التأريخ يحدثنا بوضوح وبأدلة وبراهين وأحداث متكررة , أن الأوطان يهزمها أبناؤها.
فالشعوب لا تهزم من الخارج مهما كان الهجوم شرسا ووقحا ومتوحشا , إنها تُهزم من الداخل.
ولهذا تلجأ القوى المهاجمة إلى تجنيد أبناء البلد المُستهدف ليكونوا عونا لها , وقوة ضارية ومزعزعة للوجود الوطني المتماسك.
أنظروا أي بلد تم إحتلاله من قبل قوى خارجية , ستجدون أن العدو الحقيقي هو من أبنائه , الذين صاروا مخلصين للطامع ببلادهم , أكثر من إخلاصهم لوطنهم , فيعبثون بالوجود الوطني , ويؤهلون الساحة لإستقبال الأعداء المهاجمين الطامعين وتسهيل عملهم , وتأمين عدوانهم وإمساكهم بمصير البلاد والعباد.
وهذه الحالات تتكرر عبر التأريخ البشري , ولا زالت متواصلة في الواقع , وما حصل في بعض بلدان المنطقة , لا يشذ عن هذا السلوك المستهجن المتكرر في حياة الشعوب.
ففي كل شعب هناك عدد من أبنائه المؤهلين لخيانته وتدمير وجوده , ويتم الإستثمار فيهم والعمل على توظيفهم , لتحقيق أماني وتطلعات القِوى الطامعة به والمعتدية عليه.
والشعوب القوية تدرك هذه الحقيقة السلوكية , فعملت على معالجتها وتطهير مجتمعاتها منها , بتوفير ما يعزز خير الوطن والعمل على الحفاظ على إستقراره وأمنه.
أما المجتمعات المنكوبة بخونتها , فأن فيها ما يعزز النفور من الوطن وكراهيته وتدمير وجوده , ويسود فيها الحرمان من أبسط الحاجات , والقهر يتواصل في كافة الميادين , ولا ينال البشر فيها حقوق الإنسان , بل يتحول إلى أرقام تمحوها أنى تشاء.
فلا يمكن لهذه المجتمعات أن تكون وتتجسد , إن لم تستطع بناء إرادة نحن الموحدة , المعتصمة بوطنية راسخة ومقتدرة ذات تأثير إيجابي في صناعة الحياة.
إنها قضية مصيرية تواجه البشرية , وعليها أن تعالجها بأسابيب إنسانية وتمنع إستشراءَها , وتحولها إلى وباء عاصف بالوجود الوطني.