خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “صك الغفران” للكاتب المصري “إيهاب مصطفى” تحكي عن التشدد الديني في أحد نجوع الصعيد، وعن تغير الأحوال بعد أن كان الناس يعيشون في سلام ومحبة ولا يهتمون باختلاف الدين.
الشخصيات..
عبد الله: البطل، شاب يعيش وحيدا منذ أن ولد، رغم أنه يعيش مع أب وأخ، ويتوزع في داخله ما بين محبته لأهله وما بين محبته لجارة له ربته كأمه بعد وفاة أمه أثناء الولادة وما بين أخته التي رضع معها وهو طفل صغير.
الأب: رجل فقير يعيش من بيع الجاز، ونتيجة لفقره وحاجته يعامل ابنه بقسوة شديدة ويحمله مسؤولية وفاة أمه أثناء ولادته، ويحيل حياته إلى عذاب متواصل.
ماريه: الجارة التي رعت “عبد الله” منذ طفولته، والتي اعتبرها أمه.
ماتيلدا: أخت “عبد الله”، والتي تظل ترعاه للنهاية.
وصفي: ابن عم “ماتيلدا”، متعصب لدينه، ولا يحب “عبد الله”.
سليم: أخو البطل، متعصب هو أيضا لدينه ويعامل أخيه بقسوة وكراهية.
وهناك شخصيات أخرى داخل الرواية، تعيش في النجع وماحوله من نجوع يتعامل معهم البطل.
الراوي..
الراوي هو البطل “عبد الله” الذي يحكي بضمير المتكلم عن نفسه وعن حياته، ويستعيد تفاصيل حياته منذ يوم ولادته حتى الوقت الحاضر، ويحكي عن باقي الشخصيات من خلال تفاعلهم معه، وتقاطعهم مع حياته، لكنه يهتم بالحكي عن مشاعر وأحاسيس ودواخل شخصية البطل “عبد الله” فقط.
السرد..
الرواية تقع في حوالي 172 صفحة من القطع المتوسط، محكمة البناء، تعتمد على لغة شيقة، وعلى تنقل ما بين الزمن الحاضر وما بين ماضي البطل بدء من طفولته وحتى شبابه، ويتتبع الحكي الاختلاف الاجتماعي الذي حدث للنجع وأهله، وكيف تحولوا إلى التشدد الديني والتعصب. وتنتهي الرواية نهاية حزينة مما يشي بعمق مشكلة التعصب وتجذرها في نفوس الشخصيات، وكنت أتمنى كقارئة أن تكون النهاية تبشر بالأمل في التخلص من كابوس التعصب الديني.
نجع النصارى..
اختارت الرواية شخصية “عبد الله” التي تتوزع ما بين عالمين في نجع صغير في الصعيد يسمى “نجع النصارى”، لأن معظم سكانه من النصاري، حيث ينتمي “عبد الله” بالولادة لأسرة مسلمة، حملت أمه به في سن كبيرة، وكان حمل غير مخطط له ثم ماتت لضعف جسدها أثناء الولادة، فحمله أخوه الطفل وأبوه الستيني لعنة موت الأم، وعامله الأب بقسوة شديدة في حين أهمله أخوه لأنه في النهاية كان طفلا، ولم يجد أحد يرعاه سوى الجارة “ماريه” التي كانت قد أنجبت طفلة رضيعة في عمر “عبد الله”، فأخذت ترضعه وترعاه وتحافظ على نظافته وتعلمه أشياء كثيرة.
فوجد “عبد الله” نفسه ينتمي بالوجدان إلى أمه “ماريه” وأخته “ماتيلدا” لكن وقت ولادته وقبلها كان الناس في النجع يتعاملون بمحبة وسلام وتعايش، المسيحيين والمسلمين يعيشون دون اهتمام باختلاف الدين، يساعدون بعضهم في بناء دور العبادة ويحتفون بالمناسبات ولم تكن هناك أية عنصرية تجاه الدين.
التحول إلى التعصب..
لكن ويتتبع الرواي الاختلاف الذي حدث، انفتح النجع على العالم الخارجي وخسر فطرته الإنسانية السليمة والتي تعتمد على المحبة والسلام والتعايش، وكان بداية الانفتاح ذاك عندما سافر رجل من النجع إلى ليبيا وجلب إلى الكفر الراديو وجهاز التسجيل ثم جلب الناس التليفزيون والدش، وسافر الشباب بأعداد كبيرة من النجع إلى دول الخليج ليعودوا محملين ليس فقط ببضائع استهلاكية وإنما بأفكار رجعية.
تشير الرواية إلى أن سبب التحول من التسامح الديني إلى التعصب هو الانفتاح على العالم ورؤية أخبار الصراعات ما بين المسلمين والمسيحيين في العالم وخاصة أمريكا، وأيضا مشاهدة الناس لمسلسلات وأفلام عن التطاحن الطائفي والتي عالجت تلك القضايا بشكل خاطئ ساهم في زيادة التعصب. ورغم أن الرواية تتبعت الهجرات الكبيرة التي قام بها رجال النجع لدول الخليج لكنها لم ترجع سبب التعصب إلى ذلك. في حين أن الحقيقي والأصح هو تأثر هؤلاء المصريين الذي أصبحوا عمالة في الخليج وأحسوا بطعم المال الخليجي والفضل الخليجي عليهم، تأثروا بالأفكار الرجعية الوهابية التي تفشت وسادت في فترة السبعينات وانتشرت كالنار في الهشيم في البلدان المحيطة ومنها مصر، وأصبح التعصب الديني أحد معالمها.
الإعلام الموجه..
بالإضافة إلى تأثير الإعلام الموجه من الدول الرأسمالية الكبرى التي تغذى الصراعات الطائفية لكي تخرب بلدان الشرق لتستطيع نهب مواردها، والأهم من كل ذلك صعود حركة التشدد الديني التي بدأت في السبعينات وزادت واستفحلت في التسعينات واستمرت حتى الوقت الحالي بدعم من الدول الرأسمالية الغربية لخلق صراعات طائفية داخل منطقة الشرق الأوسط.
كل ذلك أثر على نجع صغير في الصعيد فأصبح الناس متحفزون مسلمين ومسيحيين وأصبح أي شجار بسيط يزداد ويتضخم ليتحول إلى معركة كبيرة يروح فيها قتلي من الجانبين، وقد ذكرت الرواية أحداثا واقعية حدثت في الصعيد للتطاحن ما بين المسلمين والمسيحيين.
نموذج للحياد..
وعلى مستوى البطل الذي اتخذته الرواية نموذجا محايدا له في الجانبين أحبه وأهل، والذي أكد أكثر من مرة على حياده وعلى تقبله لاختلاف الدين وعلى اهتمامه بالإنسانية عوضا عن الانتماء الديني الضيق والمتعصب، مفسرا سر ذلك التعصب بفساد نفوس وأرواح هؤلاء الناس الذي يتمسكون بالتعصب ويدعون أنهم يدافعون عن دينهم، في حين أنهم يخرجون أمراضهم وعقدهم النفسية خلف ستار الدفاع عن الدين سواء من المسلمين أو المسيحيين، وأبرز الشخصيات التي كانت كذلك “وصفي” و”سليم”.
الألوان والنفوس الصافية..
كما أشارت الرواية إلى فكرة طريفة وهي علاقة الألوان بنفوس الناس، فمن يمتلكون نفوسا صافية يحبون الألوان المبهجة بينما من يعانون من العقد والأمراض والكراهية تعبر ألوانهم عنهم.
وفي النهاية وبعد أن عاش “عبد الله” حياة مليئة بالعذابات والمحن والتخلي من الأهل والأقارب والقسوة، ومحاولة الاستقطاب من الجانبين تنتهي حياته بالموت غدرا على يد “وصفى” المسيحي و”سليم” المسلم، لتؤكد الرواية أن التعصب لا علاقة له بالدين وإنما بالناس الأشرار الذين يسقطون شرهم وأمراضهم على الدين وتفسيراته.
اعتمدت الرواية على لغة عذبة وطريقة مميزة في الحكي مليئة بالتشويق والتوصيفات والتعبيرات اللغوية البارعة، كما قدمت رصدا للتغييرات التي حدثت في النجع الذي يمثل نموذجا لقرى الصعيد.
الكاتب..
“إيهاب مصطفى” صحفي وروائي مصري، صدرت له مجموعتان قصصيتان “كما يليق بمجنون” و”اسمها زينب”، وروايتان: “صك الغفران”، و “مقام الشيخ أمين”.