لم يكن فساد بعض ساسة الشيعة يختلف عن فساد الآخرين، ولم يكن اجرامهم اكبر من ارهاب واجرام الآخرين، لكن تمويل الاعلام المأجور لقلب الحقائق وتدليسها والتغطية عليه اكبر بكثير مما يتوقعه المتابع للشأن السياسي.
عندما تتابع البرامج التي تعرضها بعض القنوات, ومواقع التواصل الاجتماعي المعروفة الممولة من الخارج، تعرف حجم الدعم وامكانيات التمويل، فلا يمكن لأي قناة شيعية حزبية ان تأتي بالإعلاميين والاعلاميات ومقدمي البرامج (البارزين) لارتفاع اجورهم قبال البرامج التي يقدمونها، فلا نستغرب من انصياعهم الاعمى لصاحب المال، الداعم الرئيسي الذي يستأجرهم، لاستهداف طرف دون الطرف الآخر، لأن المال السياسي هو الحكم في حسم القضايا السياسية.
لا يمكن ان ترى برنامج على قناة الشرقية او دجلة او غيرها او البشير شو ومن على شاكلته، يستهدف الآخرين؟ ليس لعدم وجود الفاسدين فيما بينهم، فلديهم من الفاسدين والفساد ما يزكم الانوف، وفيهم من القتلة والمجرمين الغارقين في انهر من دماء الابرياء، بل فيهم ارهابيين وقادة ارهاب شاركوا في قتل حتى ابناء جلدتهم.
هناك من يصرح عن عمالته للاستخبارات الاجنبية علناً، وآخر يتحدث في جلسات عامة عن تبرئة الارهابيين ومسح اسمائهم من الحواسيب، ويعدهم بتعويضات بعشرات الملايين، وإسقاطها عنهم بجرة قلم، وعن سياسيين ارهابيين وقادة ارهاب اصحاب مناصب علياً في الدولة، (نائب رئيس الجمهورية) و(وزير المالية) و(محافظ) و(عضو مجلس محافظة) عرضت بعض القنوات اعترافاتهم واعترافات حماياتهم، بتلقي الاوامر والتعليمات منهم، لقيامهم بعمليات ارهابية في بغداد والمحافظات وحتى في مبنى البرلمان، ومنهم من اعترف بكونه (والي بغداد لتنظيم القاعدة) في سنة ٢٠٠٩ وليصبح في ٢٠٢١ عضو مجلس نواب، وذلك غيض من فيض مما موجود على ارض الواقع.
اما عن من يريدون الاستقلال بدولة، فلقد وصل بهم الحال الى سرقة المعاشات الشهرية لموظفيهم، ولهم ١٧٪ من الميزانية العامة، ويصدرون مئات الآلاف من براميل النفط يومياً، ناهيك عن واردات المنافذ الحدودية والمطارات وغيرها.
فلم يقف الامر عند هذا الحد، بل استغلوا الارهاب في ٢٠١٤ وساوموا القطعات العسكرية المنسحبة من المناطق الغربية، على اسلحتهم واعتدتهم مقابل عبور حدود محافظاتهم، وكأنهم دولة داخل دولة، واخذوا يقضمون المناطق المتنازع عليها ووضعها تحت سلطة مليشياتهم علناً، بدعوى حماية مناطقهم من الارهاب بعد طرد السكان منها، او نقلهم الى مخيمات لللاجئين.
لم يجرأ أولئك الاعلاميين على ذكر فساد وارهاب تلك الاطراف، ليس حباً بهم او لطهارتهم ونزاهتهم، بل لكثرة اموالهم وطائفية من يقف ورائهم.
فلقد صب الاعلام الاحادي جام غضبه على السياسيين الشيعة فقط، وكأنهم الطرف الوحيد الذي يحكم العراق، ولم يتذكروا انهم شركاء معهم في المناصب العليا للدولة كرئيس الجمهورية, ورئيس مجلس النواب ووزراء ونواب ولهم من المناصب ما لغيرهم حسب حجمهم لا بل يزيدون.
كانت المهمة استهداف الشيعة وتسقيطهم دون غيرهم، وايصال صورة للعالم انهم عاجزين عن ادارة الدولة, ولا يستحقون الحكم، وإنهم جاءوا من اجل النهب، والآخرين بمثابة الاولياء والصالحين.. والتغطية على فسادهم وامتداداتهم وارتباطاتهم بالإرهاب.
نعم الحقائق مرة ويصعب تقبلها، لكنها تبقى حقائق مهما تمت تغطيتها وتدليسها، ويبقى الفاسد فاسدا والارهابي ارهابيا، وسيبقى هذا الحال الى ان يحدث تغيير في الوعي المجتمعي، ورفع غمامة التجهيل القسري عنه، والشعور بالمسؤوليات الملقاة على عاتقه امام ما يجري في العراق.
فالاستهداف الاحادي الجانب معروفة اسبابه ودوافعه، وهو سياسة رسمت ملامحها في المعاهد الاعلامية الاستخباراتية الاجنبية، التي نجحت في استخدام الاعلام كأفضل سلاح في الحروب الجديدة، التي تعنى في استهداف الدول والطوائف والجماعات، فأحدثت نجاحات كبيرة في رسم خرائط جديدة في مناطق وبلدان الشرق الاوسط الكبير والذي اسموه بـ “الشرق الاوسط الجديد”، حسب ما تم رسمه من سياسات جديدة في المنطقة، وكان العراق التجربة الاولى الناجحة في تلك الحرب، ليكون تحت وطأة الاكراه من اجل الخضوع لإرادات القوة الخارجية، او يبقى ساحة للصراع الداخلي وتصفية الحسابات.