الديمقراطية في مجتمعاتنا وافد غريب , فأجيالنا مطبوخة في قدور “السمع والطاعة” و “نفذ ولا تناقش” , و “الخضوع المطلق للكرسي الحنان المنان” , وأي خروج عن هذا المسار يُحسب عدوانا على القطيع القانع الراتع , المبشوم بالأضاليل والمتخوم بالأقاويل.
هذا الوافد الغريب لا نعرفه ولا يعرفنا , وقد شاخ وبلغ من العمر عتيا في البلدان التي ولد فيها وترعرع وعمّر ودمّر , وهو على شفا منزلقات الرحيل والتجدد , والتطلع لولادة نظام جديد يستوعب إرادة العصر المتأججة بالإبتكارات , والثورات المعرفية والتقنية التي أخذت تؤثر على سلوك البشر.
وبسبب شيخوخة الديمقراطية , فأنها عبّرت عن عجزها وخسرانها في مجتمعاتنا , التي لا يمكن لأجيالها المعاصرة المعفرة بالويلات والنكبات أن تستوعبها وتتمثلها , وتمضي على هديها لأنها لا تمتلك البنية التحتية النفسية والفكرية والسلوكية للتعامل معها.
ولهذا طغى الفساد وتنوع الإستحواذ والطغيان والإستبداد , وسادت ممارسات “كل حزب بما لديهم فرحون” , وتعمقت الصراعات الداخلية , والشقاقات والإنقسامات والتناحرات الدامية القاسية في ربوع أوطاننا.
بينما الدنيا أخذت تتحرك في فضاءات ما بعد الديمقراطية , ومجتمعاتنا ما زالت لم تقترب من هوامشها , وما عرفت جوهرها ومحتواها.
فهل أن الديمقراطية إنتفى دورها في أوطانها , ورميت إلينا للإستهلاك الفوضوي , وكوسيلة للتدمير الذاتي والموضوعي؟!
إن الواقع العالمي يشير إلى أن مرحلة الديمقراطية كما نتوهمها قد أصبحت في خبر كان , ونظريات حكم جديدة فاعلة ومؤثرة أخذت تؤتي معطياتها , وتساهم في صناعة الوجود الأرضي.
ويبدو أن الصين وغيرها من الدول القوية المعاصرة , إبتكرت أنظمة حكمها الجديدة البعيدة عن النظريات التقليدية والتصورات التي طغت على القرن العشرين , وهذا يعني أنها تسبقنا وتتقدم بسرعة ومجتمعاتنا تلهو بما عقا عليه الزمن وتجاوزته الشعوب.
فالمعنى الجديد للديمقراطية غير المعنى المتعارف عليه , فقد إستولدتها العقول والتجارب نظريات وخطط ومشاريع , وآليات ذات قيمة معاصرة , فما عادت إنتخابات وحسب.
إنها إرادة وطنية وتعبير عن صناعة الوجود الإنساني الوثاب الطامح لمستقبل أقدر وأنبل!!