من يقرأ مسيرة التاريخ الإسلامي منذ مبعث النبي محمد عليه وأله أفضل الصلوات، حتى هذه اللحظة التي نعيشها، سيفهم سبب الاحساس بالمرارة التي يعيشها علمائنا ومن تنور قلبه وعقله من اتباعهَ.. فنفس العقول التي كانت تحارب الرسول، وعبر عنهم بإلجاهلية العمياء التي لاترى سواء الرمي بالخبث والتسقيط باشرف شخصية بعثت للأمة، حيث قال عنه الخالق جل وعلا (وأنك لعلى خلق عظيم )،
أن لفظ الجاهلية -وهو مصدرصناعي لم يكن استعماله معهودا قبل أن يستعمله القرآن في الآيات القرانية، ولعله لذلك صار هذا الوصف علمآ على هذه الحقبة الزمنية التي سبقت المبعث النبوي الشريف، وتكررت الأحداث وتوالت جيلا بعد جيل، في ملاحقة آل بيت النبوة، أو أي نسب لهذه السلالة الطاهرة، نرى الامة تحاربها، وليس عنهم ببعيد من جلدتهم، همتهم أنفسهم كما ذكر في سورةِ آلِ عِمرآنَ عند قولِه تعالى: ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾
أصبح لزاما على النبي محمد والأئمة الأطهار ، أن يتحينون الفرص لإصلاح الفكر والسلوك الجاهلي وإزالة ثقافته، فكانوا يخطئون أسسها وأصولها حيناً ويبينون مصاديقها وينتقدونها حيناً آخر.
مما جاء به سيد قطب (المتوفى 1966م) أحد منظري الأخوان المسلمين والفكر السلفي والناشط السياسي في مصر مفهوم “الجاهلية المعاصرة”..
حيث كان قطب متأثراً بآراء المودودي والندوي، وكتب بعد سفره إلى أمريكا حول هذا الموضوع في كتابه “في ظلال القرآن”.. ونشر سيد قطب آراءه المبسوطة حول الجاهلية المعاصرة في كتابه “معالم في الطريق”.
يتحدث سيد قطب في هذا الكتاب حول الصراع بين الجاهلية والإسلام، وانحراف المجتمعات بالجاهلية المعاصرة، ودعى المسلمين إلى الابتعاد عن الفكر الجاهلي، والاتجاه نحو القيم وبناء مجمتع إسلامي.. ويزعم سيد قطب أنّ المعتقدات والثقافات، والقوانين البشرية العصريّة كلها جاهلية (منها ما نراها إسلامية) وهي الجاهلية التي حاربها الإسلام أو أشد منها.
الجاهلية من منظار سيد قطب هي عبودية الإنسان للإنسان والإسلام هو العبودية للخالق، وهما طريقان لا يجتمعان.. ولإقامة المجتمع الإسلامي علينا أن ننتقل من الجاهلية إلى الإسلام.
هذه العبودية التي نراها اليوم ليس فقط عبودية الإنسان للإنسان، بل أصبحت معها عبودية آخرى لا تفرق عن الأولى هي عبودية المادة، مقابل أن انتقم من الآخرين.. وهذا أشد الأمرين، ما نراه على صفحات التواصل الاجتماعي آلاف الصفحات الوهمية التي لا ترقب الله ولا رسوله في ذريته من بعده.
نعم الجاهلية الأولى هي بحق جهل مطبق بدون وعي، لكن نرى الجاهلية الثانية، هي جاهلية أصيب بها عالم اليوم، بكل ما حققه من تطور وتقدم علمي هائل، وحضارة غير مسبوقة حيث أصبح العالم اليوم كالقرية الواحدة.
يمكننا القول بملأ الفم أن البشرية تعيش اليوم في جاهلية جديدة، رغم التطور المذهل وظهور التكنولوجيا الحديثة، وما يسمى بغزو الفضاء وأنواع التطور والرقي، وأصبحت الوسائل المستخدمة في مجال الانتقال و الاتصال تختلف تماما عن الوسائل القديمة أيام الجاهلية، و حتى عقول البشر و طريقة تفكيرهم إختلفت تماما، عن طريقة التفكير عند البشرية أيام الجاهلية القديمة، ولكن هل حصل تطور في الأخلاق والسلوك عند البشر في هذا العصر!
نعم حصل تطور في وسائل القتل والإجرام وأساليب تعذيب المستضعفين، والتهجم بالكلام البذيئ على رموز البلد الدينيه والإسلامية، وأصبحت القوانين الوضعية التي وضعها البشر القاصر، بديلا عن القوانين التي وضعها خالق البشر، اليوم لا يختلف عن الأمس القريب حيث من بايع مسلم بن عقيل ثمانية عشر ألف، لكن خلال لحظات لم يرى معه إلا امرأة تأويه في بيتها، ورجل كبير لاحول ولا قوة له ينصره..
هكذا يتجدد الأمر مع عائلة الحكيم التي وسمت، بوسام الشهداء في سبيل الوطن والدين والمذهب، حيث شهيد المحراب الذي نال الشهادة في محراب أمير المؤمنين عليه وآله وسلم. وشهيد الجمعة الذي سالت دمائه في أزقت الكوفه، هذه هي
جاهلية اليوم المتطورة، تحارب بيت العلم والعلماء، بيت الحكيم بكل ما أوتيت من قوة لانه من تلك السلالة الطاهرة، لا لشئ أخر.. ولأنهم من هذه الشجرة المعطاء في جهادها وتضحياتها..
ينقل رواة التاريخ أن سيد الشهداء الحسين عليه وأله أفضل الصلوات، سأل جيش يزيد لماذا تقاتلوننا؟ فكان جوابهَ أن قالوا نقاتلك بغضآ لابيك!