إذا كان الإرهاب هو الأبن الشرعي لفتاوى التكفير وأيديولوجية العنف الديني والخطاب المتطرف، وإذا كان النفاق هو الأبن الشرعي لشعارات هيهات منه الذلة، فإن الفساد هو الأبن الشرعي للأنظمة الاستبدادية، على سبيل المثال لا الحصر، التيار الإسلامي في العراق، ذلك التيار الذي يشهر سيفه لنصرة الإسلام في العراق، لكنه في الحقيقة طعن الإسلام قبل أن يذبح العراقيين بذات السيف. فما ظن الأحزاب والكتل السياسية بمختلف اتجاهاتها وما يطلق عليهم (زعماء العملية السياسية) وهم يحملون هذا السيف لفرط سطوتهم وفسادهم واستبدادهم، أنهم يحكمون بعدل الله؟ فما يعرض لنا واقع العراق أكثر من مشاهد الكهرباء الكارثية، فانهيار منظومة الكهرباء نموذج سافر وسافل للسقوط السياسي والإداري. وماذا يجد شعبنا المسكين أكثر من أكاذيب المسؤولين التي تُقتل فيها معنويات المجتمع. بالتالي فإنهم مجموعة من العتاة فاسدين يتلاعبون بمصائر البلد وأبناءه ويرتهنون الشعب العراقي في شبكة محكمة من الفساد واللصوصية، بحيث عجزت الجماهير عن مقاومتهم، بل عجزت أكبر المراجع الدينية أمام خداعهم ومكرهم وتحايلهم.
وبما أن الفاسدين من الطبقة الحاكمة يمتلكون المال والجاه، فهم اصطنعوا فئة من الشعب منحتهم القليل من المال، وبعض الوظائف في مؤسسات الدولة، فأصبحت هذه الفئة محترفة في النفاق والتزلف، محترفة في وضع صور ولوحات هائلة الحجم في الميادين لزعماء ورؤساء كتل وقادة أحزاب، وشعارات وهتافات تحتشد في الشوارع من أجل فوز (طويل العمر) بالانتخابات المزورة القادمة. وكل هذه الفعاليات إمعانا في الولاء والطاعة وانغماسا في ملذات الانبطاح والتذلل وخفض جناح الذل لأسيادهم الفاسدين الذين يتنعمون بكل خيرات البلد وملذات الحياة، والمواطن البسيط يموت كل يوم ألف موتة بسبب الكهرباء. بيد أني أجزم أنه لا يوجد عراقي ولد رقًاً بالجينات، لكن بوجود أشهر الطغاة والغزاة في السلطة أمثال (الاسكندر الأكبر وجنكيزخان وتيمورلنك) لابد أن تكون المصالح والمنافع هي السبب لعبودية القلة وانصياعهم طواعية للاستعباد، خاصة وإن جحافل هؤلاء الطغاة مرت فوق صدور العراقيين.
وبعيدا عن الفلسفة والتحليل واللغو، لا نختلف أبدا بوجود مؤامرة كونية على العراق، وإلا لماذا تخرج (هيلاري كلينتون) وزيرة خارجية أمريكا في مؤتمر صحفي، وتطالب الرئيس الراحل حسني مبارك بمغادرة السلطة فورا وبعبارتها الشهيرة (now is now) آبان ثورة 25 يناير عام 2011 في مصر، في حين قدمت ثورة تشرين في العراق مئات الشهداء وآلاف الجرحى، إضافة للاعتقالات وغيرها، ولم نسمع من أمريكا والأمم المتحدة غير الشجب والاستنكار وعبارات ضبط النفس، وما أكثر المواقف والممارسات الدالة على صمت المجتمع الدولي السافر على انتهاك كل قيم العدالة واحترام حقوق الإنسان في العراق، فسياسة الكواتم والقناصين والضرب في سويداء القلب، لم يلتفت لها دعاة الشرف والمبادئ والقيم.
ولطالما أن السواد الأعظم من الشعب يرفض الفساد والظلم، لكن حتى نضع العلاج الصحيح للحد من احتكار السلطة في العراق علينا أن نقر بأن أي عملية (تغيير فوقي) للحكم دون جدوى، فقد سالت دماء غزيرة للأسف وضحايا واعتقالات وتغييب للشباب. ولكي نحطم مقولة ” كيفما تكونوا يولَ عليكم” إذن يجب أن يبدأ التغيير من المجتمع ذاته دون تنازل عن المطالبة بإسقاط جميع الطبقة السياسية بلا استثناء. تلك الطبقة السياسية التي تحتكر السلطة وتحتقر الشعب، لأنها تختبئ خلف أسوار المنطقة الخضراء، وباقي الشعب العراقي يعاني الأمرين. حتى أصبحت المنطقة الخضراء تعد بالمنطقة المحرمة، التي لا يدخلها الغرباء إلا بتصاريح خاصة من ديوان أمير المؤمنين. فأصحاب المعالي والسمو، وشوارع المنطقة الخضراء وقصورها وكل مرافقها لم ولن يسمعوا عن وجود أزمة كهرباء في العراق، فمثل هكذا مشاكل يُصاب بها المواطن العراقي المسكين حصريا. هذا المواطن العراقي الضحية، اليوم يشتهي الموت ولو على سبيل الاستعارة.
من الواضح هناك تنظيما كبيرا مسؤولا عن قضية الكهرباء في العراق، فليس مهما أن تُدار مؤسسات الدولة العراقية بمهنية وحرفية بقدر ما هو مهم أن تكون المحاصصة وتقسيم الكعكة بين الأحزاب والكتل السياسية هي الأساس والقاعدة في الجهاز الإداري، حتى لو كان الوزير نكرة ليس له ماضي ولا حاضر ولا مستقبل، المهم أن يكون هذا الوزير من الكتلة أو الحزب السياسي (س) ليقود الوزارة. وبعد الصفقات والعقود والسرقات تنهار الوزارة، فيخرج السيد الوزير في الفضائيات وبمباركة رئيس كتلته ليعطي التبريرات ثم يعلن توبته من العمل الإداري ويصبح نجم سياسي تائب، وبعدها يتحول هذا الوزير الفاسد إلى إمام يتقدم عشرات المصلين.
وتأسيسا لما تقدم، العراق اليوم في وضع شائك ودقيق، لدينا حكومة ميتة أيا كانت طريقة وفاتها.