الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأخيرة شيء وصواريخ حماس شيء آخر. فهذه صادقة في وطنيتها وخالية من التجارة السياسة والشعارات، وتلك مناورة سياسية إخوانية إيرانية بعض أهدافها الانتقام الإيراني من نتياهو، وبعضها الآخر محاصرة المفاوضين الأمريكان والأوربيين في فينا، وهي في الحالين لا علاقة لها بفلسطين، ولا بالقدس، ولا هم يحزنون.
أما الذي يجعل العراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين، تخصيصا، يلجأون إلى العتاب المر الموجه لاسماعيل هنية وخالد مشعل وبعض قادة حماس فهو أنهم ركبوا على ظهر انتفاضة الشعب الفلسطيني البريئة النزيهة الشجاعة الوطنية الخالصة من التجارة والسمسرة وحولوا دماء شهدائها وآلام جرحاها ومعاناة مهجَّريها إلى أوسمةً وضعوها على صدر حسن سلامي، قائد الحرس الثوري الإيراني، واسماعيل قاءآني قائد فيلق القدس، بدون حق، ومن أجل مزيد من الكسب غير المشروع.
والأكثر إيلاما أن الذي أطلقوا عليه الصواريخ محتل وغاصب، والذي يشكرونه محتلٌ آخر وغاصب لا يقل وحشية ودموية وقمعا ونهبا واغتصابا عن نتياهو وعصابات المستوطنين اليهود.
وكما أن لنا مقاييسَنا التي نزن بها الحروب ونتائجها فإن لخالد مشعل واسماعيل هنية وحسن سلامي واسماعيل قاءآني وقادة المليشيات العراقية واللبنانية والسورية واليمنية ذات التاريخ الولائي الإيراني مقاييَسهم الخاصة المختلفة التي يرون من خلالها أن صواريخهم قد انتصرت وحققت أهدافها.
فقد استعرض إسماعيل هنية مع اللواء حسين سلامي نتائج معركة غزة و(الانتصار الذي تحقق)، وعبّر عن تقديره العميق لإيران لـ (وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة)، على حد قوله.
ففي اعتقادنا أنه لم يكن عادلا ولا مخلصا لقضيته ولشعبه حين يزعم بأن الانتفاضة قد انتصرت بصواريخ حماس الإيرانية، موحياً بأن الحرس الثوري الإيراني هو وحده الذي وقف مع الشعب الفلسطيني، ووحدَه الصادق والنزيه والمخلص للانتفاضة، أما العرب الذين قضوا ثلاثة أرباع القرن الماضي وربع القرن الحالي يجودون بدمائهم وأموالهم وأمن بلادهم وهناء شعوبهم من أجل فلسطين، إيمانا منهم بالمصير المشترك الواحد، وبأن ما يمس الشقيق الفلسطيني يمس شقيقه العربي في أي منزل عربي بين المحيط والخليج.
وحين يرضى قادة حماس بالانضمام لمجموعة الأذرع الإيرانية التي يعرفون منجزاتها الدموية منذ قيام جمهورية الخميني فإنهم إنما يباركون، بعلم أو بجهالة، للقاتلٍ جرائمَ قتله السابقة، ولا يعترضون على المزيد منها.
فأليس هو المحتل الذي ثار العراقيون ئات الشهداء والجرحى والمفقودين والمهجرين في مقاتلة احتلاله وهمجية مليشيات عملائه ووكلائه، ومن أجل الحرية والكرامة والعدالة والاستقلال؟.
فأي فرق بين الانتفاضة الفلسطينية الشعبية التي انطلقت من القدس وتمددت إلى كامل التراب الفلسطيني، وبين انتفاضة تشرين الباسلة في العراق المستمرة من العام 2019 ولن تتوقف؟.
فإن لهما، كلتيهما، نفسَ الأهداف والمباديء والنتائج، وإن عدوَّهما وقامعَ ثوّارهما، وقاتل منتفضيهما واحدٌ، وإن اختلفت التسميات، وتغيرت والشعارات.
فظلمٌ هنا وظلم هناك، ومحتلٌ هنا ومحتلٌ هناك، ومصادرة حريات وحقوق وكرامة ورصاص حي هنا وهناك. بصراحة، هناك إسرائيل وهنا إيران. أما حماس، بتبعيتها لإيران، فلا تختلف، على الأقل في نظر أشقائها ضحايا الاحتلال الإيراني عرب العراق وسوريا ولبنان واليمن، عن منظمة بدر وعصائب أهل الحق وحزب الله العراقي وربع الله وسرايا الخراساني وسرايا السلام.
فكلها أدوات سياسية وعسكرية واقتصادية يستخدمها النظام الإيراني فقط عندما تقضي حاجته بذلك وعند الضرورة، بدون أن يورط جنوده وضباطه الإيرانيين في معاركه التي يخوضها بدماء المستأجَرين أو المضللين.
والفارق الوحيد بين انتفاضة الفلسطينيين وانتفاضة العراقيين هو أن الذي يقتل في فلسطين عدوٌ يهودي أجنبي قادم من بلاد أجنبية عديدة، دعمته وأمدته بالقوة وحمَت احتلاله حكوماتٌ أجنبية متآمرة جعلتها أطماعها الاستعمارية تناصر القاتل على المقتول، والسارق على المسروق، أما في العراق فالذي يقتل هو شقيقٌ مسلمٌ جار يستأجر عراقيين، لا أجانب، ليقوموا بمهمة القتل والنهب والاغتصاب والاغتيال نيابة عنه.
لقد سقط بغارات المحتل اليهودي في غزة فقط مئتان وثلاثون شهيدا رداً على صواريخ الجهاد الإسلامي. ولكن المحتل المسلم الإيراني قتل في الموصل، وحدها، في ساعة واحدة، خمسة آلاف ما زال بعضهم تحت أنقاض منازلهم لحد الآن. ناهيك عن مجازره الأخرى التي قام بها حشدُه الشعبي في الفلوجة والرمادي وتكريت وديالى وما زال يقوم بها ولم يتوقف.
وحتى لو صدقنا أن الحرس الثوري الإيراني مخلصٌ في دعم الجهاد الإسلامي وكتائب القسام فإن الحقيقة والوثائق والقرائن تؤكد أنه لا يفعل ذلك من أجل تحرير الشعب الفلسطيني من الظلم والقهر والعدوان، ولا من أجل تمكينه من إقامة دولته الحرة المستقلة، بل إن هدفه المعلن الواحد الوحيد هو طرد المحتل اليهودي وأخذ مكانه في الاحتلال، ليضم فلسطين كاملة، لا غزة وحدها، إلى مستعمرات امبراطوريته العنصرية التاريخية التي يحلم بإعادة بعثها من جديد.
فمتى كان حزب الله اللبناني الذي أنشأه النظام الإيراني وسلّحه وموّله مؤمنا بوحدة لبنان وحرية شعبه وكرامته ورخائه؟
ومتى كان الحوثيون مجاهدين من أجل خدمة اليمن ووحدة شعبه وأمنه واستقراره؟.
وألم تشارك مليشيات الولي الفقيه في سوريا نظام القاتل الجزار بشار الأسد في حرق المئات والألوف من الأبرياء السوريين بالبراميل المتفجرة في منازلهم وهم أحياء؟
والذي يغتال المتظاهرين العراقيين السلميين بالكواتم والرصاص الحي لأنهم هتفوا “إيران بره بره” ألن يفعل الشيء نفسه والأكثر وحشية ودموية مع الموطنين الفلسطينيين لو تحقق حلمه، لا سمح الله، وضم غزة ورام الله إلى مستعمراته ذات يوم؟
تقول وكالة أنباء إيرانية إن ممثل حركة حماس في طهران، خالد قدومي، شارك في احتفالٍ بعنوان (الانتصار على القصف الإسرائيلي) أقيم عند قبر القتيل قاسم سليماني في مدينة كرمان الواقعة جنوب شرق إيران، وصرح قائلا، “ليس من قبيل المبالغة القول إنكم أيها الإيرانيون شركاء في هذه الانتصارات، وأشكركم على دعمكم ونحن نقدر ذلك“.
يا عيب الشوم!!!