بعد جولة المباحثات الاخيرة بين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي والرئيس الامريكي جو بايدن في السادس والعشرين من تموز الماضي واعلان الادارة الامريكية عن سحب قواتها القتالية من العراق في نهاية العام الجاري، والأنسحاب الامريكي من افغانستان وسيطرة حركة طالبان على معظم انحاء افغانستان من ضمنها العاصمة كابل، خيم هاجس وقلق على الشارع الكوردي من احتمال انسحاب امريكي مماثل في العراق وماستؤول اليه الاوضاع في العراق بشكل عام واقليم كوردستان بشكل خاص.
هناك حقيقة ينبغي ان نلتفت لها نحن الكورد بأن امريكا لم تأت الى العراق من اجل مصلحة الشعب العراقي او الكوردي بل اتت من اجل ضمان مصالحها وامنها القومي وتعزيز نفوذها في منطقة الشرق الاوسط التي تعد منطقة حساسة للغاية وبؤرة للتوترات والصراعات سواء بين الامبراطوريات العثمانية والصفوية قبل قرن ونيف او بين القوى الكبرى في العصر الحديث منذ كشف مصادر الطاقة فيها،لذلك الولايات المتحدة لن تبقي قواعدها في المنطقة الى الابد ويعتمد بقائها من عدمه على مصالحها الخاصة.
الشعب الكوردي يشكل جزءاً مهماً من الصراع في منطقة الشرق الاوسط بسبب تقسيم ارضه على دول المنطقة من دون ارادته ولذلك اصبح حل القضية الكوردية من الأمورالمستعصية وذلك لأصرار الدول التي تقاسمت ارضها بأبقائنا تحت هيمنتها وسطوتها،وحاول الشعب الكوردي بشتى الوسائل والسبل الوصول الى حلول مع تلك الدول ولكن لم يفلح بذلك بسبب تعنت نظم تلك الدول بالبقاء على موقفها وعدم جديتها لأيجاد حل جذري للقضية.
بعد يأس الشعب الكوردي من ايجاد حل لقضيته ضمن جغرافية الدول التي تقاسمت ارضه،كان لابد ان يلجأ الى البحث عن البدائل في توازنات القوى وذلك من خلال بناء علاقات مع القوى الكبرى المتواجدة في المنطقة للحفاظ على وجوده والحيلولة دون ابتلاعه من قبل الانظمة التي توالت على الحكم في كل من ايران وتركيا والعراق وسوريا،اذا خيار بناء علاقات مع الولايات المتحدة والدول الغربية كان بسبب سياسات القتل والدمار والابادة الجماعية التي مارستها الانظمة العربية والتركية والفارسية ضد شعبنا.
اليوم حكومة اقليم كوردستان والقوى السياسية الكوردستانية في الاقليم تدرك جيدا ان علاقاتها مع امريكا والغرب بشكل عام مبنية على المصالح المشتركة ولايمكن ان تعول على تلك العلاقات الى الابد للدفاع عن الأقليم ومصالحه، لأن هذه الدول لم تحرك ساكنا اثناء تكالب القوى المحلية والاقليمية علينا في قضية اجراء الاستفتاء وسيطرة القوات الحكومية على المناطق الكوردستانية خارج الاقليم في مؤامرة مشتركة محلية واقليمية، اي ان امريكا وحليفاتها عارضوا الاستفتاء الذي هو حق دستوري وقانوني للشعب الكوردي.
اذن الهاجس والقلق من الانسحاب الامريكي من العراق لنا كشعب كوردي حق مشروع وامر ضروري وعلى جميع القوى السياسية الكوردستانية تحمل المسؤولية معا والعمل سويا لوضع ستراتيجة جديدة ينسجم مع مرحلة مابعد الانسحاب حتى وان كان يعتقد البعض ان امريكا لن تنسحب من العراق بشكل كامل كما انسحبت من افغانستان، لذلك الواقع يفرض علينا اخذ الحيطة والحذر كأجراء وقائي بناءاً على مقولة الوقاية خير من العلاج.
اما اهم اولويات الستراتيجية الجديدة التي ينبغي وضعها لتبديد القلق هي:
1- تنظيم وتعزيزالبيت الكوردي من خلال مبادرة من السيد رئيس الاقليم بحضور قيادات جميع الاحزاب والقوى الكوردستانية ومحاولة توحيد الخطاب السياسي والموقف الكوردستاني فضلا على تعزيز الوحدة الوطنية في داخل الاقليم،لمواجهة اية مخاطر داخلية واقليمية محتملة.
2- توحيد قوات البيشمركة وتشكيل جيش وطني كوردستاني مهني مدرب ومجهز بحسب الامكانيات المتاحة بحيث يكون بعيدا عن اية انتماءات و ولائات حزبية وشخصية وتشكيل قيادة مشتركة واحدة من القادة الميدانيين والخبراء العسكريين بحيث يمكنهم تحمل مسؤولية الدفاع عن الاراض الكوردستانية من اية .تهديدات مستقبلية.
3- الاستمرار والتعجيل في خطة الاصلاح الحكومية الشجاعة التي بدأتها حكومة السيد مسرور بارزاني والتي وصلت الى مراحل متقدمة ومهمة ودعم عملية الاصلاح لتحقيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة بين مواطني الاقليم بشكل يقلل من الفوارق الطبقاتية الموجودة حاليا في المجتمع الكوردستاني.
4- تعزيز العلاقات مع دول الاتحاد الاوربي التي تربطها علاقات جيدة وقديمة مع الشعب الكوردي وبالاخص فرنسا والمانيا والمملكة المتحدة، فضلا على تعزيز العلاقات مع دول الجوار بناء على المصالح المشتركة والسعي لبناء علاقات متوازنة مع كل من الصين وروسيا بأعتبارهما قوتين رئيستين لهما نفوذ في المنطقة.
5-ايلاء اهتمام خاص بالأمن الغذائي والمائي عبر تطويرالزراعة والصناعات المحلية وبالاخص انتاج وتوفيرالمواد الغذائية الرئيسة من خلال تشجيع الفلاحين على احياء الاراضي الزراعية والثروة الحيوانية ودعمهم وتقديم تسهيلات مصرفية لهم وضمان بيع منتجاتهم فضلا على الاهتمام بأنشاء السدود التي تعد ضرورة قصوى نظرا لأزمة المياه الحادة في المنطقة والتي تعد اساس الصراعات والتوترات المستقبلية وتوظيف نسبة كبيرة من امكانيات الاقليم الاقتصادية للأغراض الدفاعية والامن الغذائي والمائي.
6-تعزيز وتقوية العلاقات مع القوى السياسية الوطنية العراقية المشاركة في العملية السياسية والمشتركة في الحكومة ومجلس النواب للعمل معا على السعي من اجل استعادة سيادة واستقلال البلد والحيلولة قدر الامكان من التدخلات الاقليمية في شؤون البلاد التي تشكل الخطر الاكبر الذي يهدد العملية السياسية.
7-حث جميع الاطراف على انهاء حالة عسكرة المجتمع والسيطرة على السلاح المنفلت والميليشيات التي باتت تهدد الامن والاستقراروالسلم المجتمعي في جميع انحاء البلاد وتعزيز دور الدولة والقوات المسلحة العراقية وبالاخص الجيش وجهاز مكافحة الارهاب والاجهزة الامنية والمخابراتية والاستخباراتية للحفاظ على الحدود ومنح الثقة والطمأنينة للمواطنين وهذا بدوره سيكون عاملا لأستمرار علاقات ايجابية بين الاقليم والمركز