أوهموا الأجيال أن القناعة كنز لا يفنى , ويبدو أن مَن أطلقها كان طاغية مستبد , يريد الناس تدين بالخنوع والخضوع لإرادته , فعليها أن تقنع وتطيع , ومهما جار وتجبر فأن القناعة كنز لا يفنى , وعليها أن تستلطف الحرمان والإذعان للقهر والإمتهان.
وبسبب هذا التفاعل الترقيدي لإرادة الشعوب , ولدت أجيال تقنع بالحرمان من أبسط مقومات العيش والحقوق , فالقناعة بالذل والهوان السبيل الأسلم للبقاء في الحياة وإن كانت تعيسة بائسة.
نعم , إنها القناعة الفاعلة فينا , والمدمرة لوجودنا والمصادرة لمصيرنا , فاقنع أيها المواطن بما أنت فيه وعليه , وإن حاولت تجاوز أسوار القناعة فذلك هو الإثم الكبير.
قد يرى البعض غير ما تقدم , وينظر للقناعة بعين أخرى ومسار مغاير , لكنها آلية لتصفيد الإرادة , وتدمير التطلعات الحرة الكريمة , ومناهضة أبسط القيم والحقوق الإنسانية , حتى لتجدنا أمام بشر يعيش بلا مأوى ويرفع رايات القناعة , وهو خامد ميت في حياته , وكأنه مرهون بالذلة والإنسحاق تحت سنابك المستحوذين على وجوده , وبعضهم في قيعان المذلة ويرفع شعار ” هيهات منا الذلة”!!
تلك عجائب سلوكية فاعلة فينا , وشالة لحركة الحياة , ومنطلقات التطلعات نحو حياة أفضل تليق بالإنسان.
فعن أي قناعة يشجع المستعبدون للبشر؟
أن يقنعوا بهم وبعبوديتهم وإمتهانهم وإستثمارهم من قبل الجشعين المتاجرين بدين.
إن الزمن المعاصر يرفض القناعة المذلة المهينة , ويدعو الإنسان إلى التحدي والإصرار على بناء ما هو أفضل وأرقى , وعلى الأجيال أن تتنامى بقدراتها وإنجازاتها وطموحاتها , فالأجيال اللاحقة يجب أن تفوز بحياة أفضل من الأجيال السابقة.
فالقناعة في واقع العصر كنز خاوي , ومضر بالوجود الوطني والإنساني , فهل من الرشد القناعة بالحرمان من أبسط مقومات الحياة , وعدم العمل على إحقاق الحق وردع الظالمين , والدجالين والمضليلين المنفذين لإرادات الآخرين , الطامعين بالبلاد والعباد؟!!