18 ديسمبر، 2024 9:33 م

ظنيةُ الطريقِ لا تضرُ بقطعيةِ الحكمِ

ظنيةُ الطريقِ لا تضرُ بقطعيةِ الحكمِ

إن الطريق الظني يؤدي إلى حكم ظني، فكيف يمكن أن نفهم أن ظنية الطريق لا تضر بقطعية الحكم والحال أن الطريق الظني يؤدي إلى حكم ظني؟
إن المراد من الحكم هنا سنخ آخر يختلف عن الحكم المظنون وهذا الحكم هو(الحجية). وسوف تتضح الفكر اكثر من خلال هذا المثال..
 إن خبر الثقة طريق ظني لأنه من الخبر الواحد، وهذا يعني: أن السند ظني وليس قطعياً وما دام السند ظنياً فالنتيجة تكون ظنية. بغض النظر عن صراحة الدلالة وقطعيتها.. لأن النتيجة تتبع أخس المقدمات؛ والظن أخس من القطع..
وهذا يعني: أن مفاد خبر الثقة دائماً يكون ظنياً(ظنية الحكم الشرعي) ونحن أمام أربع صور:
1ـ ظنية السند وظنية الدلالة.
2ـ ظنية السند وقطعية الدلالة.
3ـ قطعية السند وظنية الدلالة.
4ـ قطعية السند وقطعية الدلالة.
إن الصورة الرابعة تمثل طريقاً قطعياً ومن مصاديقها بعض آيات القرآن التي تكون دلالاتها صريحة. وبعض الروايات المتواترة السند والتي تكون دلالاتها صريحة…
لأن الدلالة إما أن تكون صريحة وتُسمى(نص) بحسب اصطلاح علم أصول الفقه. أو تكون الدلالة غير صريحة؛ وهي أيضاً إما أن تكون ظهورية أو تكون مجملة. فالدلالة على ثلاثة أنواع:
1ـ صريحة.
2ـ ظهورية.
3ـ مجملة.
والسند أيضاً أما أن يكون قطعياً كالخبر المتواتر أو يكون ظنيا كخبر الواحد .
إن الطريق القطعي هو ما كان قطعي السند وقطعي الدلالة وإلا فهو طريق ظني.
 إن الأعم الأغلب من الأدلة المحرزة هو عبارة عن طرق ظنية، فضلاً عن الأصول العملية التي يكون موضوعها الشك.
هذا توضيح المراد من ظنية الطريق، فما هو المراد من الحكم في عبارة قطعية الحكم؟
إن المراد هو الحجية الشرعية؛ بمعنى: إن بعض الطرق الظنية مقطوع بحجيتها شرعاً وتعبداً فالشارع بالعناية والتنزيل والتعبد جعل بعض حصص الظن كالقطع.. ولذلك قال الأصوليون: إن الأصل في الظن هو عدم الحجية إلا ما خرج بدليل شرعي قطعي. وهذا الدليل الشرعي القطعي يؤدي إلى حكم شرعي قطعي والذي يُسمى بالحجية (قطعية الحكم).
إن خبر الثقة الذي يدل على حرمة شيء ما أو وجوب شيء ما أو استحباب شيءٍ ما… الخ وإن كان يؤدي إلى ظنية هذا الوجوب أو ظنية هذه الحرمة أو ظنية هذا الاستحباب، إلا أن هذا الطريق الظني(خبر الثقة في المثال) مقطوع الحجية؛ يعني: أن البرهان قائم على حجيته وهذا معنى (إلا ما خرج بدليل شرعي قطعي). وحيث أن القطع حجة عقلاً فإن هذا الطريق حجة أيضاً ولذلك يُسمى(علمي).
 يعني: أنه طريق ظني مقطوع الحجية شرعاً هو ليس علم، بل هو ظن ولكن يُنتسب إلى العلم فيُسمى اصطلاحاً ((علمي))، كالذي يُسمى بغدادي فهو ليس بغداد، بل هو فردٌ من أفراد الإنسان ولكن نسبته إلى بغداد ويُسمى بغدادي.
وهكذا الحال بالنسبة للظن المقطوع الحجية شرعاً(المعتبر) فإنه يُسمى علمي نسبة إلى العلم (القطع).
وعلى هذا الأساس يُسمى درس البحث الخارج ــ بدرس الفقه الاستدلالي ودرس الأصول الاستدلالي ــ لأن النتيجة بالرغم من كونها ظنية وظاهرية إلا أنها مقطوع بحجيتها ومبرهن عليها؛ لأن المراد من الاستدلال هنا، الاستدلال البرهاني.
لأن البرهان: هو اليقين بثبوت المحمول للموضوع عن طريق معرفة العلة في ثبوته له..
وهذا الاستدلال يأبى دخول الاحتمال.. بمعنى: أن تمحيصه يكون من خلال هذه القاعدة(( إذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال)، فالاستدلال الصحيح لا يمكن أن يدخل عليه الاحتمال.
وبعد هذه الكلمات اتضح أن ظنية الطريق وإن أدت إلى حكم شرعي ظني، إلا أنها لا تضر في قطعية الحكم بحجية هذا الحكم الشرعي المظنون المستنبط من طريق ظني. وهذه القاعدة لا تشمل كل الطرق الظنية؛ بل هي مقتصرة على بعض الطرق الظنية التي تم البرهان عليها في علم أصول الفقه وقد تكون بعض الطرق الظنية محل خلاف بين الأصوليين، ومن جملة الطرق الظنية:
ـ حجية الظهور العرفي.
ـ حجية خبر الثقة.
ـ السيرة العقلائية.
ـ سيرة المتشرعة.
ـ ارتكاز المتشرعة.
ـ حجية مفهوم الشرط.
ـ حجية مفهوم الغاية.
ـ حجية الاستصحاب.
ـ حجية البراءة.
وهناك الكثير من الطرق الظنية الأخرى وعليه فإن ظنية الطريق لا تضر بقطعية الحكم. يعني: أن الحكم المقصود هنا هو غير الحكم الشرعي الظني الذي دل عليه الطريق الظني.. فالأحكام الشرعية وإن كانت ظنية أو مشكوكة في بعض الأحيان إلا أنها مقطوعة الحجية شرعاً .