تعد وزارة الخارجية ، في كل دول العالم ، ومنها العراق، من الوزارات السيادية الأولى ، التي ينبغي أن تحظى بالإهتمام الأكبر ، من بين كل الوزارات الأخرى، وهي تلي منصب رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء، من حيث الأهمية.
ويعد الحفاظ على الأمن الوطني والقومي ، من أهم مبادي وأسس وزارات الخارجية وعملها الدبلوماسي ، في أي بلد من بلدان العالم، كبيرها وصغيرها، وقد حددت إتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 بين الدول طبيعة ومهام تلك الأوجه المهمة من جوانب العمل الدبلوماسي ومهام العمل في مجالات الخدمة الخارجية، كسياقات عمل لبعثاتها في الخارج ، وكيفية تعاملها مع الدبلوماسيين الأجانب ضمن ساحة بلدها.
وندرج في أدناه أهم الملاحظات بشأن الخطط المطلوبة لتطوير منظومة عمل وزارة الخارجية داخل العراق، آملين أن تكون لها ” بصمة ” وخارطة طريق، وإجراءات عمل، في الحفاظ على الأمن الوطني والقومي العراقي ، وإيلائها الأهمية التي تستحق منذ عام 3003 وحتى عام 2021 ..
ومن الملاحظات التي يمكن تسجيلها على مهام ومتطلبات عمل وزارة الخارجية العراقية مايلي :
1. يرى الكثير من المختصين ومن المحترفين للعمل الدبلوماسي إن من تقلدوا مهام وزراء الخارجية منذ عام 2003 حتى العام 2021 ، وهي الوزارة السيادية الأولى في العراق، لم يكونوا ممن تنطبق عليهم المواصفات المطلوبة لعمل وزير خارجية يمثل العراق ، البلد الذي يستحق أن من يتولى مهمة واجهته الخارجية ، أن يكون من شخصيات قيادية عليا، ولديها خبرات ومهارات فائقة في قيادة دفة العمل الدبلوماسي ولديها مقبولية ، داخليا وخارجيا، ولغة تعامل محكمة ومتقنة تعبر عن سياسة بلدها خير تعبير، وقد لاحظنا أن إختيار كثير من وجوهها قد جرى على أساس الوجاهة الحزبية ، كممثل عن كتلة سياسية كبيرة معينة ، لكنها لا تمتلك الحد الأدنى من مواصفات المقبولية أو أن تكون مؤهلة لقيادة تلك الوزارة، وربما يكون الوزير هوشيار زيباري هو أفضل من تولى تلك المهمة الى حد ما.. أما البقية فلم يصلحوا أساسا لتمثيل بلد مثل العراق، وكانوا موظفين عاديين ، وليسوا وزراء ، إذ أن من يقود وزارة الخارجية ، لابد وأن يمتلك من مواصفات الكاريزما الشخصية وسماتها المطلوبة ، لكي يكون بمقدوره فرض التأثير والإقناع على الآخرين ، ولديه خبرة بمهام المفاوضات مع الدول وأصولها ، وكيف يقنع الآخرين بإيصال رسالة بلده الى الدولة التي يمثلها ، وبخاصة مع الدول الكبرى، ومن تولى تلك الوزارة ، عدا زيباري بعض الشيء، لم تتوفر للبقية منهم ، مثل تلك المواصفات حتى الآن.
2. لم نلحظ وجود أساليب أو أصول تعامل تلك الوزارة مع التحدي الدبلوماسي الداخلي ولا عن طبيعة التعامل مع أنشطة سفارات دول العالم في العراق، ووجدنا أن القوانين المذكورة إهتمت فقط بتعيين السفراء والمعتمدين والممثليات الدبلوماسية وتسمية عناوينهم الوظيفية الدبلوماسية في الخارج، دون أن تحدد أطر وأساليب تعامل وزارة الخارجية العراقية مع أنشطة السفراء والقائمين بالأعمال وكل الوظائف الدبلوماسية الموجودة داخل العراق وطبيعة أنشطتها في التعامل مع البعثات الدبلوماسية الاجنبية داخل العراق ، ولم تخصص لأنشطة مواجهة التجسس المضاد أية فقرة أو مادة في قانونها يعنى بالحفاظ على أمن البلد الداخلي من الإختراق.
3. يفترض في سياقات أي عمل دبلوماسي ، مثلما هو موجود في سياقات كل دول العالم، بأن أي مسؤول عراقي يلتقي دبلوماسيا أجنبيا ، سفيرا كان أم قائما بالأعمال أو أي دبلوماسي أجنبي أو عربي، أن يكون أحد موظفي وزارة الخارجية مرافقا للنشاط الدبلوماسي وحاضرا في الإجتماع او اللقاء أو المؤتمر، أيا كانت طبيعته، سياسية ، عسكرية ، أمنية ، إقتصادية ، وحتى ثقافية ، أو أي شكل من أشكال العلاقات بين الدول، ويكتب موظف الخارجية تقريرا لوزارته عما دار في الإجتماع الى رئيس دائرته الذي يرفعه الى الجهات العليا في الوزارة ، وربما يذهب إن كان مهما الى إحدى الرئاسات المهمة في البلد وبخاصة رئاسة الوزراء ، كونها المعنية بالحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي للبلد ، وهي من تحافظ على سيادة وهيبة الدولة وسمعتها أمام مواطنيها وامام المجتمع الدولي.
4. والأكثر من ذلك أن أي سفير أو دبلوماسي أجنبي ، وكما يفترض في سياقات الدول، سواء أكان نظامها دكتاتوريا أم ديمقراطيا، لايلتقي بأي مسؤول رفيع من دولتها، مهما كانت صفته الوظيفية ، بضمنهم رؤساء الرئاسات الثلاث أو السلطة القضائية وبقية الوزارات والهيئات دون أن يكون لوزارة الخارجية علم بموعد اللقاء ، بل ويفترض أن وزارة الخارجية هي من تنظم اللقاء أصلا ، وتحدد موعده بالإتفاق مع الشخصية موضوع اللقاء، ويتم توجيه سفارة بلد الدبلوماسي بقبول الموعد والموافقة على اللقاء وبحضور دبلوماسي عنها، ليكون بمقدوره الإطلاع على مجريات الإجتماع، وكيفية تطوير علاقات العراق مع تلك الدولة أو طبيعة العراقيل التي تحول دون تطوير تلك العلاقات للتباحث مع الجهات المختصة بشأن تطويرها نحو الأفضل وبرغبة طرفي العلاقة إن رغبا في ذلك.
5. من مهام وزارة الخارجية ايضا متابعة أنشطة الرعايا العراقيين خارج العراق، والجهات التي تتحرك عليهم واية أنشطة معادية تستهدف البلد ، من خلال (مجسات) خاصة بها ومن متعاونين معها أو من خلال أنشطة دبلوماسيها وموظفيها وموظفي الجهات الرسمية العاملة في الخارج ، وما أكثرها، وان تكون وزارة الخارجية على إطلاع على أي نشاط خارجي يضر بمصلحة البلد أو يتعرض لها رعاياها في تلك الدولة، وتقوم بإبلاغ وزارة الخارجية بمجرياتها.
6. كما أن من مهام وزارة الخارجية إستدعاء السفراء أو القائمين بالأعمال في حال إخلال أي منهم أو موظفي بعثاتهم بأصول العمل الدبلوماسي في العراق، وقد يتطلب الأمر الطلب من السفير أو من ينوب عنه مغادرة البلد هو أو الدبلوماسي او الموظف الذي أظهر تصرفات لاتليق بوضعه الدبلوماسي داخل العراق، وهو سياق دبلوماسي متبع في كل دول العالم، صغيرها وكبيرها ، ويندر أن وجدنا وزارة الخارجية العراقية قد وجهت سفراء عرب او أجانب أو حتى دبلوماسيين صغارا ، بمحاولات من هذا النوع تستهدف الإضرار بأمن العراق وسيادته ومصالح شعبه.
7. إن وزارة الخارجية ، وإن كانت مهامها الأساسية هي الخدمة الخارجية ، كونها واجهة الدولة أمام دول العالم، لكن ينبغي أن يكون لها دور في الحفاظ على سيادة الدولة وأمن البلد وإستقلاله ، داخليا وخارجيا ، وتعمل على تكريس هيبة الدولة في كل أنشطتها وميادين عملها الدبلوماسي خارج العراق أو داخله، وينبغي أن تدرك أن إحدى مهامها تعقب أنشطة الدبلوماسيين والسفراء داخل بلدها ، ومعرفة تحركاتهم وأنشطتهم ومتابعة مايعدونه من تقارير عن أوضاع البلد ، أو متابعة التدخلات في الشأن العراقي ، وإبلاغ قيادة الدول بأي تدخل يضر بأمن البلد أو يعرضه للمخاطر، وإستدعاء السفير أو القائم بالأعمال ، عند صدور أي نشاط مريب أو لديهم ملاحظات بشأنه ، ومراقبة تصريحات السفراء وانشطتهم ، وكذلك بقية السلك الدبلوماسي ، وتوجيه السفراء بأية ملاحظات يرونها ضرورية ، لكي لايتجاوز السفراء والدبلوماسيون الأجانب مهام عملهم المحددة للعمل الدبلوماسي ، وفقا لإتفاقيات جنيف للعلاقات الدبلوماسية عام 1961 .
8. كانت دورات معهد الخدمة الخارجية ، في عقود سابقة ، وهو يمتلك من الخبرات ومهارات التنظير الدبلوماسي للعمل الخارجي وعمله الميداني ، قد أشرت كثيرا من تلك المهام والأنشطة ، التي يفترض بالعاملين في البعثات العراقية العمل وفق سياقاتها في سنوات سابقة ، قبل عقود من الزمان، وهي لابد وأن تكون بعض أسسها ومهامها موجودة الآن، الا أن دورة لشهر أو لإسبوع لدبلوماسي حديث العهد بالوظيفة ، لاتكفي للإلمام بكل تلك المهام ، ويفترض أن تكون تلك الأسس والمباديء والمهام موثقة ضمن قوانين الوزارة التي ترفعها الى مجلس النواب للموافقة عليها، كونها قوانين خاصة بعمل تلك الوزارة، لكي يتم محاسبة بعثتها ودوائرها على أية حالات إخفاق لممارسة نشاطها ، أو توجيهها بالعمل وفقا لتلك السياقات التي تدرب عليها موظفو وزارة الخارجية ضمن السلك الدبلوماسي، الذي يعد المسؤول عن تطبيق سياسات الدولة وانشطتها خارج العراق أو حتى داخله، ضمن متابعته لساحات عمل البعثات الدبلوماسية العربية والاجنبية داخل العراق.
9. يغلب على طابع الترشح للوظائف الدبلوماسية في العراق وبخاصة السفراء أو القائمين بالأعمال ولدرجات السكرتارية المختلفة في وظائف السلك الدبلوماسي ، كما تشير تقارير إعلامية كثيرة من داخل الوزارة، أنها تعتمد على أبناء المسؤولين الكبار أو أقاربهم من الدرجة الأولى، وهم في أغلبهم من الأحداث ، وبلا كفاءات أو مؤهلات ، ولو في حدها الأدنى، وما إطلعنا عليه من أسماء وصلاتهم بالمسؤولين الكبار وشهاداتهم المتدنية وضعف شخصياتهم ، وكما أشرها خبراء مختصون، يشكل مثلبة في طبيعة المهام الملقاة من يعمل في السلك الدبلوماسي، الذي يفترض أن يعتمد كفاءات مجربة ولديها القدرة على الإسهم في العمل الدبلوماسي وامتلاك لغة أجنبية على الأقل، ونأمل أن يتوقف إختيار الدبلوماسيين والسفراء على أساس صلات القرابة من المسؤولين الكبار ، كونه عرض الدبلوماسية العراقية لإنهيارات كثيرة.
10. كان القانون العراقي ومنذ تشكيل الدولة العراقية وحتى عام 2003 يعاقب بالاعدام أو بالحد الأدنى بالسجن المؤبد ، كل عراقي يتصل بدبلوماسي أجنبي أو يلتقي بأجنبي أيا كان، إذا لم تكن وزارة الخارجية أو الجهات الأمنية لديها علم بالإتصال ، أما بعد عام 2003 فأصبح بمقدور أي كان أن يقيم علاقات مع دول ودبلوماسيين وشركات عاملة ويتعامل معها على المكشوف، ولا توجه له أية تهمة بالمساس بأمن البلد وسيادته، وكان سيادة البلد لاتدخل في مهام الدولة العراقية ، بل أن تهمة (العمالة) لم تعد تطلق على من لديه تعاملات غير مشروعة مع دول الجوار ودول العالم، أما موظفي الدولة كبارهم وصغارهم فيلتقون بممثلي دول العالم في العراق متى شاءوا دون أي رقيب أو حسيب، وهو ماعرض سمعة وسيادة البلد لإختراقات خطيرة ، حولته من دولة قوية يحسب لها الحساب قبل عقود، الى تابع ذليل لدول وحكومات أجنبية ، ويتفاخر ” البعض” من قوى واحزاب وشخصيات ، للأسف الشديد ” بـ “العمالة” للآخر أو “الولاء” لهذه الدولة أو تلك وليس لبلده ، وهم يكرمون بأعلى المناصب ويحصلون على أعلى الامتيازات ، في سابقة خطيرة لم تألفها دول العالم، حتى التي لايمكن أن يطلق عليها إسم دولة، كونها لاتذكر أو لأنها ” نكرة” في عالم السياسة ووجودها لايقدم ولايؤخر، ويفترض وفقا للقانون العراقي وحتى الدولي ان يحاكمون بتهم التجسس لدول أخرى.
وهنا لابد وأن نلقي الضوء على جوانب مهمة من قوانين الدولة العراقية في عهود سابقة ، لنعرف مدى الأحكام المشددة عند تعامل أي عراقي مع الأجانب والدبلوماسيين على وجه التحديد، أو مع دول أخرى ، وما هي العقوبات الرادعة بحق هؤلاء الذين يظهر أن ولاءهم لغير العراق، وأنهم يعرضون أمن الدولة وسيادتها للمخاطر..وأدناه عرض لتلك القوانين التي تضع حدا لتصرفات من هذا النوع.
الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي من وجهة نظر القانون العراقي السابق
يعد قانون العقوبات العراقي ذي الرقم 111 لسنة 1969 من أفضل القوانين العراقية التي إهتمت بتنظيم الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي، وبقي معمولا به لسنوات طويلة من عمر الدولة العراقية، وإنتهى تطبيقه كليا ، خلال السنوات التي أعقبت نظام العملية السياسية المرتبطة بالإحتلال الأمريكي، وما رافقها من تداعيات خطيرة عرضت إستقلال البلد وسيادته وفككت الدولة العراقية وأقامت كانتوناتها الطائفية والعرقية المتصارعة داخلها وبتوجيه منها، وفتحت أبواب البلد للتدخل الخارجي بمختلف أشكاله، على مصراعيها، تحت حجج الانفتاح والنظام الديمقراطي ، حتى تعرضت كرامة العراقيين الى الإمتهان.
ونجد أن هناك عقوبات مشددة تصل عقوبتها الى الإعدام لمن يقوم بالإتصال الأجنبي من قبل أي عراقي داخل أو خارج بلده أو الإتصال بأي أجنبي أو التخابر معه ، وبخاصة مع سفارات أو ممثليات تلك الدولة داخل العراق أو خارجها وتؤدي الى المساس بأمن البلد وتهدد إستقراره ، وتعد جريمة كبرى مخالفة للقوانين العراقية ولشرف المواطنة، عندما يرتضي أي عراقي كان أن يكون (عميلا) أو (جاسوسا) أو (متعاونا) مع دولة أخرى ضد مصلحة بلده ومواطنيه، وتطبق عليه أشد العقوبات التي يكون الإعدام في الغالب هو الحكم المعمول به طوال الانظمة العراقية المتعاقبة..لكن هذه القوانين العراقية المهمة جرى تعطيل العمل بها والغائها كليا من قاموس التعامل السياسي العراقي، ولم تعد (العمالة) للآخر أو (التبعية) أو (الولاء المزدوج) عملا شائنا يحاسب عليه القانون، بل (يكرم) في دولة الديمقراطية العتيدة ونظامها الديمقراطي، بعد أن أستبيحت كل المحرمات التي تحفظ أمن الدولة وسيادتها وكرامة شعبها أو تلك التي تعرضها للمخاطر، وأصبحت أمرا (يكافيء) عليه لا أن تتم محاسبته، وهو مايجري في عراق اليوم..
هذه ملاحظات مهمة، ينبغي إعتمادها كسياقات للعمل الدبلوماسي المستقبلي إن اريد تطوير عمل وزارة الخارجية العراقية نحو الأفضل..ومن الله التوفيق.