18 ديسمبر، 2024 8:05 م

الإسلام منظومة عقائدية وتشريعية متكاملة ، يبحث المسلم عن حاكميته . لكن هناك نوعان من تلك الحاكمية عمليا ، البحث عن حاكمية المسلم بعنوان أشبه بالقومي وغض النظر عن حقيقة ما عليه تشريعات البلاد ، والبحث عن حاكمية الله . والمسلم الطبيعي هو من يبحث عن حاكمية الله لاشك ، أما الباحث عن حاكمية المسلم بعنوانه الأشبه بالقومي فهو مريض عنصري فقط .

وأثبتت التجربة السياسية في العراق خلال المائة سنة الأخيرة أن التوجه العنصري كان هو الغالب ، فقد حكمت الطائفة السنية طيلة عقود ، بقوانين وضعية تخالف الشريعة ، ومع ذلك وجدت جمهوراً طائفياً يتبع الحاكم بدافع عنصري ، دون النظر إلى حاكمية الله . فكانت النتيجة الديكتاتورية والتشريعات المزاجية وانعدام الأمن وإهدار المليارات وانهيار الدولة وقتل الملايين وتهميش باقي الطوائف كمرض دائم مزمن .

وبعد سقوط الصنم الصدامي البعثي وتجمع الطوائف العراقية حول دائرة مستديرة لم تشأ الطائفة السنية ترك الأمور تجري بما يرضي الآخرين ، فأرادت الانتقام ولجأت إلى الدعم الخارجي ، تحت عنوان التكاتف الطائفي ، فتحالفت مع دول تخالف ما عليها هذه الطائفة من افكار عقائدية في العراق . ومدت يدها إلى الدولة السعودية المتناقضة ، التي تفرخ اخطر فكر سلفي وهابي ارهابي متحجر في العالم يناقض الأفكار الماتريدية والاشعرية في العراق ، في الوقت الذي تدير اخطر منظومات إعلامية داعمة لليبرالية المتطرفة والمنحرفة في الوطن العربي عبر مجموعات العربية وال mbc وروتانا وغيرها التي تشكّل المقدمة الضرورية للفكر الملحد في المنطقة العربية وتمول معظم المنتجات الإعلامية الخليعة . وهذا ما يخالف مبادئ الأحزاب السياسية الإسلامية السنية العراقية بحسب الظاهر .

فيما مدت يدها أيضاً إلى دولة قطر التي تضم أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة ، في الوقت الذي ترى هذه الأحزاب السنية في العراق أن سقوط حكم طائفتهم تم على يد الأمريكان .

وفتحت ذات الأحزاب الباب واسعاً لدولة تركيا التي خانتها الكثير من قيادات الطائفة السنية وتحالفت مع البريطانيين في بدايات القرن الماضي تحت بند المصالح العربية . وفي الوقت الذي توجه هذه الأحزاب والجماعات حرابها تجاه إيران التي لا وجود عسكري لها في العراق ولا تأثير مائي من الدرجة الأولى يؤثر في العراق ، على خلاف الاحتلال التركي لشمال العراق وقطع المياه المستفحل عن نهري العراق الخالدين عبر أكثر من ٢٣ سداً فضلاً عن استخدام أراضيها من قبل الأمريكان لاحتلال العراق ، نجد أن الموقف السني على عكس المنطق السياسي والفكري . حتى وصل الأمر إلى اتهام إيران من قبل الطائفة السنية في العراق بدعم القاعدة الإرهابية وداعش ، على الرغم من دخول هذه المنظمات الصريح عبر الأراضي التركية .

وفي الوقت الذي يعيش السنة العرب بين ملايين الشيعة في وسط وجنوب العراق بسلام وحرية اقتصادية وعقائدية تجاهر مؤسسات رسمية في مصر ودول عربية كثيرة بمنع أي ظهور علني للشيعة من أبناء تلك البلدان المغلوبة على أمرها ، تماشياً في الحقيقة مع الفتاوى الرسمية وشبه الرسمية السعودية الوهابية بكفر الشيعة . حتى وصل الأمر أن يمنع الوفد الرسمي العراقي من عبور مطار القاهرة إذا كان جوازه مختوماً بختم دخول إيران باعتبار أن الشيعي فقط هو من يتوجه إلى هناك لزيارة الإمام الرضا في نظرهم ، وكذلك ترقين قيد الطلبة العراقيين في الجامعات المصرية اذا تبين للأستاذ أنهم شيعة .

وفي أفغانستان تطلب حركة طالبان الإرهابية من الحكومة الرسمية إلغاء الاعتراف الرسمي بإسلام الهزارة الشيعة ، الذين يشكلون غالبية متمدني البلاد الأفغانية . في امتداد لظاهرة تفجير حواضر الهزارة في باكستان المجاورة التي تدعم رسمياً حركة طالبان البشتونية التي تأسست على يد الأمريكان في القرن الماضي لمحاربة السوفييت ، ويتم الاعتراف بها رسمياً في دول مثل قطر . وعلى هذا الأساس تم اقتطاع وسلب آلاف الكيلومترات من أراضي الهزارة على مر السنين منذ الوجود البريطاني على أرض أفغانستان وباكستان حين أفتى تحت تأثير استعماري غريب عبد الرحمان خان بكفر الشيعة . واليوم تمتنع الحكومة الأفغانية السنية البشتونية عن توفير أي مظاهر الحماية للهزارة الشيعة أمام المد العسكري الطالباني المدعوم باكستانياً والذي تموله أموال زراعة الأفيون في اراضي الجنوب الشرقي البشتونية . والأغرب إن تنتقد اغلب وسائل الإعلام العربية السنية أن يحمل الهزارة الشيعة السلاح البدائي للدفاع عن أنفسهم وأعراضهم التي يفتي الطالبان بأنها غنائم . في مشهد مشابه لإهمال الإعلام العربي لشدة مدينة آمرلي التركمانية العراقية التي ظلت محاصرة لأكثر من ٨٥ يوماً من قبل داعش والقرى التركمانية السنية المجاورة بلا ماء ولا كهرباء ولا غذاء لمجرد أن أهلها شيعة امامية ، فيما بدأت قنوات تدعي المهنية مثل العربية والحدث التباكي على عوائل الإرهابيين حين ألقت الحكومة العراقية القبض عليهم .

وبينما تكاد تنحصر إيران كدولة شبه وحيدة في دعم المقاومة الفلسطينية ، التي تحاصرها معظم الدول العربية والإسلامية تماشياً مع الإرادة الأمريكية ، وأن الشيعة العرب هم الطرف الاكثر تطرفاً في معاداة الصهيونية حتى اليوم ، بعد تنازل اغلب الحكومات العربية عن هذه القضية وبدأ التطبيع مع الصهاينة ، وانسياق الشعوب خوفاً تحت الإرادة الحكومية المطبعة ، نجد أن المؤسسات السنية السياسية والدينية الرسمية وشبه الرسمية تمنع أي تعبير عقدي لشيعي في أراضي غزة .

وفي ظاهرة فريدة أن ينبذ الشيعة في العراق والعالم كل الصناعات الطائفية البريطانية المشابهة للسلفية الوهابية التي صنعتها من قبل لإيجاد مقابلة طائفية متناحرة إعلامياً لإيجاد بيئة مناسبة للعنف المستقبلي وإشعال بلاد المسلمين كعادة الغربيين بدناءتهم الحضارية ، فتلجأ هذه الوجوه البريطانية المنتحلة لصفة الشيعة للعيش في لندن وغيرها من بلاد الغرب ، مثل ياسر الحبيب ومجتبى الشيرازي وامير القريشي ، بعد تعرضوا في أراضي الشيعة للنقد والمحاسبة والرفض الغالب لافكارهم واتهامهم الصريح بأنهم بريطانيون ، نجد على الخلاف من ذلك أن تتبنى المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية والشعبية السنية في المنطقة تكفير طائفة كبيرة من المسلمين هم الشيعة .

وحين نجد أن الغرب الذي دمر بلاد المسلمين ومزق أوصالهم يحاصر إيران التي تدعم في الغالب قضايا سنية وليست شيعية مثل قضية فلسطين والإخوان المسلمين والبوسنة التي انقذت أهلها عمليا بالتعاون مع الشيعة العرب ، نرى بأعيننا المباركة السنية لهذا الحصار الظالم لشعب ذنبه أنه يدعم قضايا المسلمين المحقة .

وحين اعلن الشيعة في العالم دعمهم للشعوب الإسلامية السنية المنتفضة بوجه حكامها الظلمة الدكتاتوريين وجدنا أن العالم السني بصورة شبه مطبقة يعارض انتفاضات شعوب البحرين واليمن لمجرد أن أهلها شيعة ، رغم أن حكام هذه البلدان قمعيون أو عسكريون أو من أشد داعمي الخلاعة والمجون كما في البحرين .

وفي سوريا الدولة الوحيدة التي اختلف الشيعة حول دعم انتفاضة شعبها ، لم يكن معظم الشيعة يرون أن عائلة الأسد جيدة ، بل يرونها دكتاتورية ، إلا أن هناك من الشيعة من أثارته مناظر ومظاهر الطائفية العلنية والإرهاب الذي اخترق الانتفاضة السورية ، وكذلك الدعم الاعلامي والمالي العالمي والخليجي الذي حظيت به ما لم تنله غيرها من انتفاضات الشعوب ، حتى راح الإعلام الرسمي والديني يكذب أن الملائكة تنزل مع السوريين تقاتل النظام . كما كان معظم القيادات المشاركة في تلك الانتفاضة المظلومة أجانب ساهموا بقتل الشيعة في العراق ، ويصرحون بعداء المقاومة اللبنانية . وهذا ما جعل قسم من الشيعة يخشى التغيير الديمغرافي الصريح الذي باتت تهدد به تلك الجماعات .

وفي الوقت الذي يرى الشيعة منذ مئات السنين أن العقيدة التي يؤسسها العنف والإكراه مرفوضة ويطرح فكرة حوار الحضارات نجد أن القوى السنية في العالم تدعو إلى تجريم الفكر الشيعي قضائيا . في الوقت الذي تدعي أنها اقوى في أدلتها العقائدية . وهذا ما يذكرنا بزمان الدولة العباسية ، حين أصبح العالم العربي شيعياً بصورة شبه تامة في دوله النميرية والحمدانية والمزيدية والحسنية والفاطمية والإسماعيلية والزيدية والعمارية الكبيرة التي تشغل معظم مساحة الدولة الإسلامية الكبرى ، فضلاً عن الدول غير العربية ، اذ تأثر بها العالم الإسلامي ، حتى ظهور السلاجقة والعثمانيين الأتراك الذين قضوا على التشيع بالسيف لا بالكلمة التي لم تستخدم حتى اليوم .

وعودة على ذي بدء نجد بوضوح أن تحالفات القوى الفكرية الإسلامية السنية لا تقوم على أساس ما اتفقت عليه من حاكمية الله ، بل على أساس الطائفة ، بغض النظر عن الأحكام ، وهو ما يعني حاكمية المسلم السني أياً كان .

إن الشيعة يتمركزون في الأقاليم التي كان أهلها على التوحيد النقي قبل ظهور الإسلام ، في العراق وإيران واذربيجان حيث المذهب النسطوري ، وفي اليمن حيث اليهودية الأقل انحرافا ، وفي شمال افريقيا حيث لجأ الوندال المسيحيون الموحدون الهاربون من أوروبا للنجاة من سطوة القبائل الجرمانية . لهذا يجب أن يكونوا فخراً لأمة الإسلام . لا أن تمد الأحزاب الإسلامية السنية يدها إلى قبائل نجد التي ظلت اخر من يحارب النبي ، ومن أرضها يظهر قرن الشيطان ، الذي مد يده الى اخر مثله .