لم تكتفِ الحكومة بإهمال المواطن وتلبية حاجاته فيما يخص حقه في البُنى التحتية أسوة لكل حكومات هذا الكوكب ، بل تحوّلت الآن إلى محاربته في لقمة عيشه وإستفزازه ، تارة برفع قيمة الدولار وما صاحب ذلك من إرتفاع كبير لسعر كل السلع ، وتهديدنا شهريا بإحتمال قطع الرواتب والتقاعد التي تعتبرها (مِنّة) من الذين خلفوهم ، وتارة بإستفزازنا بفرض رسوم كمركية على كل السلع ، لكن يكفي أن يرتفع صوت ما للمطالبة بحق ما شرّعته كل القيم السماوية والوضعية ، حتى يجد رصاصة له بالمرصاد ، وقد عمّ الخراب كل نواحي الحياة بسبب تسلّط المتخلفين والأميين ممن فرضتهم أحزابهم ، وممن لا يضعون نصب أعينهم أي مبادئ لأنهم لا يعرفونها ، اللهم إلا الربح الفاحش لإثراء مكاتب أحزابهم الإقتصادية بغض النظر عن أي شيء آخر ، كالصحة والتعليم وقطاعات الطاقة والصناعة والقضاء والأمن وغيرها ، وصار المواطن يعيش تحت ركام من الكوارث والعشوائيات التي أحالت حياته حرفيا إلى جحيم في غابة محترقة ، وما أريد التطرق في هذه المقالة إلى جزء بسيط من كارثة قطاع الكهرباء .
حقيقة لا نعرف السّر وراء التردي المزمن لهذا القطاع ، سمعنا الكثير من الوعود صدرت مرارا عن أشخاص لا يستحون من الكذب ، لا نعرف حقا عن مصير مئات المليارات التي “صُرِفَت” على هذا القطاع وهي كافية لإنشاء محطات تجهز نصف الشرق الأوسط بالكهرباء ! ، ونحن لم نلمس اي تحسن في الشبكة المتهالكة والعشوائيات الي لا يرضى بها حتى إبليس ! ، فكل شيء يدفعه المواطن من جيبه ، لم نلمس أي تحديث لشبكة نقل الطاقة المتهالكة لم نشاهد محولة واحدة تُنصب ، ولا خط تجدد ، لا شيء سوى ترقيع وسخ لأسلاك نقل الطاقة ، لا يخسر العاملون عليها دينار واحد ، بل إن نصب محولة واحدة في حي سكني ، سيستوفي عمال الكهرباء ثمنها من المساكن المستفيدة ، وهم يستأجرون سيارات النصب من القطاع الخاص ، وكأن وزارة الكهرباء لا تمتلك أي مكننة للقيام بذلك ! ، ولا يقف الأمر عند هذا الحد .
لم أشاهد مسكنا واحدا مجهز بقابلو تغذية ثلاثي الأطوار سليما ، عادة ما يكون (2 فيز) أو واحد فقط ، لأن الأحمال أطاحت بأحد هذه الأطوار أو كلاهما ، فجرت العادة أن يضطر ساكنو هذه المنازل إلى وضع مفتاح إختيار (Selective switch) لأختيار فيز سليم ، وعادة ما يخرج هذا (الفيز) من هذه الخدمة بسبب تكالب البيوت عليه ، أو أن يتسبب بعطل المحولة ، عندها ستخرج من الخدمة لمدة قد تصل لأسابيع ، يقوم سكان هذه المنازل بدفع ثمن تصليحها ونقلها هي الأخرى ! ، كل ذلك لأجل كهرباء وطنية لساعتين أو ثلاث في اليوم ، من كهرباء غير مستقرة إما صعودا أو هبوطا بحيث تتلف الأحمال المنزلية !.
هكذا وضعتنا الدولة تحت رحمة أصحاب المولدات الأهلية التي صار من المستحيل الأستغناء عنها ، ووصل سعر الأمبير الواحد إلى 20 ألف دينار ، ورغم “تسعيرة” الدولة لسعر الأمبير ، إلا أن أصحاب المولدات يجيبونها (بعفطة) لعلمهم التام ، أن الدولة لا تمتلك الحدود الدنيا من هيبة فرض القانون ، لأن لهذا القطاع مافياته ، وبلغت الأجور الشهرية للمنازل لهذه المولدات 100 إلى 200 الف دينار في الشهر ، إنها بلا شك الأجور الأعلى في العالم ، وهي غير قادرة على تشغيل أجهزة التكييف ، ومع ذلك ، تأتيك فاتورة شهرية للكهرباء “الوطنية” لا تقل عن 50 الف دينار !.
كان الله في عون من يستأجر عاملا –إن وجد- للتعامل مع هذه العشوائيات التي قتلت المئات من خيرة الشباب صعقا ! ، لقد تراكمت العشوائيات وتدلّت الأسلاك في كل مكان ، معظمها يتعرض للقطع بسبب مرور سيارات الحمل ، أو حتى تعرضها للسرقة ، فتضع صاحب المنزل في حيرة من أمره ، وهذا من أول واجبات وزارة الكهرباء التي تركت الحبل على الغارب لتتركنا نواجه هذه الكوارث ، وقد نأت عن نفسها مجرد الإشراف على نقل الطاقة من هذه المولّدات ، كيف لا ووزارة الكهرباء غير قادرة على فرض مجرد تسعيرة لإستهلاك هذه الطاقة ، إلى درجة أرى أن تتدخّل كل المنظمات الحقوقية المدنية وحتى منظمات حقوق الإنسان العالمية لتسلط الضوء على هذا الإهمال ومعاناة المواطن ، إنا لله وإنا إليه راجعون ..