التوظيف أو الوظيفة الحكومية بالمفهوم العراقي مختلف عن كل المفاهيم المعمول بها في أية بقعة من بقاع المعمورة.
الوظيفة بالنسبة للعراقي تعني الراتب أولا والإمتيازات ثانياً. وبعد كل ذلك استثمار الوظيفة وقطف ثمارها بالجلوس خلف مكتب فخم و قيافة فاخرة وسيارة فارهة والمشي مرحاً، أي بالعامية (يتبغدد علينا ويكشخ) وتعالي ما بعده تعالي. وعند الكبر يتمتع براتب تقاعدي يغنيه عن الناس ليتمتع ما تبقى من حياته حتى النهاية. الوظيفة بالنسبة لهم هو التواجد في المكان حتى نهاية الدوام وان كان بدون عطاء. الموظف العراقي بتواجده في الدائرة لهذه الساعات فهو متفضل على المواطن والحكومة وعلى كل من يمشي على الأرض حتى من الدواب.
أما أصل الفكرة من التوظيف كتقديم خدمات للعامة وإفادة المجتمع، فهذا آخر ما يخطر على بال الموظف العراقي بكل أجناسهم وأصنافهم إلاّ ما رحم ربي.
وفق هذا التفكير المتأصل فإن مراجعة المواطن لأي دائرة يشكل إزعاجاً كبيراً للموظف. فوجود المراجع يعني سلب راحته وجعله ينشغل عن اموره الشخصية وعن فطوره الصباحي المقدس والذي لا يمكن التخلي عنه مهما كان.
وفق هذه المعطيات التي لا يختلف عليها إثنان، فإن هناك جمل تطرب الموظف العراقي ويجعله سعيداً. كلمات مجرد لفظها يجعل الموظف العراقي مستريحاً نفسياً وجسيداً. عبارات تجعل الموظف يتمتع عند قولها حتى الثمالة.
ومن هذه الجمل:
إنتـظر بــرا:
عند دخول المراجع المغلوب على أمره غرفة الموظف، وبعد تسليم المعاملة فإن أول ما يقوم به الموظف هو إخراج المواطن خارج الغرفة بقوله (انتظر في الخارج) لينتظر بعيداً ويدعو الله في أن ينزل الرحمة في قلب هذا الموظف ليكمل المعاملة قبل حين.
راجـع من الشــباك:
متعة ما بعدها متعة عندما يشاهد الموظف المراجعين يزدحمون على شباك صغير تحت لهيب شمس محرقة وهو يتمتع بنسيم مكيف ذات طنين. فخر كبير أن يجلس هو خلف مكتب ضخم يشعل سيكارته ويخرج هاتفه النقال ليجري مكالمة ما، والناس ينتظرون منه أن يترحم عليهم بمجرد نظرة.
تعــال باجــــر:
السلاح الفتاك الذي يستخدمه الموظف لقهر المراجعين عندما يريد. الجملة لا تفارق السن الموظفين أحياناً. في أدنى إحساس بالإزعاج يقول لك (تعــال باجــر). لا يهمه إذا ما كنت موظفاً وقد خرجت بإجازة زمنية أو عاملاً على الأجر اليومي وغيره. يقولها بملىء فيه ليتركك تلعن اليوم الذي ولدتك فيه أمك.
ليس هذا فحسب فهناك عبارة أخرى مثل (الموظف مجاز أو الأنترنيت متوقف أو لا يوجد كهرباء.. الخ) والاجمل من كل هذا عندما يترك الموظف مكتبه ليتوضأ ويصلي. والحديث يطول في شرح ما تعانيه العقول. وجيب ليل واخذ عتابة.