رسالتي : إلى سعادة رئيس الجهورية العراقية الدكتور برهم صالح المحترم
لمناسبة ليلة القدر من شهر رمضان (( قراءة جديدة .. لخُطبة الوداع ))
في السنة العاشرة للهجرة خطبَ رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بجموع الحجيج من على جبل الرحمة في عَرَفة وهي الخطبة الأولى والأخيرة له في هذا المكان المقدس ، إذ حجَّ صلى الله عليه وسلم مرةً واحدة .. وفي نفس هذا العام توفى عليه الصلاة والسلام تاركاً للمسلمين بل للناس جميعاً القرآن الكريم والسنة المباركة وخطبة الوداع وهي مختصر لا يمكن إلا أن نتفحص كلماته العظيمة كي نرى ما كان يتمنى عليه الصلاة والسلام من أمته أن تصلَ إليه من شأنٍ بعد أنَّ منَّ الله بنصره العزيز .. ولا بدَّ من التذكير بأنَّ خطبة الوداع كانت مختصرةً ما يعني أنه عليه الصلاة والسلام يقفُ إلى جانبِ الإختصار شرط عدم الإبتعاد عن النصِّ المطلوب أو أهدافه وبخاصة أنَّ المسلمين آنذاك إجتمعوا من كل بقاع الأرض .. بمعنى آخر أنَّ الإختصار يُمكِّنُ المستمعين من نقل النص كاملاً أو شبه كامل أو مقاطع مهمة منه ببساطة إلى شعوبهم أو أصدقائهم أو من ينتظرهم عند عودتهم من الحج إلى ديارهم ، وخطبة الوداع إعتمدت على أسلوب المخاطبة السهل للعرب أو لمن تعلَّمَ العربية .. وقد لا آتي بجديد حين أستغرب من أسلوب المحايدة المطلقة والحزم المبطن بإتجاهات التوبة والرجوع عن الخطأ والرحمة والمغفرة لأنَّ مئاتٍ من المفسرين قبلي درسوا ودرّسوا خطبة الوداع ونشروها وعقدوا ندواتٍ وكتبوا بحوثاً عنها، لكنَّ أحداً لم يكلف نفسه من مثقفينا وعلمائنا كي يُعيد قراءة الخطبة مرةً أخرى ليجد أنَّ فقراتها تبقى خالدةً وأننا بأمس الحاجة في وقتنا هذا .. وقت الفتنة والخراب والقتل والتشريد والنزوح وهدر دماء المسلمين للتقيد بها ..
وخطبة الوداع إرتكزت للتأكيد على جملةٍ من القضايا التي تهم المسلمين في كل بقاع الأرض ، الإجتماعية والتربوية والأخلاقية والعلمية الفلكية والعقائدية والإقتصادية ولم يوصِ الرسول بمن يكون خليفةً من بعده أو كيف توزع الولايات وكما بينت من خلال توزيع نص الخطبة الكامل على محاور عدة أولها وأهمها حرمة دماء المسلمين وأعراضهم لأي سبب ولا يحقُّ لمسلمٍ أن يعتدي على مسلمٍ آخر ويستبيح دمه وعِرضه..
(( إن دماءكم وأعراضكم حرامٌ عليكم إلى أن تلقوا ربكم كَحُرْمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ))..
كما وجدتُ أنَّ المحور الإقتصادي كان الأهم إذ أكَّدَ عليه الصلاة والسلام على تحريم الربا وإجتنابه والنهي عن اللجوء إليه والتأكيد أن التجارة والتنافس المالي يكون برؤوس الأموال وحسب أما الربا فهو خراب كامل وتدمير للإقتصاد ..
(( فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من إئتمنه عليها وإن ربا الجاهلية موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون وقضى الله أنه لا ربا))
وأُعيدَ التأكيد على أهمية توزيع أموال المسلمين بالعدل حتى بعد موتهم..
(( إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصية، ولا يجوز وصية في أكثر من ثلث)) ..
هذا التحديد يُضمن حقوق الناس وجميع الورثة ولا يَمنحُ الحرية بالتصرف بالأموال لمن يمتلكها على مزاجه كما يقوم به البعض والتلاعب بالميراث وهدر حقوق الكثيرين وبخاصة النساء الوارثات .. أما للمرأة فقد كانت وصيته عليه الصلاة والسلام تحفظ للمرأة حقوقها أمام زوجها فضلاً عن منحها دوراً كبيراً في مشاركة زوجها بما يُفرض عليهما من واجبات..
(( إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق.. لكم أن لا يواطئن فرشهم غيركم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذنَ لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً))..
الكلمات الثلاث الأخيرة أمرٌ منه عليه الصلاة السلام لكل المسلمين للحاكم والمحكوم أن تكون للنساء لديهم مكانةً عزيزةً كريمة لأنهنَّ أمهاتنا وزوجاتنا وأخواتنا وبناتنا والتعامل مع النساء جميعاً برفق كما لوكُنَّ مثل أعراضنا ..
أما من المنظور الإجتماعي والعلمي الفلكي فقد علـَّم عليه الصلاة والسلام الأمة بأمرٍ عجيب وهو أننا لسنا أولَ من كان يسكن الأرض وآدم شكل جسدي يبقى كما هو حتى يوم القيامة بمعنى آخر ما تم إكتشافه من هياكل لعمالقة ليست لذرية آدم .. والأرض تعرضت لتغييرات فلكية وفيزيائية هائلة..
((وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض، منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ))..
الزمان معناه تاريخ الأرض منذ نشأتها وإستدار أي تغير من حالٍ إلى حال أما تعداد الشهور كما يُلاحظ في الخطبة فهي لتذكير المسلمين بها وتثبيتها رغم الإقترانات الظالمة لبعض القوى المعادية للمسلمين المُبــيَتة لهم لتضييع حتى توقيتاتهم وهو أمرٌ متعبٌ لهم ولا يجدِ نفعاً لأحد لأنَّ شهور العرب تلك إنتقلت إلى المسلمين وسوف تبقى ..
وختم عليه الصلاة والسلام وصايا خطبته بإعادة التذكير بوحدة الأمة وصيانة أموالها ومقدساتها وأعراضها وفتح مجال كبير للتفاوض والتفاهم فيما بينهم لتبادل الأموال أو الصدقات أو الهدايا بما لا يتعارض مع القرآن وعدَّ عليه الصلاة والسلام إعتداء+ المسلمين على مسلمين آخرين كفراً بالله كما يحصل من قتلٍ لآلاف المسلمين من مسلمين آخرين بلا وجه حق (( إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لأمرئٍ مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه ألا هل بلغت اللهم فاشهد فلا ترجعن بعدى كافراً يضرب بعضكم رقاب بعض ,,)) وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم