أعلنت “طالبان” انتهاء الحرب في أفغانستان، بعد سيطرتها على القصر الرئاسي في كابول مع رحيل القوات الأجنبية التي تقودها الولايات المتحدة ومسارعة الدول الغربية لإجلاء مواطنيها، بينما اختفت القوات الأفغانية التي أنفقت الولايات المتحدة وحلفاؤها مليارات الدولارات لتدريبها وتسليحها على مدار سنوات. والسؤال المطروح هنا هو: هل ستكون أفغانستان الوطن البديل للإخوان بدلاً من تركيا ودول أوروبا بعد فشل تمكينهم من حكم مصر وسورية وتونس والسودان وليبيا وبعض الدول العربية الأخرى .
بعد أن أعلنت أنقرة عن رغبتها في استئناف اتصالاتها الدبلوماسية مع القاهرة، اتخذت قيادة جماعة “الإخوان” قراراً بالبحث عن بديل لتركيا، وكان التفكير في أفغانستان خاصة بعد التطورات الأخيرة وانسحاب القوات الأميركية منها وسيطرة طالبان على عموم أفغانستان، إضافة لوجود نفوذ تركي يتمثل في التواجد العسكري في أفغانستان وتولي تركيا حماية بعض المقرات العسكرية و المدنية هناك.
على خط مواز، فقد اهتمت قيادات الإخوان بأفغانستان من أيام مؤسس الجماعة حسن البنا، ضمن انشغالهم بنشر أفكارهم في العالم الإسلامي، حيث أنشأوا عام 1944 قسماً للاتصال بالبلدان الإسلامية كافة، ولعب “الإخوان” دوراً ضمن دعوات الجهاد، سواء في مجال التدريب والقتال أو في الإغاثة، كما تعاونت جماعة الإخوان في هذه المهمة مع أجهزة استخبارات عربية، تحت إشراف المخابرات المركزية الأميركية (سي. آي. إيه) التي تواصلت مع “الإخوان” مباشرة لهذا الغرض في إطار الصراع مع الاتحاد السوفييتي، علاوة على وجود فرع الإخوان في أفغانستان.
يبدو أن أمريكا حافظت على “طالبان” طوال فترة وجودها في أفغانستان منذ بداية الحرب الأمريكية على الإرهاب هناك في عام 2001 حتى خروج القوات الأمريكية عام 2021، وكان الهدف من الاحتفاظ بوجود هذه الحركة هو استخدامها في مواجهة خصومها السياسيين، وتحديداً الصين، التي فشلت أمريكا في مواجهتها اقتصادياً، فأرادت مواجهتها بنوع آخر تكون “طالبان” و”القاعدة” حاضرة فيه، كما تريد الولايات المتحدة أن تصبح أفغانستان منصة لتصدير الإرهاب والتطرف للعالم، وانطلاقاً من ذلك ستكون أفغانستان قنبلة موقوتة تهدد الغرب والشرق، ومرتعاً ومحفلاً للإرهاب الدولي ما يشكل خطراً على المنطقة والإقليم، بل والعالم كله.
بذلك أثبت الذكاء الأميركي قدرته على التلاعب بمعطيات المنطقة وهذا يعطي مؤشراً واضحاً على استمرار الإدارة الأميركية بكلِّ مؤسّساتها في استخدام ورقة الإسلام السياسي بكل أطيافه ومضامينه، ما دام يخدم أهداف المشاريع الأميركية الآنية والمستقبلية، وجاء الاتفاق الأميركي مع طالبان ليحمل في طياته الاستمرار في الرهان على ورقة الإسلاميين.
في إطار البحث الإخواني عن ملاذات وبدائل آمنة للمحافظة على نشاطها وعملها دون تضييق أو ضغوط من أي طرف، تُطرح أفغانستان بديلاً مرجحاً ومحتملاً للإخوان حفاظاً على مصالحها وخروجاً من بعض الأزمات الاقتصادية والاستراتيجية خاصة مع تصاعد خطوات التقارب التركي ومؤشراته مع حركة طالبان وحلفائها.
من هنا يبدو البديل الافغاني متوقعاً لجماعة الإخوان وعناصرها الهاربة نتيجة توافقات وتطابقات في التصورات الفكرية والسياسية والمنهجية، فالإخوان أكثر قرباً وتماهياً إلى طالبان ، بالإضافة الى علاقات تاريخية وطيدة منذ عقود طويلة، هذا فضلاً عن أن واشنطن الداعم الأكبر لمختلف الحركات الإسلامية السياسية في العالم العربي والإٍسلامي من خلال تقديم المساعدات المالية والتدريبات العسكرية لها، وقد أشارت تقارير صحفية إلى وجود اتصالات متقدمة بين قادة جماعة الإخوان المسلمين في الخارج، بمسؤولين في أفغانستان لتوفير دعم لوجستي وملاذاً آمناً لعناصرها وقادتها.
يبقى الخوف كل الخوف من خطر الإرهاب المتصاعد والمتنامي والمحتمل من أفغانستان يبدو كأنه يتم بدعم ورعاية دول كبرى، أو على الأقل عبر غض طرف هذه الدول عن نشاط تنظيمات العنف والإرهاب، هذا ما يتطلب تكاتفاً عربياً دولياً لمواجهة خطر طالبان والقاعدة والجماعات الأخرى، لذلك لا بد من استراتيجية مواجهة لجماعات العنف والتطرف، وأيضاً مواجهة الدول الداعمة لهذه التنظيمات.