اليوم تتجه الأنظار الى بؤرة الصراع الملتهب في فلسطين والمذابح التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وتتوارى قضايا كثيرة أمام بشاعة ما يجرى هناك، فقد إعتادت إسرائيل على إرتكاب مجازر جماعية ومذابح ضد الأبرياء والأطفال العزل، حيث يتّخذ الإسرائيليون أشكالاً متعددة لتحقيق أهدافهم، فمن عمليات الإغتيال والتصفية الجسدية إلى المجازر الجماعية التي باتت أوسمة تُعلّق على صدور القادة الإسرائيليين وجنودهم، وبمباركة الصمت العربي المخيف الذي نراه حالياً، حيث وصل الوضع إلى قمة الخزي والعار، وتجرد من كل معاني القيم والمبادئ الإنسانية.
كل ذلك يثير التساؤل في أسباب هذا العدوان على غزة في الوقت الحالي، إذ يرى البعض أن إسرائيل إستغلت إنشغال العرب بأوضاعهم الداخلية لتقوم بحربها على الفلسطينيين، ويرى آخرون أنها محاولة للحد من عودة القطاع إلى العمق الفلسطيني وتقويض الوفاق الوطني، ويرى آخر أن الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة هي حرب ممنهجة تقوم على عدم إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه، وأن صواريخ المقاومة ما هي إلا حجة تتذرع بها إسرائيل والإدارة الأميركية معها لإبادة الشعب الفلسطيني.
إلا أن الإرادة الحديدية التي تسلحت بها المقاومة الفلسطينية أصبحت حالة ملهمة للشعب الفلسطيني التي ظلت أنظاره مشدودة على مدار الساعة تتابع ما يحدث لإسرائيل بعد الضربات الاستراتيجية على تل أبيب وضرب منطقة ديمونا التي تضم المفاعل النووي الإسرائيلي والتي استخدمت فيها المقاومة لأول مرة صواريخ من طراز “إس إتش85” (SH85).
على خط مساو، وضعت صحيفة “معاريف”، إحدى أكبر الصحف العبرية في إسرائيل، عنواناً رئيسياً، على غلاف صفحتها الأولى، كتبت فيه “إسرائيل تحترق”، في إشارة للتصعيد غير المسبوق الذي تشهده إسرائيل خلال هذه الأيام، بعدما شنت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، هجوما مكثفاً على إسرائيل، خاصة “تل أبيب، وعسقلان، وبئر السبع، ومدينة اللد” لمواجهة المشروع الصهيوني وإفشاله، و هو أكبر هجوم صاروخي على إسرائيل منذ نشأتها.
وفي واقع الأمر تسببت الهجمات الصاروخية التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية على إسرائيل بضرر الاقتصاد وسوق العمل وتراجع الاستثمار بإسرائيل، وذلك بانخفاض وتراجع غير مسبوق للمعاملات التجارية والاقتصادية في سوق المال والبورصة والمصارف الإسرائيلية، فيما سجلت العملة الإسرائيلية (شيكل) انخفاضاً قبالة الدولار بنسبة 1.4%.
وما يفاقم من هذا القلق ترافقه مع ازدياد المتاعب التي تواجه الحكومة الإسرائيلية التي تعكس اتجاه الأمور بعكس تطلعاتها لناحية الحوار الأميركي ـ الإيراني وإعتراف أميركا بحكومة الوفاق الفلسطينية وتقارب الرؤى بين تركيا وإيران، ولا يقتصر قلق إسرائيل على ما تقدم من تطورات وتغيرات في المنطقة، وإنما يزيده تنامي القوة الصاروخية للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، وتحديداً تلك الموجهة إلى تل أبيب .
ومما لا شك فيه يبدو أن إسرائيل أصبحت تلفظ أنفاسها الأخيرة، بهمة المقاومة وبهمة من لا يريدون أن تدنس أرض الانبياء والأولياء بأقدام أقزام الارهاب .. إسرائيل سوف لن تبقى منها الا ذكريات القتل والتدمير التي خلفتها طوال السنين العجاف ، ذكريات مزينة بلون الدم ورائحة الموت.
بالتالي يمكن النظر الى هذه الوقائع انها إشارة واضحة ودعوة للاستيقاظ، لذلك لا بد لإسرائيل بدلاً من اللعب بكرة النار التي قد تحرق أصابعها قبل غيرها، أن تبتعد عن لغة التهديد والوعيد وشن الهجمات ووقف الاستيطان، وأن تجنح الى لغة العقل والمنطق والسلام التي تدعوا اليها فلسطين، وذلك بابتداع لغة سياسية جديدة، تعترف إسرائيل بالواقع، وبأن الفلسطينيين متجذرون في هذه الأرض.
كل المراقبين السياسيين يعترفون ويقرون بإنتصار المقاومة الفلسطينية على العدو الإسرائيلي الجبان الذي لم ينجح سوى في قتل المدنيين والأطفال في غزة، وفي نهاية المطاف لن ننسى أحداً من شهدائنا في فلسطين الجريحة المقاومة، و لن ننسى أن إسرائيل هي الدولة المزعومة الوحيدة في العالم التي لا تعلن عن حدودها، لأن حدودها مفتوحة بقدر أطماعها، ولن ننسى أن إسرائيل هي القاعدة العسكرية التي شاركت في ضرب العراق ونهب تراثه ومتاحفه، وشاركت في تقسيم السودان، وضربت لبنان، وإحتلت ومازالت أراضي فلسطين، والجولان، ومساحات من جنوب لبنان، لذلك لا بد أن نستمر في طريق النضال والكفاح، والدفاع عن المصالح العليا للشعب الفلسطيني، من خلال مغادرة مسار المفاوضات العبثية، وتبني إستراتيجية جدية تقوم على الصمود والمقاومة.
مجملاً…. ربما أستطيع القول إذا كانت إسرائيل تتصور بأنها ستكسب شيئاً من تلك المجازر والمحارق التي تقوم بها في فلسطين فهي واهمة، ومن الغباء ألا تدرك إسرائيل إن عدوانها قد زاد من رصد الكراهية والبغضاء تجاهها في نفس كل فلسطيني وعربي، ومن قصر النظر ألا تدرك إسرائيل ما ألحقته بأهل غزة من إصابات وجراح ستكون بمثابة جرس إنذار يدق على الدوام مستنهضاً كل الفلسطينيين وسائر العرب لتحرير فلسطين من الصهاينة، وكل أرض عربية سلبت من أهلها ولن يغيب عنها أن الأرض التي دفن فيها الشهيد ستنبت مقاومين ومناضلين أشد بأسا وأشد إصراراً على دحر العدو وإستعادة الحقوق.
وأختم مقالي بالقول، إن المقاومة ومنذ بدء الصراع على فلسطين لا تزال شامخة وصامدة، لذلك فإن إسرائيل تلفظ آخر أنفاسها، وهذه هي صرختها الأخيرة ، ولم يعد أمامنا إلا التقدم وإكمال المهمة وإحراز النصر المؤكد على الصهيونية الإرهابية.
وبإختصار شديد… إن فلسطين على موعد مع النصر ولا يفصلها سوى أيام قليلة ،لأن الشعب الفلسطيني شعب يملؤه الإصرار والثبات يقاوم السقوط، ويرفض الإستسلام ويكره أن يموت جبان فداء فلسطين وعزتها وشرفها. وأمام هذه الفاصلة التاريخية نقول: نحن نعيش عصر المقاومة لطرد المحتل من أراضينا والعيش بأمن وسلام.