يوماً بعد يوم، تظهر بوضوح أشد هشاشة النظام السياسي الجديد في العراق وعدم كفاءته وقدرته على النهوض بالبلد من جديد، والسبب الرئيسي هو القوى السياسية الحاكمة والمتحكمة والمتدخلة في كل الأمور الصغيرة والكبيرة للحكومة وحسب مصالحهم الضيقة، اضافة الى السياسيين والقيادات “المخضرمة” منهم، الذين “ناضلوا” ضد النظام الدكتاتوري السابق، والطارئين منهم الذين استغلوا الظروف السياسية وجاءوا الى المناصب بلا جهود، كلهم منهمكون بمصالحهم الشخصية والفئوية الضيقة فقط، غير مبالين بأوضاع البلد ولا بمستقبله.
اضافة الى هؤلاء “القادة” هناك جيش من الانتهازيين و الطفيليين ممن يطبلون ويزمرون لهذه الأحزاب والقيادات والساسة، يحاولون الحصول على الامتيازات والمناصب و”قطعة من الكعكة” على حساب الآخرين من الكفوئين المناضلين والمضحين والمستحقين، ويقومون بذلك من خلال استغلال علاقاتهم وارتباطاتهم والوساطات والمحسوبية ونفاقهم وقدراتهم على التلون والتملق للأحزاب والاشخاص.
خلاصة الكلام هي ان وزارة الخارجية والدولة الآن بحاجة ماسة الى تعيين سفراء جدد لسد حاجتها في ادارة العلاقات الخارجية والدبلوماسية مع البلدان الاخرى في العالم، كحاجة سائر القطاعات الاخرى في الدولة الى الكوادر المختصة، فالنقص حصل بعد احالة الكثير من السفراء الى التقاعد، الا ان الفئات المذكورة أعلاه و من خلال اساليبهم المعروفة يحاولون عرقلة هذه الخطوات وإفشالها وإلحاق الضرر بالدولة، لأنهم على دراية بأن هذه الخطوة لا تلبي مصالحهم وتحقق أجنداتهم. فبدلاً من المطالبة بتطبيق قانون الخدمة الخارجية الذي يقضي بضرورة ترشيح ٧٥٪ من السفراء من موظفي الخارجية من درجات وزير مفوض والمستشار و ٢٥٪ من الكفاءات ذوي الاختصاص الموجودة في القطاعات الاخرى للدولة كأساتذة جامعيين وأكاديميين، تحاول هذه الأحزاب والقيادات ” المخلصة” جداً للوطن والتي عينت جميع السفراء خلال الفترة السابقة بعد سقوط النظام من كوادرهم الحزبية و اقربائهم وشلة اللوكية في هذا المنصب، يريدون الآن الاستمرار على نفس النهج، رغم فشل أغلبية هؤلاء السفراء الطارئين على الدبلوماسية في أداء واجباتهم والارتقاء بمستوى العلاقات الخارجية ودبلوماسية البلد الى مستوى افضل، حتى أن أحد الفاشلين منهم وصل الى منصب وزير الخارجية بسبب براعته في تسويق نفسه للمسؤولين، دون ان يقدم شيئاً للبلد لا كسفير ولا كوزير ولا حتى من خلال اختصاصه “الاكاديمي” البعيد جداً عن الدبلوماسية، لذا حتى سمي بأفشل وزير في تاريخ الخارجية.
وتحاول الحكومة متمثلة بوزارة الخارجية الآن سد هذه الفجوة في ادارة علاقاتها الخارجية، وتمكنت جاهدة من اقناع القوى السياسية بـ “الاقتراب” ولو قليلاً من تطبيق القوانين وجعل نسبة الترشح مناصفة ٥٠٪ لكل من هذه القوى ووزارة الخارجية، وفعلاً باشرت الكتل السياسية بتسمية مرشحيها وتمت مقابلتهم من قبل وزارة الخارجية. كما ان الخارجية بدأت بإجراء مقابلاتها لاختيار نسبتها من المرشحين، إلا أن جيش المنافقين من الطرفين (الوزارة والكتل السياسية) ، وعندما عرفوا بعدم نجاحهم في الترشح، بدأوا بتشكيل اللوبيات والتحركات من اجل افشال جميع هذه الإجراءات، وكالعادة من خلال الواسطات والعلاقات مع الأحزاب والمسؤولين، وصولاً الى رئاسات الجمهورية والوزراء والبرلمان واقليم كردستان، موجهين النداءات والمناشدات لبعض السياسيين كالسيد مقتدى الصدر، مقدمين أنفسهم كمخلصين وحريصين جداً على مصلحة البلد، علماً بأن اغلبية هؤلاء المنافقين لا يستحقون ان يكونوا موظفين في العراق الجديد، ناهيك عن ان يكونوا سفراء، او حتى شمولهم بقانون الفصل السياسي ( الذي أُستُغل من قبلهم ابشع استغلال وجميعهم معروفون) واعتبارهم مظلومين و مغبونين من قبل النظام السابق.
لذا نناشد هنا مثلهم، السيد مقتدى الصدر وجميع السياسيين والمسؤولين الذين يعتبرون انفسهم “مخلصين” للبلد، بإعادة النظر بكل ملفات الفصل السياسي وخدمة المحاماة والصحافة لجميع هؤلاء المشمولين بقانون الفصل السياسي وشبيهاته، الذين تم منحهم الدرجات الوظيفية العليا والقدم والعلاوات في وزارة الخارجية، بحيث تمكنوا من الوصول الى مستوى “الطمع” بمنصب السفير، وذلك من اجل معرفة من هو المستحق الحقيقي المتضرر من قبل النظام السابق والمناضل المضحي بكل شيء ضده، ومن هو الذي قضى معظم حياته بعيداً عن السياسة والنضال ومعاداة النظام الدكتاتوري الصدامي، وعاش في اوربا واميركا بزمالات دراسية للنظام السابق، او من هم خريجو جامعات صدام الحاصلين على شهادات عليا بسبب تخاذلهم وعمالة عوائلهم للنظام البعثي، ومن كان لا دخل له في السياسة ولا المعارضة ضد الدكتاتورية وعاش حياةً رغيدة الى ان خرج من العراق، ومن خلال مطاراته، بإرادته مسافراً لاوربا وأميركا بحثاً عن الرفاهية بأمواله التي حصل عليها من خلال التعاون مع النظام السابق، والآن جاء على الحاضر يطعن بأحقية المستحقين ويحاول تشويه سمعتهم. فليس من المعقول إلحاق الضرر بمصالح الوطن من خلال الإصرار على اما ان اكون سفيراً واما ساعمل في افشال كل شيء حتى اذا كان على حساب المصالح العليا للبلد.
يبقى ان نشير الى خلل رئيسي في قانون الخدمة الخارجية الذي يعطي الحق لمن هم في درجات وزير مفوض ومستشار، في الترشح لمنصب السفير، دون ان يحدد القانون ذلك على اساس اعتبارات الاسبقية والاقدمية، إذ ليس من المعقول ان ينافس مستشار حديث في الدرجة وزيراً مفوضاً له عدة سنوات في الدرجة والمنصب، اي ليس منطقياً ولا واقعياً ولا حتى من النواحي الادارية والحقوقية والعدالة والانصاف والانسانية، ان شخصاً ترقى تواً لدرجة مستشار، يتقدم على وزير مفوض ويصبح اعلى درجة ومنصباً منه اي يصبح سفيراً، فهناك حاجة الى اعادة النظر وتعديل قانون الخدمة الخارجية من قبل البرلمان لتصحيح هذا الخطأ.