21 ديسمبر، 2024 10:45 ص

عاشوراء مصدر العطاء المتجدد في كل زمان ومكان

عاشوراء مصدر العطاء المتجدد في كل زمان ومكان

نستقبل هذه الأيام شهر محرم الحرام هذا الشهر الذي أرتبط أسمه بأبي الأحرار الإمام الحسين عليه السلام الذي أستشهد في العاشر منه في واقعة قل نظيرها في جميع العناوين (إن كانت في البشاعة والإجرام او التعدي على المقدسات والمحرمات و. و) وبقت هذه الحادثة تتجدد في ضمير الإنسانية في كل عام بل في كل يوم وساعة ، لأنها تتضمن على جميع العوامل التي تؤثر على النفس الإنسانية بغض النظر عن الدين او المذهب أو اللغة أو اللون أو العرق فقط مجرد أنه إنسان ولا فرق بأنه يحمل هذه الصفات ام لا فأنه سوف يتأثر بها .

كل حدث أو قصة او رواية يجب ان يحتوي على واحد من هذه العناصر حتى يجذب اهتمام المتابع والمراقب أو من يطلع عليها أو يسمع بها :

الأول : المثل والقيّم

الثاني : البطولات

الثالث : المظلمة

الرابع : أثارت التساؤلات (وهو الدال على هذه الثلاث أو دال على الغاية التي من أجل حدث هذا الحدث)

واقعة كربلاء أو عاشوراء لم تكن حدثاً خلقته الصدفة أو حدثاً نتج نتيجة اختلاف وجهات النظر أو تضارب مصالح ما بين قيادتين أو قبيلتين او مجموعتين بل واقعة كربلاء فصل مهم ضمن المخطط الالهي وحلقة مهمة من حلقات الرسالة السماوية السمحاء التي دافعت عن هذه الرسالة أمام الهجمة الجاهلية الوثنية الأموية وجعلتها تستمر الى جميع بقاع العالم والى اليوم ، ألم يخبر الله سبحانه وتعالى آدم عندما حزن قلبه عند سماع أسم الحسين عليه السلام بعد عرض عليه الأربعة عشر معصوم صلوات الله عليهم أجمعين ( ولو رأيته يا آدم وهو يقول واعطشا وا قلة ناصراه حتى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان فلم يجبه أحد إلا السيوف) ، فعاشوراء الحلقة المفصلية بل البركان الغاضب بل المنقذ الأكبر لهذه الأمة بل الإنسانية جمعاء بعد أن كادت الأمة أن تنزلق في وحل الجاهلية الوثنية بعد أن تركت أمير المؤمنين عليه السلام وخانة رسولها (صلى الله عليه واله) وإمامها عليه السلام بعد أن أعطيت البيعة لأمير المؤمنين عليه السلام في غدير خم وقد جعل الله سبحانه وتعالى شرطاً واضحاً لا لبس فيه في قبول عبادة الخلق بدين الإسلام وهو ولاية أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتمت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) ، ونتيجة الابتعاد وترك الخلافة الشرعية تمرغلت الأمة بالوحل الأموي الذي لم يترك عبادة الأصنام قط ، فذاك جدهم أبو سفيان عند استلام عثمان للحكم قال تلقفوها يا بني أمية والذي يحلف به أبو سفيان لا جنة ولا نار ومعاوية عندما يسمع أسم الرسول (صلى الله عليه واله) يرفع في الآذان خمس مرات في اليوم كان يقول سحقاً سحقا ويزيد يقول لعبة هاشم بالملك ، فأنتشر الظلم وأصبح خلق الله سبحانه وتعالى عبيد وخول لبني أمية يقربون من يمدحهم ويعطي الولاء لسلطانهم ويظلمون من يرفض أفعالهم وأعمالهم فيحذفوه أسمه من سجلات بيت المال أو يلقى في السجون او يقتل والتاريخ شاهد على ذلك بمئات الحوادث بالرغم من أن الذين كتبوه هم أعوانهم وأتباعهم ، وأعطي شاهدين على خروج الأمة عن عنوان الإسلام الخاص :

الأول : ترك ولاية أمير المؤمنين ونتيجة هذا الترك عدم رضاء الله أن يكون الإسلام دين أي الأمة تدين بدين لم يرضى الله به.

الثاني : قال رسول الله ( صلى الله عليه واله) ( من سب علياً فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ومن سب الله وسب نبيه فقد كفر ويجب قتله) .

بالرغم من كل ذلك هناك عاملان جعلت اإمام الحسين عليه السلام يؤخر ثورته :

الأول : المعاهدة التي تمت مابين معاوية والإمام الحسن عليه السلام

الثاني : تغلف معاوية بتعاليم الإسلام والمدارات ولكن عند وصول الحكم الى يزيد المتهتك والفاسق الواضح كفره وانحرافه نحو الجاهلية الوثنية هنا صرخ سيد الشهداء وأبا الأحرار عليه السلام ( من مثلي لا يبايع مثله) : فهيئ الإمام الحسين عليه السلام كل العوامل والسبل لجعل من عاشوراء الشعلة التي تهدي الأمة بل الإنسانية الى الإسلام المحمدي الأصيل حتى قيام الساعة وجعل من كربلاء الطاقة المتجددة في كل عام التي تبث في قلوب المؤمنين الحزن والوعي والإيمان والتعاطف والجذب والهداية:

فجعل المثل والقيّم تملأ واقعة الطف من خروجه من المدينة الى قيام الساعة فكان الرحيم ( سقي خيل الحر مع جيشه ، كيف يعطف على جيش بني أمية وهو الذي يريد قتله وسبي نساءه وأطفاله ، كيف يرفع الشوك والسعدان من أرض المخيم والمحيط بها خوفاً من أن يصيب هذا الشوك غداً أقدام الأطفال عندما يهربون من بعد المعركة والقتال ، كيف كان يركض عندما يسقط أي أحد من أصحابه وقد وضع خده على خد جون والغلام التركي بالإضافة الى ولده علي الأكبر ….وغيرها كثير )

البطولة : هل توجد معركة على مر التاريخ فيها أبطال كأبطال كربلاء حتى مدحهم العدو قبل الصديق حيث قال قادة جيش يزيد لعمر بن سعد أنك تقاتل أبطال المصر وفرسانها ، فهل يوجد بطل كالعباس عليه السلام يفر من بين يديه أكثر من أربعة ألاف فارس ويصل المشرعة ويأخذ الماء ويحتفظ بالقربة فتقطع يده اليمنى ثم اليسرى ثم تفقع عينه بالسهم وهو مصر على توصيل الماء للأطفال والنساء وهل سمعت بأبطال كل واحد منهم ينزل للقتال وهو يقابل ألوف من الفرسان والمجرمين القتلة ولا يترك ساحة القتال حتى يستشهد وهل سمعت ببطل يهجم وحده على جيش مؤلف من ثلاثين الف جندي أو امرأة تواجه جيش بعد مقتل إخوتها وأبنائها وأبناء عمومتها وأصحابهم بل تواجه طاغية متجبر ظالم كزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد وغيرها من البطولات الفريدة التي لم يخبرنا التاريخ بمثلها .

المظلومية : هل توجد مظلمة وظلامة كيوم عاشوراء : عائلة تروع لأيام وتحاصر ويمنع عنها الماء في صحراء كربلاء وأطفالها يتضورون من العطش والجوع والخوف من الجيوش المدجج بالسلاح والقساوة والإجرام ، وهل توجد مظلمة كمظلمة الطف يقتل فيها سيد سباب أهل الجنة وهو عطشان ويقطع رأسه وتسحقه الخيل المهيأة لهذا السحق حتى تطحن عظامه فقط لأنه قال لا للطاغية والظلم والجهل وهل توجد مظلمة يقتل فيها الطفل الرضيع وهو في حضن أبيه الذي يطلب له الماء لشدة عطشه فسقوه بسهام القتل والإجرام و و و ، فكربلاء عبارة عن قمة مظلومية برزت من أرض كربلاء في يوم عاشوراء وشاهدها وتشاهدها الإنسانية الى قيام الساعة .

إثارة التساؤلات : هذا الأسلوب الأقوى والأرجح في جذب أنتباه الناس واهتمامهم الى الغاية التي تريد إيصالها لهم وهو أسلوب قرآني أستعمله نبي الله إبراهيم عليه السلام في هداية قومه وطرحه سيد الشهداء عليه السلام بأسلوب رائع جداً من خروجه بأهله ونساءه وهو المتوجه للقتال ؟؟؟ من المدينة الى مكة التي تبعده عن طريق العراق ب 400 كيلو متر ؟؟؟؟ وخروجه من مكة الى كربلاء في اليوم الثامن ن ذي الحجة يوم التروية الذي يتوجه به الحجاج الى جبل عرفة وهو يتوجه الى كربلاء العراق ؟؟؟؟ اختيار أرض كربلاء للمعركة وسط الصحراء ؟؟؟ مواجهة الجيش الضخم بهذا العدد القليل من الأصحاب والأهل ؟؟؟؟ إشراكه في هذه المعركة جميع الفئات العمرية من الطفل الرضيع الى الشيخ الكبير ومن الطفلة الى الشيخة ؟؟؟؟ كل هذه الإستفاهامات وغيرها جعلت من كربلاء سؤال محيّر يقود الإنسانية الى طريق الهدى طريق محمد وال محمد صلوات الله عليهم أجمعين .

لقد أبدع سيد شهداء عليه السلام في التخطيط لواقعة الطف وجعلها متكاملة في كل شيء فاحتضنت جميع العوامل التي تجعل من الحدث يؤثر في تفكير وعقلية ومشاعر الناس (من قيم ومثل وبطولة وحزن ومظلومية وإثارة التساؤلات) في كل وقت وزمان حتى تصبح هذه الواقعة الأليمة القطب الأكبر لجذب الإنسانية الى طريق محمد وال محمد صلوات الله عليهم أجمعين والطاقة المتجددة في كل لحظة لوهب الإنسانية الأخلاق والمثل والمبادئ أي تصبح مصدر للتربية والتعليم من أجل بناء مجتمعاً متماسكاً ومتضامناً وسعيدا .