لا جدال في أن الانقسام في الساحة الفلسطينية كان له انعكاس سلبي كبير ومدمر على مسار المقاومة الشعبية والنضال الوطني التحرري الفلسطيني، ولا يخدم سوى حكومة الاحتلال والعدوان ومشاريعه الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية وتكثيف الاستيطان وكسب الوقت لتكريس الاحتلال.
وقد بذلت الكثير من الجهود لإنهاء الانقسام وعقدت عشرات الحوارات واللقاءات بين حركتي فتح وحماس، لتحقيق المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية والتخلص من حالة التشظي والانقسام الضار والمدمر والمعيب، ولكن حتى الآن لم يتحقق هذا الحلم الذي طال انتظاره، لعدم الجدية وغياب النوايا الحقيقية الصادقة.
وقبل أيام كان من المفترض أن تلتئم الفصائل الفلسطينية في القاهرة بدعوة من مصر، ولكن جرى تأجيل هذا اللقاء لأجل غير مسمى، ويبدو أن هذا التأجيل سيطول ويمتد ولا نعرف إلى متى، بسبب الخلافات العميقة بين طرفي الانقسام(حماس وفتح)، التي ظهرت قبيل معركة “سيف القدس”، حين اقدمت السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس على تأجيل الانتخابات التشريعية، التي كان من المقرر اجراؤها في أيار الماضي، مبررة ذلك بانها لا تريد إجراء انتخابات بدون القدس، فضلًا عن التطورات والمتغيرات التي حصلت في معركة “سيف القدس” وحالة التوحد للكل الفلسطيني وإعادة القضية الفلسطينية إلى مركز الصدارة عربيًا وإسلاميًا وعالميًا، وما زالت السلطة ممثلة بحركة فتح أن الخيار السياسي لشعبنا هو نهج اوسلو الذي ترفضه حركة حماس وعدد من الفصائل الفلسطينية الأخرى. ومن الواضح أن قوى المقاومة التي توحدت في المعركة والمواجهة دفاعًا عن قطاع غزة، لن تقبل بهذا النهج والعودة إلى الوراء وترك الأمور للرئيس محمود عباس، ويبدو أننا سننتظر غودو حتى تتم عملية إجراء الانتخابات التشريعية في القدس بموافقة دولة الاحتلال.
ويمكن القول أن تأجيل الحوار الوطني الفلسطيني سيطول ويطول، وسيبقى الشارع الفلسطيني منقسمًا على نفسه نتيجة البون الشاسع بين حركتي حماس وفتح، لأن هناك من يستفيد منه. فلسلطة الفلسطينية تريد حكومة وحدة وطنية وفق أوسلو، ولا ترغب أن يتحول صمود غزة وفشل العدوان العسكري الاسرائيلي، إلى ورقة رابحة بأيدي حركة حماس ضمن جلسات الحوار الفلسطيني. والقاهرة لم تنجح في جسر الهوة بين الطرفين، فكلاهما يرفضان تقديم أي تنازل ما، وهذا ما يزيد ويعمق الشرخ في المشهد السياسي الفلسطيني، وهذا التشتت والتشرذم الداخلي هو من أعطى الضوء الأخضر لما يمارسه الاحتلال بشكل يومي ممنهج، من الاستيلاء على الأرض وتوسيع الاستيطان وتهويد المقدسات.
وعلى ضوء ذلك سيبقى الانقسام سيد الموقف وعنوان المرحلة القادمة، وسنظل في انتظار غودو، ولن يستفيد من هذا الحال سوى حكومة الاحتلال الجديدة الأكثر يمينية وتطرفًا، بزعامة نفتالي بينيت.