كنتُ أتابعه متوهما بأنه يعبر عن صوت الإنسانية والعقل ويريد للأمة خيرا وسؤددا , وما أن تبدلت المواقف والحالات , وإذا به يسفر عن حقيقته البائسة , وبأنه كان يخادع وينافق ويضلل الآخرين بما يطرحه ويراه , فما أفجع الأمة بالكذابين المنافقين الغادرين , الذين لا ينتمون إليها , وإنما إلى أصنام الضلال والبهتان , ويتعبّدون في محاريب رؤاهم وتصوراتهم الفجائعية , المناهضة لجوهر الأمة وفيض رسالتها السمحاء.
إن مصيبة أية أمة في أبنائها المجردين من المواقف الثابتة , والفاقدين للغيرة الوطنية والقومية , والمنساقين وراء الآخرين الذين يستعملونهم لتمرير مصالحهم , وإستعادة أمجادهم .
وتجد أمثال هؤلاء لا يخجلون من الإستدارة الكاملة ضد ما كانوا يدّعونه على مرّ السنين , لأن مصالحهم تقتضي ذلك , وعليهم أن يكشفوا عن حقيقتهم السوداء التي تمتص جميع الألوان , وتقاتل إرادة الحياة والإنسان.
ترى لماذا لا يتمسك الإنسان بموقف كريم يجاهد في سبيله ويبني حياته وفقا لمعطياته؟
إن الحياة موقف , والقيمة للموقف الذي يعبّر عن جوهر صاحبه ومعنى ذاته , وكنه وجوده وغاية رسالته فوق التراب.
وبالمواقف تتجسد إرادة الحياة.
فلماذا يتفاعل في واقع الأمة أصحاب المواقف الهزيلة المبتذلة , الخالية من قدرات التعبير الأصدق عما يدّعونه بأقوالهم , وأفعالهم تعارض ما ينطقون به أو يهذربون , وكأنهم يخادعون الآخرين وربهم , ولا يخدعون إلا أنفسهم ويذلونها , ويهينون وجودهم , ويسقطون معاني صورتهم التي إجتهدوا لرسمها في أذهان الناس.
تلك فاجعة كبرى من فواجع الأمة التي تأخذها إلى قيعان الويلات والتداعيات , فعندما يغيب الموقف , تتجمد الحياة وتتقهر إرادة الأجيال , فينهض الأموات ليتحكموا بمصيرهم , ويتحول الأحياء إلى موجودات تابعة راكعة راتعة تقودها الأوهام والأضاليل , وتفترسها وحوش الغاب المنقضة عليها من كل حدب وصوب , ما دام الأدعياء يأخذون أبناءها إلى ميادين سقر , ويتاجرون بهم في مزادات المصالح والأطماع الشخصية الدونية التطلعات.
فتبا لكل أفّاكٍ يدور؟!!