إحـتَرْتُ في أمري يا أستاذي الحبيب الدكتور “عماد عبدالسلام رؤوف العطار”، من أينَ أبدأ، وبماذا؟؟ فأنا أستشعر بعَلقَم قلّ أن ذُقْتُ مثيله طيلة حياتي.
أُخاطِبك من هذه الدنيا السافلة والفانية في أربعينيتك، وقد أمسيتَ في جنات خُلْد بين العلماء والصدّيقين، بعد أن حَرَمني منك الأجل المحتوم عصر يوم الأحد 27 حزيران 2021، رغم إحساسي أنك لم تفارقني، بل أن روحك الطيبة تحيطني وتحوم حولي من حيث أدري ولا أدري، مثلما كان حالها طيلة 29 سنة إنقضت وكأنها بضعة أيام، لم نختلف خلالها على شيء، فقد قضيناها أشبه بأخَوَين بل وأكثر، مستشعراً بأبنائك الثلاثة أولاداً لي، وبقرينتك الموقّرة “أم رؤوف” أختاً عزيزة على قلبي ونفسي.
كان خريف عام 1992 حين إحتوانا معهد التأريخ العربي للدراسات العليا، وقتما كنتَ محاضراً على تلاميذ دورة الدكتوراه الأولى لدى قسم التأريخ العسكري، وأنا أحد تلاميذها، حيث تحابَبنا وتصادقنا من دون مصلحة، قبل أن تسعدني بإشرافك على أطروحتي.
تَلَمَّسْتُكَ بإنقضاء الأيام ومضيّ الأعوام، كما تلمّسك كل من عرفك وجالسك عن قرب، إنساناً مجتهداً، وأستاذاً مَهيباً، ذكيّاً، متفوّقاً، محترماً، وَدوداً، ذوّاقاً في مُرتدَياتهِ، سلس الكلام، مُمتِع الحديث، مُجيد الإنصات، حاضر البديهة، حَسَنَ المعشر، دَمِثَ الأخلاق، ذا إهتمام مشهود بالرسم والخط والنحت، كريم النفس عزيزها، معتدل الآراء، واصل الأرحام، صائب القرارات، هادئ الأعصاب، حازماً في الشدائد وحاسماً متى ما تطلّب الأمر ذلك، متواصياً بالصبر، لا تأخذك في قول الحقّ لومة لائم، غزير العلم، متواضعاً، مدركاً للأمور، مُقدِّراّ للمواقف، مؤمِناً بأن لكل مقام مقال، مثقّفاً لا يُجارى ولا يُضاهى، ضالعاً بمناحي اللغة العربية بشكل يُبْهِرُ أساتذتها، مستحضراً على طرف لسانك المئات من الحِكَم والمواعظ، زاهداً بأمور الدنيا، نظيف اليد، عزيز النفس، حريصاً على العائلة والأبناء، مترفِّعاً عن المادّيات في أحلك الظروف التي مرّت على عراقنا الحبيب وعلى شخصك، لم تَغُرْكَ الشهادات والمناصب والدرجات والألقاب، فقد كنتَ أنتَ -على علوّها- أرفع منها وأعظم.
لذلك، أجلّك الجميع صغاراً وكباراً، طلاّب علم وأساتذة عظام، أقرباء وأصدقاء ومعارف وجيران، عرباً وكرداً وتركماناً وسواهم، مسلمين ومسيحيين بمذاهبهم، عراقيين وسواهم، فإحترموك عن قناعة وأحاطوك، وإرتاحوا لحسن إستقبالك لهم بمسكنك المتواضع، ليس من أجل مصلحة، بل تقرّباً لشخصك ومواصلةً لصداقتك، وتمتّعاً برؤياك، والإستمتاع لحديثك المُتخَم بدروس الماضي والحكمة والموعظة الحسنة والنصح والإرشاد.
مسيرتك العلمية
وعلمتُ يا أستاذي المبجّل، من نجلك الدكتور رؤوف، أنك وُلِدْتَ في حيّ الأعظمية ببغداد يوم 9/1/1948، وأكملتَ دراستك بمدرستَي النَيِّرات والقبس الإبتدائية، ثم المتوسطة الشرقية واليرموك، والإعدادية في المأمون، قبل أن تُقبَل في قسم التأريخ بكلية الآداب سنة 1965، حتى تخرجت فيها عام 1970، وكنتَ الأوّل على زملائك.
لم تتوقف لترتاح بعض الشيء، بل سرت سراعاً نحو مرحلة الماجستير بجامعة القاهرة, فإلتحقت إليها أواخر 1970، وكان عنوان رسالتك “ولاية الموصل في عهد آل الجليلي 1726-1834” والتي إستحصلت شهادتها سنة 1973 بتقدير ممتاز.
ودفعك طموحك أن لا تنتظر، بل إندفعت فوراً إلى الدكتوراه، وإخترت “الحياة الإجتماعية في العراق أبّان عهد المماليك 1749-1831” عنواناً لأطروحتك، ونلت الشهادة بتأريخ 14/8/1976 من الجامعة ذاتها، وبتقدير إمتياز وبمرتبة الشرف الأولى، لتعود إلى الوطن يوم 10/10/1976, لتتعيّن ليس في كلية الآداب كما كنت تأمل، بل صدر الأمر الوزاري بتعيينك بدرجة “مدرِّس” لدى كلية التربية بجامعة بغداد، في حين كنت شاباً يانعاً لم يتجاوز عمره الثامنة والعشرين آنذاك.
لم تعمل مدرِّساً سوى ثلاث سنوات فحسب، حتى أمسيت مُقرِّراً لقسم التأريخ في 23/10/1979 لسنتين فقط، قبل أن تُمنح مرتـبة “أستـاذ مساعد” في 5/5/1981, ثم مرتـبـة الأستـاذيـة في 9/10/1988, فكنتَ أول من نالَ هذه الدرجة العلمية الراقية في إختصاص التأريخ لدى كلية التربية، لتتفرّغ لتدريس طلاّب الدراسات العليا، وواصلت عملك في هذا المسلك الراقي لغاية عام 2006، حتى تردّت أوضاع بغداد الأمنية وأضحى أساتذة الجامعات هدفاً لإغتيالات أولاد الشوارع من المجرمين والحاقدين على العراق‘، ما إضطرّوك لنقل خدماتك الجليلة في أوائل 2008 إلى جامعة أربيل التي إستقبلتك بالأحضان وبكل ترحاب.
الحياة العائلية
ولـمّا لم أكن بالصورة الكافية عن حياتك العائلية، فقد إستوضحتُ عنها كذلك من نجلك “الدكتور رؤوف”، الفنّان التشكيلي والنحّات الممتاز وصاحب العديد من الكتب والمؤلفات، والنائل شهادة الدكتوراه بالعلوم الإنسانية من المملكة الأردنية الهاشمية، تلك الشهادة التي أفرحتك كثيراً وأشعرتك بزهو وإفتخار، شبيهاً بإعتزازك بولدَيك التوأَمَين، “فيصل” الحامل لدبلوم المحاسبة، و”فؤاد” صاحب البكلوريوس في القانون، والأكثر منهم تعلّقك بقرينتك ورفيقة عمرك المخلصة “الدكتورة بروين بدري توفيق”، والتي أنجبتهم وأجادت تربيتهم، قبل أن تواصل دراساتها الجامعية وتستحصل على شهادة الدكتوراه بالتأريخ القديم في عام 2014 عن أطروحتها الموسومة “تأريخ الأديِرة في مناطق عقرة ودهوك والعمادية”.
العلاقة الودّية التي ربطتنا
والآن فلنأتِ إلى الصداقة الأخوية التي ربطتني بك، فبعد الإعجاب غير المستغرَب الذي دار في ذوات جميع طلاّب السنة التحضيرية للدكتوراه لدى قسم التأريخ العسكري لمعهد التأريخ العربي للدراسات العليا، فقد تمنّى كلّ منا أن تشرف على أطروحته، إن كان ضمن إختصاصك.
وشاء حسن قدَري أن أحظى بموافقتك الشخصية في أيلول 1993، ولكن بعد إمتناع طال كثيراً، لعدم رغبتك في ذلك لكوني متشبِّعاً بالروح العسكرية، والتي -ربما- تجعلني لا أتقبّل النصائح والتوجيهات من أستاذ مدني… ولما أقسمت لحضرتك أني سأكون بين يديك تلميذاً مجتهداً ومطيعاً وملتزماً وفي غاية الأدب، كما تتمنى أن يكون أي تلميذ شاب في مقتبل حياته، ولكنك لم تقتنع إلاّ بعد أن تأكدت من ماضيَّ، وبالأخص بعد أن أعلمتك بكون شقيقك الأكبر “اللواء الركن نزار عبدالسلام” هو من أشرف عام 1974 على رسالتي للماجستير بالعلوم العسكرية، وقتما كنتُ ضابطاً تلميذاً بين يديه في كلية الأركان والقيادة.
كان عنوان أطروحتي “المقاومة العسكرية الإسلامية للغزو المغولي حتى سقوط الدولة الخوارزمية”، والتي حاولتُ معها أن أكون عند حسن ظنك وقبولك، والأخذ بتوجيهاتك الشفاهية في كل يوم ثلاثاء من كل أسبوع، إذْ كنت أحضر بين يديك في قسم التأريخ بكلية التربية “إبن رشد” بمجمع الباب المعظم لجامعة بغدادالعريقة، وجمعتُ العديد من الكتب ذات العلاقة عن دولتَي المغول والخوارزمشاهيين، وتعبتُ كثيراً في أستخراج المفيد منها ودرجها في أوراق الفصل الأول من الأطروحة بواقع 33 صفحة بخط يدي الجميل، وتصورتُ أنك سترضى بها بواقع 90% على أقل تقدير.
كان يوم الثلاثاء 16/12/1993، حين فاجئتَني بموقف قاسٍ لم أتوقّعه، بل ولم أصادف مثيله طيلة مراحل دراستي وعقود حياتي العسكرية، حين تصفّحتَها بضع دقائق فحسب، قبل أن تنظر إلى عينيّ بغضب ملحوظ، قائلاً:-
د.عماد:- ما هذا يا أخ صبحي؟
أنا- مستغرباً:- مسودة الفصل الأول أستاذي.
د.عماد:- أعرف أنها مسودة الفصل الأول… ولكني أسألك عمّا إعتمدتَ عليه.
أنا:- إعتمدتُ على كتب وجدتُها رصينة، وإستقيتُ المفيد منها.
د.عماد:- هذه ليست مصادر بل مراجع، وهي ليست سوى رسائل ماجستير أو أطاريح دكتوراه، طُبعت على شكل كتب، فلمّا إستقيتَ منها فأنك لم تعمل شيئاً سوى النقل من الجاهز إلى أوراقك، ومن دون أن تتعب ذاتك… وهذه لا تصلح لأطروحة دكتوراه.
أنا:- وما المطلوب مني؟
د.عماد:- الذي أطلبه منك أن تعود إلى المخطوطات التي سطّرها صُنّاع الأحداث في حينه، والمؤرخون المغوليون والخوارزميون في القرن الثالث عشر، وإنتَقِ منها ما يفيدك، فصاحب الأطروحة -على قول أحد عظماء المؤرخين- يجب أن يضيف شيئاً أو أشياء لم يسبق إليها أحد، وإلاّ يكون مسخرة أمام الآخرين لا يحترمه أحد.
أنا:- حسناً أستاذي، وجّهني.
د.عماد:- أولاً ولكي لا تعود إلى هذه المسودة، فسأمزّقها في مثرمة الأوراق، وثانياً عليك الإفادة من أستاذنا الجليل الدكتور حسين علي الداقوقي في هذا المجال، فهو أضلع مني وأكثر علماً ومتابعة في شؤون الخوارزميين والمغول والشعوب والدول ذوات الأصول والأعراق التركية، وثالثاً تتوجّه الآن إلى دار المخطوطات العراقية في الصالحية القريبة من مبنى الإذاعة والتلفزيون، حاملاً مني رسالة رجاء لمديرها العام الأستاذ أُسامة النقشبندي، وستلقى منه كل عون.
أنا:- رغم موقفك السلبي أستاذي العزيز، وضياع جهد 3 أشهر لإعداد الفصل الأول، فسأكون عند حسن ظنّك، لأنك أنتَ توجّهني بعد خبرة 17 عاماً من التدريس الجامعي والإشراف على الرسائل والأطاريح، و 5 سنوات من التعامل مع طلاّب الدراسات العليا.
خرجتُ مُثقَلاً بهموم جثمت على صدري، فأنا لغاية ذلك اليوم لم أتعامل مع أية مخطوطة تأريخية، لذا أحسست بوقع فأس الأستاذ الدكتور عماد على رأسي، وعزمتُ على ضرورة معالجة جرحي.
ولكني بإنقضاء الأيام وعثوري على مخطوطات قيِّمة،‘ إكتشفتُ بأن الذوات الذين أصدروا كتباً عن المغول والخوارزميين من تلك التي إستقيتُ منها، لم يكونوا موفّقين في تسليط الكثير من الأضواء على الحروب الضروس، والتي دارت رحاها بين الإمبراطوريتين الشاسعتين في القرن/13، ووجدتُ ذاتي قادراً على إضافة المزيد والمزيد ممّا أعجبك كثيراً، وجَعَلَك تشجّعني نحو المزيد، فتوطّدت علاقاتنا الودية والعلمية، حتى راجعتَ المبيضة النهائية للأطروحة، وصحّحتَ فصولها كلمة بعد كلمة وجملة وراء جملة، مُشيراً بقلمك الأحمر على كل أخطائي وهفواتي، وكأنك طبيب بارع يشخّص بأصبعه موقع ألم مريضه، حتى أن رئيس لجنة المناقشة “الأستاذ الدكتور بدري محمد فهد” أسمَعَ مئات السادة الحضور في قاعة المناقشة، بأنه -وللمرة الأولى منذ عشرين عاماً- يراجع أطروحة أو رسالة معدومة الأخطاء النحوية والسَبكية.
وكان لي شرف حصول أطروحتي التي نوقشت يوم 2 أيلول 1995، على مستوى “جيد جدا”، ولولا الموقف المستغرَب وغير المبرّر لعضو لجنة المناقشة الأستاذ الدكتور خاشع عيادة المعاضيدي، والذي أدانَه معظم الحضور، لإستحصلتُ على درجة إمتياز.
إحتضانك لي
لم تسمح لي أن أتوقّف، بل عليّ إستثمار الدكتوراه، فزكّيتَني أمام رئيس قسم التأريخ وعميد كلية إبن رشد، ورتّبتَ عقداً كي أعمل محاضراً بالدوام المسائي لديكم، طال سنتين دراسيتين.
وجاء الإحتضان التالي، بعد أن إكتشفتَ بعض إلمامي باللغة التركية القديمة (العثمانية)، والتي كانت تُكتَب بالحروف العربية، فكلّفتني بتعريب مخطوطة المؤرخ “نصوحي مطراقي زاده”، والموسومة “حملة السلطان سليمان القانوني على العراقَين”، والتي تحوّلت إلى كتاب طُبِعَ في دولة الإمارات العربية ونُشِرَ عام 1999.
وأتى إحتضانك الثالث والأوسع، والذي فتح أمامي فسحة مستقبل شاسعة، إذْ عيّنتَني -من حيث لا أدري- عضواً باللجنة الوثائقية الدائمية التي تَرَأَّستَها في بيت الحكمة، وكلّفتني بجمع (2719) صفحة عن أهم التقارير الدورية والشهرية والطارئة لسفراء وقناصل العراق المعتمدين لدى الجمهورية التركية، والمرفوعة إلى الديوان الملكي كي يطلع عليها ملوك العراق خلال الفترة 1928-1957، والتي رتبتُها -تحت إشرافك- على شكل (6) كتب وثائقية أصدرها بيت الحكمة الموقر خلال 2000- 2002.
ولمّا رغبتُ بالعمل بصفة خبير عسكري وستراتيجي لدى مركز الدراسات الدولية بجامعة بغداد، فإنك لم تقصّر كذلك في تزكيتي أمام رئيس المركز المبدع “الأستاذ الدكتور محمد جواد علي”، حيث عملتُ تحت إمرته، ومن بعده، في قسم الدراسات الستراتيجية لغاية 2005.
تلك هي البعض من أفضالك عليّ، أستاذي الحبيب.
لقد تَشَرّفَتْ موسوعات ومجلاّت علمية وأدبية رصينة، وصحف مرموقة عراقية وعربية وعالمية بنشر المئات من بحوثك ودراساتك ومقالاتك ذات المناحي المتنوعة، قبل أن تستضيفك قنوات تلفازية محلّية وفضائية، وتسجّل لك عشرات الحلقات عن تأريخ العراق وبغداد في عهود متنوعة، أزْخَرْتَ بها القلوب فطابت لها العقول والنفوس… ناهيك عن إشرافك على العشرات، ولربما المئات من رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه، وترؤّسك للجان مناقشاتها أو عضويّتها، في حين كان طلاّبها المُجِدّون يتوسّطون لدى أصدقائك المقرّبين ويترجّونك لتمسي عليهم أستاذاً مشرفاً.
وأشهد، وقد أُعتُبِرتُ صديق عمرك الحميم، إنك لم تَنْتَمِ لحزب البعث بتاتاً، على الرغم من ضغوط شديدة مُورِسَت عليك، مثلما نأيتَ بعيداً عن الأحزاب السياسية والتكتلات الدينية، سواءً خلال العهود المنصرمة أو في عراق ما بعد 2003، على الرغم من المُغرَيات التي عُرِضَت عليك بإناطة مناصب أعلى لمقامك، وبضمنها مناصب عالية كنتَ أهلاً لها وأعظم بكثير ممّن تبوّأوها.
وأشهد كذلك، كم من كبار شخصيات العراق وأساتذة التأريخ، اللغات، علوم التربية، الآداب، الفلسفة، المنطق، وطلاب العلم والمعرفة، قد شهدوا بغزارة علمك وتشبّثوا بسموّ ثقافتك، حتى باتت دار سكناك ديواناً غير معلناً لزياراتهم، والتي كانت تتكرر بمعدّلات شبه يومية لتبادل الحديث الشيّق في مناحي الثقافات والحضارات.
ولا يمكن أن أنسى، بل ويزيدني ذلك شرفاً، تقديمك لكتابي الموسوم “الرئيس عبدالسلام محمد عارف، كما رأيتُه”، إلى جانب أربع شخصيات مرموقة.
آخر الكلام
وختاماً يبدو وكأن لحظة الفراق المؤقّت قد حلّت، إذْ يحزّ في نفسي المتألّمة المتوجّعة أن أودّعك بهذه السطور الضئيلة بحقّك، والتي لم تَشْفِ ولو بعضاً من غليلي، أو تُهَدِّىء جزءاً من إرهاصات فراقك الذي لا يُغلى عليه غالٍ في لحظات الفراق الموجعة هذه، وستظلّ روحك الطيبة الحائمة في جنات نعيم نبراساً ينير حياتي ويصاحبني، ولا يمكن معه أن أنساك ولو للحظة مما تَبَقّى من حياتي.
والذي قد يُهَوِّنَ عليّ بعض الشيء، أنني وقتما أفتقدك، فـَلي في أختي الوقورة السيدة “أم رؤوف”، وأبنائي الثلاثة الأعزاء “رؤوف، فيصل، فؤاد” ما يسرّ ناظِرَيّ ويخفّف الحريق الناشب في قلبي، فهم -بلا إستثناء- نِعْمَ الخَلَف وفاءً وأخلاقاً وتربية وأدباً.
وفي حين لا أكتمك بأن لا أحد يعوّضني عنك ويحلّ في قلبي وعقلي محلّك، فأنني أُخاطبك أن ترقد، يا أستاذي الحبيب “عماد عبدالسلام” قرير العين، رغيداً، هانئاً بمِلىء جفونك، فأنت وَمَنْ سَبَقَكَ من علماء العراق الأجلاّء وشرفائه هم السابقون، ويبدو أن مئات آخرين من الطراز نفسه سيلحقون بك، فالوطن إنقلبت موازينه، وبات الساقطون وشُذّاذ الآفاق وحثالات المجتمع وسَفَلَتِهِ أسياداً في شوارعه.
فوداعاً يا أستاذي الحبيب “عماد عبدالسلام رؤوف العطار”، ومن العليّ القدير والواحد الأحد، على روحك الطاهرة المعطاء، مليون مليون رحمة، فأنتَ أنتَ أهلٌ لها.
وأخيراً لا يسعنا إلاّ أن نستذكر أن لن يصيبنا إلاّ ما كتب اللّه لنا، وإنا للّه وإنّا إليه راجعون، شئنا ذلك أم أبينا، فتلك إرادة العليّ القدير التي لا تُرَدُّ.
تلميذك وصديق عمرك
د. صبحي ناظم توفيـق