تشيرالتجارب السياسية في العالم الى انه ليس شرطا ان تتطابق توجهات اطراف متالفة مع بعض كي تنجح في ادارة حكومة ائتلافية يشكلونها , بل يكفي ان تلتقي كحد ادنى في مصالح الدولة العليا ليتحول الاختلاف بينها في التوجهات الاخرى الى عامل قوة للحكومة وليس ضعف …
وقد تشكلت في العراق منذ الالفين وخمسة حكومات ائتلافية تكونت من احزاب متباينة التوجهات .. (قومية علمانية- واسلامية مذهبية (شيعية كانت ام سنية) -وحتى يسارية) رغم ذلك فان ما واجه العراق من مشاكل متلاحقة خلال هذه السنين لم يكن سببها تباين توجهات تلك القوى , بل تبعية بعض المشاركين في تلك الحكومات لاطراف دولية واقليمية شتتت الجهد الوطني العراقي لصالحها على حساب المصالح الوطنية للعراق وهي من ابقت العراق داخل دوامة اللادولة الحالية .
اثيرت في الاونة الاخيرة انباء حول محاولات تشكيل اطار تحالف سياسي بين الديمقراطي الكوردستاني والتيار الصدري لما بعد اجراء الانتخابات القادمة , وحازت تلك الانباء على اهتمام المراقبين والشارع السياسي العراقي , اذ ان هذا التحالف ان حصل فسيعتبر اختراقا جريئا لقوالب مفروضة على العملية السياسية منذ بدئها ولغاية يومنا هذا .
ان افتراض تشكيل مثل هكذا تحالف ( جريئ) يحتاج الى الكثير من الحوارات والتفاهمات لحلحلة القضايا الخلافية بين الطرفين , وهو ليس بالامر الصعب اذا تجاوزوا الخطوط الحمراء للتباحث في حوار صريح ومعمق . فمعروف ان الديمقراطي الكوردستاني حزب قومي يتبنى طروحات معينة قد لا تلتقي كاملا مع طروحات جهة اسلامية شيعية مثل التيار الصدري , وهناك تباين في الرؤى بينهما في العديد من القضايا المتعلقة بالشان العراقي داخليا وخارجيا ..
اذا فالسؤال الذي يجب ان يطرح هو… ما الذي يدفع بهذين الطرفين للتفكير في تشكيل تحالف بينهما وما ايجابيات هكذا تحالف؟
– اثبتت نتائج الانتخابات في الخمسة عشر سنة الماضية الى ان الديمقراطي الكوردستاني والتيار الصدري يمتلكان ثقلا انتخابيا لا يستهان به , بحصولهما على اعلى نسب تصويت في مجمل تلك الانتخابات على الصعيد الحزبي , لذلك فان اقامة تحالف بينهما سيجعل من العمل الحكومي سلسا متجانسا وقويا الى حد كبير.
– من النقاط التي اثرت سلبا على العملية السياسية منذ تاسيسها ولغاية يومنا هي المحاصصة الحزبية , التي اصبحت عرفا سارت عليه جميع الحكومات السابقة . وتشكيل الحكومة من الديمقراطي والتيار سيحقق المحاصصة المكوناتية التي لا زلنا نحتاجها في الوضع العراقي لكنه سيحد من تداعيات المحاصصة الحزبية الى حد كبير , وتبقي الحكومة بعيدة عن تاثيراتها , من خلال اختيارهما للمرشحين من الاحزاب الفائزة , دون السماح لتلك الاحزاب بفرض مرشحيها كاستحقاق , وبذلك سيتمكنون من تشكيل حكومة كفاءات.
– يتمتع الديمقراطي الكوردستاني والتيار الصدري بنقطتين مهمتين يفتقر اليهما بقية الاحزاب العراقية وهما : –
1- استقلالية قرارهما السياسي بعيدا عن تاثيرات القوى الاقليمية والدولية .
2- تمتعهما بعلاقات متوازنة مع الاطراف الاقليمية المتصارعة في المنطقة .
فهما يتمتعان بعلاقات جيدة مع القوى الاقليمية المؤثرة في المنطقة باختلاف توجهاتها (تركيا – ايران – الدول العربية) , اضافة الى ان علاقات الديمقراطي الكوردستاني مع الغرب وامريكا لم تفقده استقلالية قراره السياسي , مثلما لم تفقد علاقات التيار الصدري الجيدة مع ايران استقلالية قراره السياسي .
هذا التنوع في العلاقات يمنح الحكومة المشكلة مرونة في الحركة على الصعيدين الاقليمي والدولي , ويوفر للحكومة تكاملا سياسيا في خارطة العلاقات مع المجتمع الدولي , يحول العراق من ضحية دائمة للصراعات الدولية والاقليمية الى مستفيد من تلك الصراعات , ونقطة التقاء حقيقية لها , بما يحفظ المصلحة العراقية اولا .
– نجح الطرفان في الحفاظ على علاقات جيدة مع مصطفى الكاظمي , ما يمكن ان يكون مفتاحا لتشكيل حكومة مستقبلية متجانسة وقوية . ويبدو ان الكاظمي الذي يفتقر الى حزب سياسي او كتلة برلمانية تدعمه ليست لديه النية بالمشاركة في الانتخابات القادمة , مما يوفر فرصة كبيرة للديمقراطي الكوردستاني والتيار الصدري لجعل الكاظمي فرس الرهان في تراس حكومتهما الائتلافية …
فرغم الانتقادات الكثيرة التي يتعرض اليها الكاظمي , لا نستطيع انكار انه حاول خلق دولة مؤسسات يحترم فيها القانون , وقام بخطوات مهمة اخفق في تحقيقها اكثر من سبقوه من روؤساء الحكومات, وكان سيذهب بعيدا في تلك الخطوات لولا افتقاره لدعم برلماني و دعم حزبي , وهو ما يمكن ان يوفره له الديمقراطي الكوردستاني والتيار الصدري مستقبلا .
– يعاني العراق في السنوات الاخيرة من سطوة فصائل منفلتة على الواقع السياسي والامني والعسكري العراقي , منعت حكومة الكاظمي من فرض القانون في اغلب الاحيان . لذلك فان تشكيل الديمقراطي الكوردستاني والتيار الصدري للحكومة القادمة سيعطي قوة اضافية للجهات الامنية العراقية بما يمتلكه الطرفان من خبرة امنية وعسكرية في التعامل مع هكذا ظروف , ويعطي الجهات الامنية العراقية سيطرة كاملة على الانفلات والمنفلتين .
ان الاشارة الى تشكيل الحكومة من طرف كوردي وشيعي لا يعني عدم اشراك طرف سني فيها , فالواقع السياسي العراقي لم يصل لحد الان الى مستوى التخلي عن المحاصصة المكوناتية لضمان حقوق المكونات الرئيسية فيه , لكن الطرف السني الفائز لن يخرج في كل الاحوال عن تحالف الحلبوسي او تحالف الخنجر , والتحالفان يتمتعان بعلاقات مميزة مع الطرفين ( الكوردي والشيعي) المعنيين , لذلك فانضمام احدهما لهذه الحكومة لن يكون بالامر العسير , اذا ما نجح التيار الصدري والديمقراطي الكوردستاني في الوصول لاتفاقات وتفاهمات فيما بينهما وتشكيل تحالف يمكن تسمينه بتحالف الانقاذ العراقي .