في بلدنا الذي لا يتجاوز عدد سكانه الأربعين مليون والمعتمد في معيشة سكانه على صادرات النفط ، والذي يشكو من غياب الصناعة وتخلف الزراعة وضعف السياحة وغيرها من فعاليات الإنتاج والاعتماد شبه الكلي على الاستيراد والذي يتفرد ببيع ثرواته من الدولار في مزاد تشوبه الكثير من الشبهات ، تتواجد فيه أعداد كبيرة من المناصب من درجة مدير عام إلى مستشار وخبير ووكيل وغيرها من التسميات والتي ما انزل الله عليها من سلطان و البالغ عدد شاغليها عدد لا نعرفه من الآلاف بعضهم لانجاز الأعمال والبعض الآخر عبئا او على سبيل التشريف ، وابرز ما يميزها تفردا عن كثيرا من البلدان ثلاثة أشياء ، أولها إن إشغالها يقترن بمنح العديد من الامتيازات وثانيها إن التعيين والإعفاء فيها ومنها لا يستند إلى شفافية معروفة في مواصفات وموعد انتهاء التكليف وثالثها إنها تشغل بالوكالة في اغلب الحالات ، ومن باب التلطيف والتهذيب يجدون تسميات لإشغالها أما بصيغة التكليف او بتسيير الأعمال او ما يختارونه من مسوغات ولكن اغلبها ليس أصالة وإنما وكالات ، والمعيار المعلن في تعيين او تكليف العديد لإشغال المناصب هو الاستقلالية والكفاءة والنزاهة والاعتماد على التكنوقراط ، وهي مسالة يستطيع أن يفندها أي مواطن لان الطائفية والانتماء والمحاصصة هي من المرتكزات البارزة التي تتم المطالبة بها علنا في أكثر الاحيان ، لان البعض يعتبرها استحقاقات لا يمكن التنازل عنها بأي حال من الأحوال ، وكما هو معروف للقاصي والداني فان الاختيار على أسس عرجاء لا تقوم على معايير موضوعية في الكفاءة والخبرة والاستحقاق لوضع الرجل ( او المرأة ) المناسب في المكان الناسب من شانها أن تكون الفتيل الذي يشعل نار التخلف وتكريس الفساد بمختلف الأشكال والأنواع ، ورغم إن موضوع إشغال أكثر المناصب بالوكالة قديما في العراق إلا إنها تحولت لحالة مزمنة لم يجدوا لها علاجا، وان ما ذكرنا بهذا الموضوع هذه الأيام هو قرب حلول المهلة التي حددها قانون الموازنة الاتحادية رقم 23 لسنة 2021 حيث نصت المادة 58 منه ( يلتزم مجلس الوزراء بإرسال أسماء المكلفين بمناصب رؤساء الهيئات المستقلة والدرجات الخاصة ووكلاء الوزارات إلى مجلس النواب بموعد أقصاه 30/ 6 / 2021 ويلتزم مجلس النواب باتخاذ قراره بالتصويت خلال 30 يوم من تاريخ إرسال الأسماء ) ، وهذه المادة سوف لا تكون قابلة للتنفيذ بهذه التوقيتات لأسباب عديدة أهمها إن الأسماء لا يمكن إن ترسل بعدد الأيام المتبقية من الموعد المحدد ، وحتى لو وصلت الأسماء فان مجلس النواب ليس بإمكانه حسم الموضوع خلال شهر لأنه في حالة من عدم الانعقاد فجلساته تداولية لغياب النصاب ، كما إن اغلب الكتل والأحزاب وهيئاتها السياسية والاقتصادية لا تنوي التغيير لكي تحافظ على مصالحها التي تحققها المناصب ، اقلها من باب التحوط لنتائج الانتخابات المبكرة التي ستجري في تشرين الأول القادم أي بعد 4 شهور، والنتيجة التي يتوقعها الكثير هو بقاء المناصب على حالها لكي تدار بالوكالة او التكليف او تسيير الأعمال او بما هو دارج من تسميات ، وفي ذلك ظلم للحقوق ومخالفة للقانون فشاغلي الناصب ليسوا جميعا من السيئين وبعضهم اثبتوا جدارة في الأداء ويستحقون أن يثبتوا بمناصبهم لكي يعلموا متى تبدأ ولايتهم الرسمية ومتى تنتهي ولكي لا يكونوا في حالة من عدم الاستقرار ، كما أن هناك الكثير ممن أشرت عليهم حالات سلبية من حيث عدم أهليتهم لإشغال ما يشغلوه او إنهم خارج الوصف والمواصفات ومن الضروري استبدالهم بمن هم الأجدر في أداء ما مطلوب منهم ، وهو ما يعني بان وجودهم يشكل ظلما للوظيفة العامة تنعكس سلبياتها وخزعبلاتها على الجمهور ، ومن الناحية القانونية فان استمرار المناصب بالوكالة يعد باطلا بعد 30 / 7 / 2021 لانتهاء المدة التي حددها قانون الموازنة والذي تم التصويت عليه من ممثلي الشعب ( مجلس النواب ) ، وفي حالة العجز عن تنفيذ المادة المذكورة فان الأمر يستوجب إصدار قانون لتغيير الموعد المحدد لان ما يصدر بقانون لا يعدل إلا بقانون ، ورغم كل ما ذكرناه فإننا نتوقع أن تمر المسالة مرور الكرام بعيدا عن نصوص القانون ومتطلبات الدستور فما يحصل اليوم هو تكرار لما حصل في 2019 حيث ورد نصا في قانون الموازنة بالمحتوى نفسه ولم يتم تنفيذه رغم تأجيل الموعد لمرات كما إن الأمر الواقع يؤشر استمرار التعيين بالوكالات في هذه الأيام استنادا لموافقات من أعلى الجهات ، مما يؤكد وجود إرادة لإبقاء وضع المناصب كما هي عليه من خلال إشغالها بالوكالات ، لتحقيق مزايا سياسية او ترقيعات رغم ما تسببه الوكالات لمجموعة كبيرة من التداعيات ، فالوكالة تتعرض بسهولة للتغيير وربما تؤدي إلى توطين التخلف والفساد وكتم أنفاس من لديهم القدرات على العطاء والإبداع ، وفي ظل ما تشهده المناصب من تأجيل عفوي او متعمد في حسم موضوع إشغالها بالوكالات ، فانه من غير المتوقع أن يحسم هذا الموضوع في الأمد القريب نظرا للعدد الكبير من المناصب التي تستوجب التعيين أصالة او التغيير ، ولكون البعض ينظر أليها كغنائم لا تقبل التنازلات بمعنى إن الموضوع سيبقى جرحا نازفا دون معالجات ويؤجل من حكومة لأخرى تجاوزا على القانون والاستحقاق ، وهي من العوامل الأساسية في الابتعاد عن المعنى الحقيقي للدولة والحؤول دون قيادة المناصب بشكلها الصحيح لتؤدي واجباتها بسياقها المطلوب .