العلاقة بين الكرسي والدين معقدة , وما أفلح دين في توطيد العلاقة , وتحقيق المنفعة للدنيا والدين , وإنما تتحقق المآسي المروعات حالما يمسك الدين بالكرسي!!
فالعلاقة ما بين الكرسي والدين لم تحسم حتى اليوم في الإسلام , ومنذ وفاة النبي والتفاعل مع الكرسي يتحقق بفردية وفئوية وعائلية وتحزبية , وما تمكن المسلمون من إستنباط ضيغة راسخة متوارثة للحكم , تتداولها الأجيال بسلام وأمان دون إراقة دماء.
فالمسلمون فشلوا في صياغة نظام حكم دستوري منطلق من “وأمرهم شورى بينهم ” , بل سادت الفردية المقدسة , التي أخرجت الجالسين على كراسي السلطة من بشريتهم , وحولتهم إلى رموز تنفذ إرادة الله , بل تنوب عنه في التعامل مع عباده , فكان مفهوم الخليفة الذي تطور ليكتسب معانٍ أخرجته من واقعه البشري , ورحلته إلى واقع إلهي وديني , والخليفة هو أمير المؤمنين , والمنفذ لإرادة الله فيهم , فمظالمه تنفيذ لظلم الله الواقع على عباده.
ولا تزال معضلة العلاقة بين الكرسي والدين معقدة , وتستنزف الطاقات والقدرات وتسفك دماء الأبرياء , وتخرب الديار بإسم الحكم الذي تفهمه كل فئة على هواها وتأويلاتها وتصوراتها , وما تطمح إليه بأهوائها المنفلتة , والتي تبرر ما تقوم به وتسوّغه بفتاوى المغرضين.
والمشكلة أن إرادة الكرسي غير إرادة الدين , وعندما يجلس الدين في كرسي السلطة , فأن الكرسي سيفرض إرادته على الدين , ومنطق الكرسي واحد لا يتغير في حياة الشعوب , إنه غابي الطباع , والديني إنساني الطباع , وبين الإساني والغابي مسافة ساشعة.
فكيف يتحقق التوافق بين حالتين متنافرتين؟
كاد العرب أن يفلحوا في تقرير مصير الإمامة والسيادة , لكن الأطماع البشرية تسببت بتداعيات متواصلة , فنشأت العداوة بين الإمامة والسيادة , لأن الإمامة تستحضر السيادة , وفي ذلك تصارع وتقاتل مرير , هدرت به أرواح آلاف المسلمين , وسفكت دماء أبرياء , وقتل أعلام ورموز معرفية وعلمية وفقهية , بسبب العجز المتواصل في وضع الأسس الصحيحة لعلاقة الدين بالكرسي , بسبب التأويلات والتفسيرات والرؤى والتصورات , التي أزرت بإرادة المسلمين , وجعلت الأجيال تعيد ذات التفاعلات , وما من مخرج آمن وسليم.
فهل سيهتدي المسلمون إلى صيغة حكم دستورية تنفع الدين وأهله ؟!!
ألا يكفينا تخبطا وإضطرابا وإجتهادا عقيما!!