الصين كقوة عالمية قد تهدد بشكل ما السيطرة الكليانية للمجمعات الصناعية العسكرية في العالم الغربي -لحد الآن- على الرهط الأعظم من الثروة وعوائد الهيمنة على المستوى الكوني. ويفصح ذلك الرهاب عن نفسه من خلال حقيقة أن الجزء الأكبر من القوة الضاربة لحلف شمال الأطلسي تحتشد في جزيرة غوام في بحر الصين مقابل الشواطئ الصينية. وهو مشعر لا يخفي دلالته العميقة من الناحية الاستراتيجية لأي مراقب حصيف.
وعلى الرغم من ذلك الواقع وتلك الحال، فإن الصين على الرغم من اعتبارها «أس المخاطر الوجودية» في منظار حكام العالم الفعليين، أرباب المجمعات الصناعية العسكرية في الغرب، وشركاتها العابرة للقارات، فإنها لا تصلح لأن تكون العدو المشهر من الناحية الإعلامية، الذي بوجوده يتم تخويف دافعي الضرائب في الغرب من ذلك البعبع الذي ينتظر الإطباق عليهم وعلى حيواتهم المرفهة، بعد زوال «الغول السوفيتي» الذي كان يقوم بذلك الدور إبان حقبة الحرب الباردة، وعدم صلاحية مسرحيات «الحرب على تجارة المخدرات»، و«الحرب على الجريمة المنظمة»، والتهديدات الخلبية من دول مجهرية مثل «نيكاراغوا»، أو حتى كوبا المنهكة بحصارها المزمن، في تخليق ذلك الوعي الهستيري الضروري لضمان استسلام دافعي الضرائب في الغرب الكلياني لإرادة مستبديهم المنمقين بتزويقات الديموقراطيات الشكلية في الغرب، وإذعانهم المطلق، وتسليمهم لكل مفاتيح خزائن الأموال العامة لهم لصرفها بأي شكل قد يحفظ حيواتهم من الأفول بين براثن و أنياب ذاك البعبع المتحين فرصة انقضاضه عليهم، والتي لا بد أن تصب وفق قواعد الرأسمالية المعولمة في جيوب المجمعات الصناعية العسكرية في دول الأثرياء الأقوياء، وشركاتها العابرة للقارات.
وعدم صلاحية الصين لأن تكون ذلك البعبع المعلن إعلامياً عائد لكونها قوة ذات وزن نوعي قائم بالفعل بشكل عياني مشخص، ومحاولة «شيطنتها» وتحويلها إلى «غول أفعواني» قد تنقلب إلى مواجهة حقيقية مع دولة شمولية ذات بنيان قادر على الرد، وهو لا ينسجم مع هدف «التخويف والترهيب» لأغراض سياسية داخلية، لا يراد منه الدخول في أي مواجهات حقيقية، قد تقتضي دفع أثمان حقيقية ملموسة جراء تلك المواجهة.
وفي هذا السياق، تفصح «الحرب على الإرهاب» عن نفسها بمثابة الترياق والحل الناجع الصالح لكل زمان ومكان من منظار أصحاب الحل والعقد في الغرب، فهي تلبي الهدف الأساسي في «استدامة حالة الرهاب الجمعي» في الغرب، بالإضافة إلى أنها تمثل حرباً مع عدو «غامض» على طريقة الأفلام الهوليودية «لا شكل عيانياً له»، قادر على التحول والتمظهر بكل الأشكال والتلاوين العجابية الغرائبية. وهو إبداع «إخراجي» لا مثيل له في قدرته على تعميق وتوطيد حالة «الرهاب الجمعي» في الغرب؛

بالتوازي مع أهمية مرهفة مرتبطة بتلك الصفة الأخيرة لذلك العدو «المبهم»، وهي أنه في الواقع حفنة من «البائسين المشردين المحبطين» عمقاً وسطحاً، في دول مضعفة مهشمة لما يعد فيها أي سمة من سمات الدولة سوى الفشل المدقع، وهم الذين لم يعد يتيح لهم منظارهم «الاكتئابي العميق» لحالهم البائس سوى الانغماس في منظارهم السوداوي الذي لم يعد فيه من أفق لإعادة الاعتبار لشخصياتهم المهشمة والمهدمة، سوى السعي الدؤوب لمحاولة «الانتقام» ممن صير واقعهم وحياتهم وكينونتهم على تلك الشاكلة البائسة، عبر تحويل أجسادهم إلى «قنابل موقوتة» تنتظر الأوان الملائم لقدح زنادها على طريقة شمشون «الأعمى». وهؤلاء «البائسون المحبطون» و«دولهم الفاشلة» لا يرقون بأي شكل من الأشكال لتشكيل أي تهديد حقيقي ذي وزن نوعي حقيقي من النواحي الاستراتيجية والتكتيكية للهيمنة المطلقة لحلف شمال الأطلسي على مفاتيح السلطة والثروة والموارد الأولية واليد العاملة الرخيصة في عموم أرجاء الأرضين، بينما هم في الواقع أهداف مشرعة لا حول لها ولا قوة في أي مقاومة ذات تأثير ملموس، أو الرد على أي «هجمات عسكرية» يقوم بها ذلك الحلف بين الحين والآخر لاستعراض قوته العسكرية، أو تجريب أسلحة جديدة، أو تذكير مواطني بلدانهم «بالخطر المحدق بهم»، في عملية أشبه ما تكون بإعادة «التمنيع الدوري» التي يتبعها الأطباء لضمان استمرار قدرات الجهاز المناعي على التعرف على عدوه الغازي بالشكل الأمثل، وعدم تسربه من ثقوب «ذاكرة الجسد الاجتماعي المناعية» تحت أي ظرف كان.