عاد زيدون من مدرسته حزينا, سألته امه عن السبب فانفجر بالبكاء وقال: ” اماه انهم يسخرون من اسمي”, حاولت امه مواساته ووعدته ان تذهب لمديرة المدرسة لوقف هذا الاعتداء, فهي تدرك حجم الم التنمر وخطورته على البناء الشخصي, ان التنمر ظاهرة قديمة موجودة في جميع المجتمعات الانسانية، ولا يفرق بين مجتمع متقدم او مجتمع نامي، ويبدأ سلوك الاستقواء في عمر مبكر من الطفولة, ويبدأ تدريجياً ويستمر حتى يصل إلى الذروة في المرحلة الابتدائية في الصف الرابع والخامس والسادس, ثم يستمر في المرحلة المتوسطة, ثم يبدأ بالهبوط في المرحلة الثانوية، وقلما يكون في المرحلة الجامعية.
التنمر سلوك خطر على جميع الأطراف المشاركين فيه، وفيه يمارس طرف قوي الأذى النفسي والجسدي والجنسي تجاه فرد أضعف منه في القدرات الجسمية أو العقلية.
من المهم أن نزيل الفكرة غير العقلانية لدى الكثير من الناس التي ترى في الاستقواء سلوكاً طبيعياً بين الأطفال، وينتهي تلقائياً دون تدخل من أحد، بل إن المستقوين والضحايا والمتفرجين يعانون من مشكلات وصعوبات نفسية وجسمية تؤثر على حياتهم ونموهم، وإن التدخل المبكر، وإثارة الوعي ضروريان ومهمان من أجل وقف الاستقواء، وإن الحاجة ماسة لنعلّم الطلبة والمشاركين جميعاً طرقاً مناسبة في العلاقات مع الآخرين.
ويمكن تعريف سوك التنمر بانه: “إيقاع الأذى على فرد أو أكثر بدنياً أو نفسياً أو عاطفياً أو لفظياً، ويتضمن كذلك التهديد بالأذى البدني أو الجسمي بالسلاح والابتزاز، أو مخالفة الحقوق المدنية، أو الاعتداء والضرب، أو العمل ضمن عصابات، ومحاولات القتل أو التهديد، كما يضاف إلى ذلك التحرش الجنسي”.
· أشكال التنمر
هناك عدة أشكال للتنمر.. نعرض بعضها:
اولا: التنمر الجسمي: كالضرب أو الصفع، أو القرص، أو الرفس أو الإيقاع أرضاً، أو السحب، أو إجباره على فعل شيء.
ثانيا: التنمر اللفظي: السب والشتم واللعن، أو الإثارة، أو التهديد، أو التعنيف، أو الإشاعات الكاذبة، أو إعطاء ألقاب ومسميات للفرد، أو إعطاء تسمية عرقية.
ثالثا: التنمر الجنسي: استخدام أسماء جنسية وينادى بها، أو كلمات قذرة، أو لمس، أو تهديد بالممارسة.
رابعا: التنمر العاطفي والنفسي: المضايقة والتهديد والتخويف والإذلال والرفض من الجماعة.
خامسا: التنمر في العلاقات الاجتماعية: منع بعض الأفراد من ممارسة بعض الانشطة بإقصائهم أو رفض صداقتهم أو نشر شائعات عن آخرين .
سادسا: التنمر على الممتلكات: أخذ اشياء الآخرين والتصرف فيها عنهم أو عدم ارجاعها أو اتلافها .
· التنمر في ضوء التفسير البيولوجي
تشير النظرية البيولوجية إلى أن: “السلوك الانحرافي ولا سيما العنف والتنمر يرجع إلى عوامل بيولوجية في تكوين الشخص، وهو تعبير طبيعي عن عدد من الغرائز العدوانية المكبوتة لديه، وأن التعبير عن العنف والتنمر لازم لاستمرار المجتمع الانساني؛ لأن كل العلاقات الإنسانية، ونظم المجتمع يحركها من الداخل هذا الشعور بالعدوان, وفي الوقت نفسه يرى أصحاب هذه النظرية وجود اختلافات في التكوين الجسماني للمنحرفين سلوكياً عنه لدى عامة الأفراد، حيث يؤكدون وجود بعض الهرمونات التي لها تأثير على الدافعية نحو التنمر التي ترتبط بزيادة هرمون الذكورة.
لذلك نجد أن الطلبة المتنمرين من الذكور يتصفون بالقوة الجسمية، فالمتنمرون الذكور يكونون أقوياء جسمياً عن الضحايا، مما يجعل هؤلاء الأطفال يستمتعون بممارسة هذا السلوك الإيذائي على الاخرين. والجدير بالذكر أن هذه القوة الجسمية لا تؤدي الدور نفسه في التنمر لدى الإناث، كما يوجد لدى بعض هؤلاء الطلاب المتنمرين استعدادات وراثية قد تجعلهم يميلون إلى سلوك التنمر والاعتداء على أقرانهم.
كما يؤكد أصحاب هذه النظرية أن هرمون الذكورة الأندروجين هو السبب المباشر لوقوع العنف والتنمر بدرجات كبيرة بين الافراد من الذكور، و أن هذا الهرمون يفرز بنسبة عالية أوقات النهار، مما يزيد من حدة الغضب لدى الشباب وينمي مشاعر الانفعال لديهم بينما ينخفض إفرازه في المساء.
· العنف التلفزيوني على سلوكيات الأطفال
أن البرامج التلفزيونية, ومقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي (مثلا.. الفيسبوك/ الانستغرام/ التك توك) تعلم الأطفال العنف والمشاجرات والسلوكيات العدوانية، تقليداً لما يشاهدونه في برامج وأفلام الحركة والمغامرات والإثارة, ان أثر برامج العنف المصورة على تشكيل السلوك العدواني لدى الأطفال خطير جدا، وذلك من خلال التعرف إلى الآثار الاجتماعية والنفسية التي يتأثر بها الأطفال بسبب مشاهدتهم لبرامج العنف من خلال أجهزة السينما والتلفاز، وتعتبر وسائل الاتصال الجماهيري مسؤولة عن انحراف الأطفال.
كما أن انشغال الوالدين بأمور الحياة يعد السبب الأول في عدم مشاركتهم أطفالهم في مشاهدة البرامج التلفزيونية، في حين يرجع السبب الثاني إلى جهل الأسرة خطورة تأثير برامج العنف المتلفز على الأطفال.
ويجب الاهتمام بضرورة توجيه الأطفال إلى نشاطات أخرى لقضاء أوقات الفراغ بدلاً من مشاهدة التلفزيون، وضرورة مرافقة أولياء الأمور لأطفالهم في مشاهدة الأفلام التلفزيونية، خاصة في المنزل. والدعوة إلى توعية الأطفال بأهمية عدم الاقتداء وتقليد الشخصيات الكرتونية التي تظهر في البرامج، ودعوة مؤسسات المجتمع المدني، خاصة ذات العلاقة بشؤون الطفل، إلى إعداد وتبني برامج التوعية والتثقيف الموجهة للطفل، خاصة تلك المتعلقة بغرس القيم الإيجابية ونبذ القيم السلبية.
· الحلول الممكنة
لكل مشكلة يمكن ان يتواجد اكثر من حل, لكن التطبيق يحتاج لقرارات حازمة ارادة حكومية وتفاعل اجتماعي مع تلك الحلول, ويمكن ذكر اهم الحلول التي يمكن تطبيقها للحد من ظاهرة تنمر الاطفال.. وهي:
1- يمكن الحد من التنمر عن طريق تعليم الأطفال المهارات الاجتماعية للتفاعل الناجح مع العالم.
2- لمساعدة الأطفال الذين كانوا ضحايا هذا النوع من التنمر عن طريق بحث ونشر مهارات التأقلم.
3- اعطاء الثقة للأطفال في المنزل حتى يستطيعون ابلاغ والديه بما يتعرض له من تنمر.
4- يتم تأسيس برامج مكافحة التنمر لتعليم التعاون بين الطلاب.
5- تدريب المشرفين في المدارس على أساليب التدخل وتسوية المنازعات.
6- علّم الطفل الثقة بالنفس، والمرونة، وكيف يطور مهاراته الاجتماعية ليقلل من كونه هدفاً سهلاً للمتنمرين.
7- تواصل مع إدارة المدرسة والمرشد التربوي لحصر المشكلة وحلها.
8- شجع الطفل على التحدث عن معاناته، وكن ودوداً، ولا تظهر الأسى فتزيد الأمور سوءا.
9- اشعر الطفل بأنه غير مسؤول وغير ملام لتعرضه للتنمر، ولا تفترض أن طفلك فعل شيئا ليثير او يزيد التنمر المدرسي ضده، فالمتنمر عادة يختار ضحيته عشوائيا.
10- ادعم مشاعر طفلك، فبدلاً من إهمال قلقه، او إخباره بأن الأمور ستحل في النهاية، عبر له عن تفهمك واهتمامك بقولك: أتفهم انك تمر بأوقات صعبة، ولكن دعنا نحاول معالجة الأمر معاً.
11- لا تشجع الانتقام.
12- علم الطفل مهارات الأمان عندما يتعرض للتنمر، بما في ذلك اللجوء إلى طلب المساعدة من المعنيين مثل: المدير والمرشد التربوي، وكيف يكون حازماً، واستعمال المرح والأساليب الدبلوماسية المناسبة للتخلص من الأوضاع الحرجة، مثل الموافقة على التهكم ومسايرته.
13- تحدث إلى معلمي الطفل والمدراء لإيجاد حلول سريعة، ولا تتصل بأهل المتنمر بنفسك، دع للمدرسة تتولى هذا الشأن الحساس.
14- إذا تعرض الطفل إلى الاعتداء الجسدي، او بالتهديد بالأذى، فيجب إعلام المسؤولين في المدرسة لتحديد إمكانية تدخل الجهات الأمنية.
· كيف نمنع التنمر؟
هناك عدة طرق لمنع التنمر، ومنها الإجراءات التالية:
اولا: اسأل الطفل سؤالاً مباشراً حول تعرضه للتنمر, تحدث مع الطفل عن أصحابه، ومرافقيه في الملعب وحافلة المدرسة.
ثانيا: علّم الطفل الثقة بالنفس، والمرونة، وكيف يطور مهاراته الاجتماعية ليقلل من كونه هدفاً سهلاً للمتنمرين.
ثالثا: ساعد الطفل على الاشتراك بنشاطات المدرسة, لمساعدته على زيادة تقديره لذاته مثل: الرياضة، او الموسيقى.
رابعا: تواصل مع إدارة المدرسة والمرشد التربوي لحصر المشكلة وحلها.
خامسا: شجع الطفل على التحدث عن معاناته، وكن ودوداً، ولا تظهر الأسى فتزيد الأمور سوءا, واشعر الطفل بأنه غير مسؤول وغير ملام لتعرضه للتنمر، ولا تفترض أن طفلك فعل شيئا ليثير او يزيد التنمر المدرسي ضده.
سادسا: ادعم مشاعر طفلك، فبدلاً من إهمال قلقه، او إخباره بأن الأمور ستحل في النهاية، عبر له عن تفهمك واهتمامك بقولك: أتفهم انك تمر بأوقات صعبة، ولكن دعنا نحاول معالجة الأمر معا.
· الختام
موضوع التنمر عند الاطفال خطير جدا ومهم, لأنه يؤثر في التكوين للشخصي وضحيته اثنان, من يمارس التنمر ومن يقع عليه ظلم المتنمر, لذلك الاهتمام بحل هذه المشكلة في مجتمعنا من الاولويات التي يجب العمل عليها,
واجد ان الاهتمام بالعائلة العراقية ودعمها يكون مهما جدا كي توجد البيئة المناسبة للطفل, كي تكون البيئة التربوية في العائلة مناسبة له, واضافة لذلك العمل على تطوير المدارس الابتدائية والمتوسطة عبر تفعيل نظام المراقبة والاهتمام بدور المشرفين بالمدارس وتعظيم الاهتمام بدروس الفنية والرياضة.
والعمل في المجتمع بشكل جمعي على حماية الطفل من الاعتداءات الجسدية, وهو واجب انساني على الكل عدم التفريط به.