الحقيقة الأكثر قربا الى المستقبل السياسي العراقي، هو أن العراق لن يكون إلا أمريكيا !!
لقد أدرك الأمريكان خطيئتهم ، كما يبدو، عندما سلموا مقدرات العراق بعد عام 2003 الى إيران، وهم ليسوا بمقدورهم أن يكرروا الخطأ مرتين!!
كان العراق بعد عام 1914 ، يعد ، بريطانياُ ، وهي من إستحوذت على مقدرات هذا البلد منذ بدايات عام 1914 ، أي مع إنبثاق الحرب العالمية الأولى ، حتى فترة الخمسينات وربما الستينات وحتى السبعينات بعض الشيء ، وهي تحكم قبضتها على القائمين على شؤون الحكم في العراق ودول اخرى كثيرة، تحت دعاوى التحرر من هيمنة الامبراطوية العثمانية على مقدراتهم!!
لقد أدرك البريطانيون منذ بداية توغل جيوشهم في العراق عام 1914 ، أن العراق ليس من السهولة السيطرة على شعبه، وقرأوا كثيرا عن تأريخ العراق، الذي دوخ حتى الإمام علي ( ع) ، حين قال عنهم: يا أهل العراق، يأهل الشقاق والنفاق .. لقد ملأتم قلبي قيحا..”الخ من المقولة المعروفة .. وفعلا لقد دوخ العراقيون البريطانيين ، طوال سني حكمهم، حتى خرجوا منهم نهاية الخمسينات!!
لم تسمح بريطانيا في وقتها ، لأية قوة دولية أن يخرج العراق عن دائرة إمبراطوريتها ، مهما تبدلت كراسي السلطة في العراق ، وكانت هي من تدير “الانقلابات” وربما حتى ” الثورات” لكي لايخرج العراق من دائرة سيطرتها!!
والبريطانيون، وإمبراطوريتهم العظمى التي لاتغيب عنها الشمس ، كانوا هم المسيطرون على إستراليا ودول جنوب شرق آسيا والهند وإيران ومنطقة الخليج والجزيرة العربية ودول شمال أفريقيا، وهم يتحكمون بمصائر العالم وشعوبه ودوله!!
بعد السبعينات أفل نجم الإمبراطورية البريطانية وبدأ عهد الإستعمار الأمريكي ينفذ عبر العالم عبر دعوات التحرر ، وإستطاعوا أن ينفذوا الى دول المنطقة ، بالاستفادة من النصائح الأمريكية ، لأن الولايات المتحدة لم تعرف كثيرا عن أنظمة المنطقة كما خبرها الأنكليز ، أصحاب الخبرة الطولى في منطقتنا، وربما عرفوا حتى مزاج شعوبها ومزاج حكامهم، وكيف يحكمونهم، وأشكال عقدهم وما يطمحون!!
وعندما دخل الأمريكان العراق بعد إحتلاله عام 2003 ، وجدوا أن الساحة مهيأة أمامهم ، لكي يفرضوا مقدراتهم على شؤون البلد ويديرونه بالكيفية التي كانوا يتمنونها ، على شاكلة سيطرة بريطانيا على مقدراته قبل عقود من الزمن!!
وما أن وجدوا صعوبة في مقاومة العراقيين لإحتلاهم لبلدهم، حتى أدركوا أن إيران هي من تنقذهم من تلك الورطة، وتعهدوا لإتباعها بأنهم هم من يمسكون بالسلطة ، ولن يسمحوا للمكون الآخر بأن يكون له دور يذكر، فقبلت إيران بالفكرة وتلقفتها، كي يكون بمقدورها تعويض خسائرها مع العراق على مدى السنوات الثماني، وكان لها ما أرادت أن جنت طوال تلك السنوات الـ 18 مئات المليارات من الدولارات، لم تكن تحلم بها إيران ، في يوم ما!!
ربما حاول ألامريكان بعد كل تلك السنوات ، من عدم تمكنهم من إقامة نظام يؤمن بالدولة والعدالة والحرية تصحيح خطأهم هذا ، بأن دعوا الى إعادة النظر بنظام الحكم في العراق، ليشمل بقية المكونات المهمة، ويعيدوا حالة التوازن للبلد، بعد حالات إختلال وفوضى وطائفية مقيتة ، مزقت البلد ، وأوصلته الى مراحل خطر كاد أن يفقد الأمريكان السيطرة كليا على مقدرات البلد ويخرج عن إرادتهم!!
والخطيئة الأخرى التي أدركها الأمريكان أن هناك من يريد أعادة روسيا الى المنطقة بثقلها العسكري ، ومن ثم إقامة تحالف سياسي وعسكري وأمني واقتصادي بين العراق وايران وروسيا وسوريا ، لطرد الامريكان من العراق، وان تكون لهم اليد الطولى في الاحكام بقبضتهم عليه، وعلى تمزيق أوصاله، ليكون تابعا لتوجهات دول أخرى ، لا ناقة فيها للعراقيين ولا جمل!!
لكن الأمريكان الذين أزاحوا دول الاتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية ، وتمكنوا من تفكيكها والاستحواذ على مقدراته أنهم لن يسمحوا مرة أخرى أن تكون لروسيا بوابة للنفوذ الى منطقة المحيط الهندي والخليج العربي ، وبخاصة العراق، الذي مايزال الأمريكان يعدونه من وجهة نظرها أن يبقى المصد القوي لأي توجه روسي للنفاذ الى هذا البلد!!
هناك من يتحدث عن ” مصالحة إيرانية سعودية ” برعاية العراق، يحضرها كبار قادة دول المنطقة، بضمنهم رئيس إيران (رئيسي) وولي العهد السعودي (محمد سلمان)، من أجل حلحلة جوانب الخلاف بين الطرفين، وان بإمكان هذا أن ينسحب ” إيجابا” على العراق، وعلى سياسات البلدين، لكن هناك نقطة مهمة، ينبغي إدراكها، وهي أن حالة “العداء” و” التوتر” بين إيران والسعودية ، تبقى تتقد نيرانها بين الرماد ، ولن تخمد عداوات البلدين وآيدلوجياتهما المتصارعة المتناقضة، الى أبد الآبدين، وكل واحد منهم يحمل قيحا من ومرارات أزمات التاريخ القريب والبعيد ، الذي يحول دون التخلص من تبعات وطأته المثقلة بـ ” العداوات المركبة ” ، بسهولة!!
أما الحل الوحيد ، والأكثر قربا لإنهاء أزمات العراق ونوايا حكامه ، ليس ببقاء نظامهم السياسي الحالي ، الذي فقد مبررات إستمراره، وأتجهت خطط الأمريكان لأن يدبروا ، إما ” إنقلابا عسكريا” يديره قادة عسكريون وطنيون، يمهدون لإنتخابات لاحقة، ويسلمون البلد لشخصية وطنية عراقية، بعد أن يتم حل الرئاسات الثلاث ، أو إقامة ” حكومة طواريء” تمهد لحكومة إنتقالية وطنية، لايتولى أمرها أي من الشخصيات السياسية العراقية الحالية، وإقامة نظام “بديل” ، يكون بمقدور العراقيين إقامة حكم وطني يجد ” مقبولية” من كثيرين.., وهو الحل الوحيد لكل أزمات العراق في نهاية المطاف، ولكي لايخرج العراق عن دائرة ” التحكم الأمريكي” ، بعد ” خطأ ستراتيجي” إرتكبوه عندما سلموا مقدرات هذا البلد لإيران، وهي الخطيئة الكبرى التي لن يكررها الأمريكان مرة أخرى!!
وهو ما يعني: أن العراق بعد اليوم لن يكون إلا أمريكيا..!!