راقب العالم بأسره سير الأنتخابات الايرانية الأخيرة التي جرت وسط ظروف خاصة يمر بها العالم عامة و المنطقة بشكل خاص فقد رافقت المرحلة السابقة للانتخابات الأخيرة ظروف ربما تكون صعبة في بعض مفاصلها خاصة في ما يخص جائحة كورونا من جهة والتي ألقت بظلالها على جميع أقتصاديات الدول بلا أستثناء وخاصة ايران بعدد الوفيات والاصابات حيث قارب عدد الوفيات الى 83000 شخص منذ بدء الجائحة والعقوبات الامريكية الظالمة على أيران من جهة أخرى وأنسلاخ الولايات المتحدة من الاتفاق النووي تحت حكم الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب , بالأضافة الى تفاقم الكثير من الأحداث وتوتر المنطقة عسكرياً في العراق وسوريا واليمن وفلسطين ولبنان وغيرها من الدول التي تشهد صراعات عسكرية وتعتمد فيها حركة فصائل المقاومة على الدعم الايراني المباشر ليس في منطقة الشرق الأوسط فقط وانما يمتد ليصل الى فنزولا في امريكا الجنوبية كل هذا يؤثر ويتأثر بالسياسة الأيرانية ونتائج الانتخابات الحالية, فقد راهن الغرب وأمريكا وأسرائيل وبعض الدول العربية التي تدور في الفلك الامريكي على أيجاد خلل في الانتخابات من خلال العمل على تشجيع الشعب الايراني ليثاطع الانتخابات من أجل سلبها شرعيتها دولياً وبالتالي التشكيك في نتائجها خاصة بعد أن حصرت الخيارات المتاحة في الوصول الى الكرسي الرئاسي بخيارات يمكن ان يقال أن أحلاها مر بالنسبة للمعسكر الغربي وكانت هذه الحملة شرسة جداً عُضّدت بأستطلاعات للرأي كانت ترشح نسبة المشاركة ب 20 – 25 % من المصوتين واذا بالنتائج المعلنة على لسان وزير الداخلية الايراني انها وصلت الى 48,8% وهي مشاركة كبيرة اذا أخذنا بنظر الاعتبار وجود جائحة كورونا وأسقاطاتها على تخوفات الجماهير من التجمهر و التحشيد في مناطق ضيقة مما يؤدي الى عزوف الكثير من الناخبين ناهيك عن الاحباط الكبير لدى الأيرانيين وخاصة فئة الشباب منهم نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة بفعل العقوبات الامريكية المتشددة والقاسية على الجمهورية الاسلامية ,ولكل هذا فالانتخابات الايرانية ترسل مجموعة من الرسائل أولها أن حملات التسقيط والتشجيع على العزوف لم تؤتي أُكلها ولم تؤثر في وعي الشعب الايراني الذي تلاحم مع سلطاته و غلب المصلحة العامة على المصالح الخاصة وكان هذا واضحاً من مشاركة جميع فئات المجتمع الايراني وبكل اطيافه القومية والسياسية والطائفية, والرسالة الثانية هي أن مباديء الثورة الأسلامية ومُثلُها العليا مازالت حاضرة في الذهنية العقدية للشعب الايراني ولم تنالها معاول التهديم والبروباغاندا الغربية بل هي باقية وتتمدد وتنمو , كما أن العقوبات الأقتصادية الجائرة والحصار الأقتصادي لم يثني عزيمة هذا الشعب بل بالعكس تماماً كانت عاملاً محورياً في ألتفاف الشعب حول قيادته وثقته بها وتصحيح مسار السياسة الداخلية بصناديق الانتخابات فقط , وفيها رسالة للانظمة الدكتاتورية التي (لا تفرق بين صناديق الفاكهة وصناديق الانتخابات) كما وصفها الأمام الخامنائي في أن قوة هذا النظام في حرية الاختيار والتعبير عن الرأي والتداول السلمي للسلطة والمؤسسات الرصينة التي تفتقدها هذه الانظمة التي تنتقد الجمهورية الاسلامية الايرانية و تُشكل على أنتخاباتها ,
ورغم أن السياسة (الخارجية) الايرانية فيها ثوابت لا يمكن زعزعتها فيما يخص دعم محور المقاومة وهذا ما يلاحظ في جميع الحكومات التي توالت على الجمهورية الأسلامية منذ ولادتها والى اليوم فالأنتخابات ربما يكون تأثيرها بسيط على السياسة الخارجية وثوابتها فدائماً المتغير السياسي يصب في الحوض الداخلي أكثر منه في الأفق الخارجي,
الا أن وصول السيد ابراهيم رئيسي الى سدة الحكم يعطي دفعاً معنوياً كبيراً الى المحور لما يتميز به من سمات ذاتية وسيرة شخصية وتاريخ مشرف وصلابة في التعامل مع القضايا المحورية وخاصة انه يحسب على المحور الثوري وهنا أشير الى أستخدامه في كلمته لتعهده بتشكيل حكومة مثابرة و(ثورية) … لكل هذا يمكن القول أن المرحلة القادمة ستشهد دعماً متميزاً ونهضة كبيرة لمحور المقاومة يختلف عما سبقه ,
كما عمل الاعلام في المعسكر الغربي والعربي على تصوير وتسويق الجمهورية الإسلامية بصورة نمطية معينة بأنها دولة متشددة ومتطرفة حتى وضعها جورج بوش الابن ضمن محور الشر وفي كل رؤسائها السابقين بما فيهم المنفتحين على الغرب أو من تيار الاصلاح فهذا نهج عمل عليه الغرب منذ لحظة أنتصار الثورة الاسلامية عام 1979 ولكن مع وصول الرئيس ابراهيم رئيسي كانت الحملة تسبق الانتخابات في وصفه بالمتشدد والمتطرف وغيرها من التعابير التي تنطوي على رسائل مبيتة خاصة وأنه يخضع للعقوبات الامريكية فسارعت منظمة العفو الدولية لتجديد المطالبة بمحاسبة السيد رئيسي على ما تقول انها اعدامات للسجناء السياسيين عام 1988 والتي كانت خاضعة للقانون والقضاء الايراني ولها أمتداد في الاحداث المأساوية التي حصلت بعد أنتصار الثورة وما حصل من تفجيرات عديدة نالت الكثير من قادتها ورجالاتها , كما أن على الولايات المتحدة اليوم التعامل مع السيد رئيسي كواقع حال بأعتباره رئيس الجمهورية الاسلامية وخاصة أنها تجلس بصورة غير مباشرة في المفاوضات في فينا لأعادة الاتفاق النووي الى مساره السابق وعودة الولايات المتحدة الى الاتفاق بلا شروط مسبقة ,
من جهة أخرى حاولت اسرائيل بكل ما تقدر على أفشال الاتفاق النووي حتى انها سعت لأشعال الحرب في المنطقة أكثر من مرة ولكنها في كل محاولة كانت تبوء بالفشل وخاصة ان الرئيس الصهيوني السابق نتنياهو حاول توظيف هذه النقطة لصالحه أنتخابياً بأفتعال الكثير من التحرشات مع الجمهورية الاسلامية من خلال حرب السفن والهجمات السبرانية وغيرها ولكن حكمة حائك السجاد في الجمهورية الاسلامية أفشلت الخطة الصهيونية حتى تم ازاحة نتنياهو والرئيس الجديد بينيت رغم رفضه للاتفاق النووي ومعارضته لعودة أمريكا للاتفاق الا انه يرى ان الاتفاق الجديد سيكون اسوأ من اتفاق 2015 لهذا هو رفع التوجيه السابق من نتنياهو بمنع التفاوض مع الامريكا في هذا الشأن وأرسل رئيس اركان الجيش الاسرائيلي أفيف كوخافي للقاء كبار المسؤولين الامريكان بخصوص الاتفاقية ,
أما ما يخص مستقبل العلاقات الايرانية- الخليجية في الحقبة المقبلة بعد الانتخابات وعودة السعودية الى طاولة الحوار مع ايران وسوريا
فالرئيس المنتخب ابراهيم رئيسي كان واضحاً حتى في عام 2017 اثناء حملته الانتخابية في الانتخابات السابقة وفي هذه الانتخابات أنه مع مد جسور الحوار و التعاون مع جميع دول الجوار ومنها الدول الخليجية وبالخصوص مع السعودية ولا يخفى أن هناك أجتماعات عدة عقدت بين ايران والسعودية بوساطة عراقية في بغداد لحل المشاكل العالقة و التوصل الى حلول ترضي جميع الاطراف والسيد رئيسي سيعمل على أستمرار هذه اللقاءات والتفاوضات فهو يريد للمنطقة الأستقرار وتخفيف التوترات وسحب البساط من تحت أقدام من يريد أشعال المنطقة بالحروب بالوكالة وهذا المشروع هو ما كان يعمل عليه الشهيد الجنرال قاسم سليماني (رحمه الله) بل هو ما ادى الى أستشهاده ,فقدومه الى بغداد عشية الأغتيال كانت من أجل أجراء صفقة سلام شامل مع الجانب السعودي بوساطة عراقية وقد لمسنا التغيير في تصريحات ولي العهد في المملكة السعودية بأتجاه الجمهورية الايرانية كما تغيرت بوصلة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا نحو الايجابية وأعتقد أن خارطة المنطقة ستتجه نحو الاستقرار التدريجي لأن قناعات الدول متجه نحو النمو الاقتصادي ووقف نزيف الدماء والمال,
والبوصلة في المنطقة تتجه نحو الصين سواء من قبل دول المنطقة كالاتفاق الاستراتيجي من قبل ايران أو من قبل امريكا التي ألتفتت الى خطر التنين الصيني ولهذا بدأت بسحب لافت لقواتها من المنطقة مما يرسم خارطة توازنات جديدة سيكون للسيد رئيسي دوراً بارزاً فيها .