تمر علينا هذه الأيام ذكرى اول حرب يخوضها الجيش العراقي مع طرف خارجي وهي الحادثة المعروفة بالتاريخ باسم (حركة الأول من مايس 1941 ) وكذلك تعرف باسم ( الحرب العراقية البريطانية 1941 ) والمعروفة شعبيا باسم ( دكة رشيد عالي). بالرغم من مرور سبعة عقود على تلك الحركة فمازال الكثير من وقائعها مخفيا ومازال هناك اختلاف حول تحديد ماهي طبيعة تلك الحركة . هل كانت ثورة تحررية ؟ هل هي انقلاب ضد النظام الملكي ؟ هل هي محاولة للتخلص من الفساد ؟ هل هي حركة وطنية ؟ اذن لنستعرض الوقائع ونحاول تحديد حقيقة تلك الحركة .
لمعرفة جذور الحركة لنحاول العودة الى الوراء قليلا في التاريخ الى بداية تأسيس الجيش العراقي عام 1921 . كان من ضمن قرارات مؤتمر القاهرة الذي عقد في 12 آذارسنة 1921 النظر في نوع وشكل القوات العسكرية التي ستقع عليها مسؤوليات الدفاع عن العراق في حال انسحاب القوات البريطانية . في 6 كانون الثاني –يناير سنة 1921 تقرر تأسيس جيش وطني عراقي من 5000 مقاتل ، وتخصيص 15 % من إيرادات العراق العامة له على أن يزداد هذا المبلغ حتى يصل إلى 25 % سنويا .كما تقرر أن يعزز بسبع اسراب من الطائرات البريطانية ترابط في قواعد إستراتيجية على أن تنسحب القوات البريطانية المحتلة بالتدريج.
قام المندوب السامي برسي كوكس بتشكيل اللجنة العسكرية البريطانية لتكون مشرفة على تشكيل الجيش العراقي برئاسة وزير الدفاع العراقي جعفر العسكري, وعضوية وزير التربية والتعليم ، عزت باشا، ووزير المالية ، ساسون أفندي والمقدم دينت. ممثل شعبة العينة ، الرائد بويل وامين سر اللجنة النقيب كلايتون . وفي 1 كانون الثاني 1921 التحق الميجر أيدي البريطاني الذي عينته السلطات البريطانية مشاورا للإدارة في وزارة الدفاع , والتحق بوزارة الدفاع في اليوم نفسه وكيل القائد (الرائد ) محي الدين عمر الخيال وعمل الاثنان بتوجيه الوزير جعفر العسكري والمعتمد السامي البريطاني برسي كوكس على مفاوضة مجموعة تتكون من 14 ضابط عراقي لتعيينهم والشروع في إنشاء الجيش العراقي وهم ” العقيد عبد الحميد بن احمد، المقدم عبد الرزاق بن ياسين الخوجة، المقدم شاكر عبد الوهاب الشيخلي، الرائد سعيد حقي ، الرائد محي الدين السهروردي ، الرائد بكر صدقي، الرائد توفيق وهبي معروف، عبد الرزاق حلمي، محسن بن علو ، تحسين مصطفي العسكري والنقيب يوسف الباجة جي ، النقيب يوسف حنظل” . وقد اقتصرت اللجنة على مجموعة الضباط الذين عرفوا باسم ( الضباط الشريفيين ) نسبة الى الشريف ( حسين بن علي ) شريف مكة في أواخر العهد العثماني وشاركوا معه في الثورة العربية ضد الدولة العثمانية .
استقرت تسميات المقر العام للجيش وتسمية رتب الضباط .كما حظر على الضباط الانتماء الى الأحزاب السياسية والتدخل في الأمور السياسية . انتقلت قيادة الجيش إلى البناء المعروف بأسم (المشيرية ) في داخل القشلة على نهر دجلة حيث يقوم برج الساعة وفتحت دوائرها هناك في شباط 1921 . في 6 كانون الثاني 1921 تمت مناقشة فتح دوائر المقر العام للجيش .وتقرر في الاجتماع تأليف المقر العام من أربع دوائر هي : الحركات ،والإدارة واللوازم والطبابة والمحاسبات في الأول من حزيران 1921 صدر قانون التطوع الذي نص على انه ” يجوز لكل عراقي عمره بين 18-40 سنة التطوع للخدمة في الجيش ” وفي التاريخ نفسه تألف أول (مقر ) للتجنيد .وفي 19 تموز 1921 أرسلت أول قافلة من المتطوعين إلى “ثكنة الخيالة ” وكان عددها 160 متطوعا ثم توارد المتطوعون وأصبح بالإمكان تشكيل أول فوج سمي ب(فوج موسى الكاظم ) .وكان أول أمر له (العقيد الشيخ أمين ) .واستأجر خان الكربولي في الكاظمية مقرا له في 17 اب 1921 .وفي 29 تشرين الثاني 1921 نقل فوج موسى الكاظم الى الحلة (مركز محافظة بابل حاليا ) .وفي بداية تشرين الأول 1921 تشكل “صنف المدفعية ” .آذ تشكلت أول بطرية للمدفعية العراقية وكان آمرها الرئيس الأول إبراهيم أدهم.
في 3 اذار 1926 عـلى أثر انتهاء النزاع على ولاية الموصل وضمها نهائياً الى الكيان العراقي مال البريطـانيون الى الأخـذ برأي جعـفر العـسكري حول استنان قـانون خدمـة العلم (التجنيـد الإجباري). وقام الفريق (أو. والي) رئيس الـبعثة العسكرية البـريطانية بوضع مـسـودة أو مـخطط للائحـة. وفي 24 من آذار 1927 قررت حكومة (العـسكري) تقديم هذه اللائحة الى مجلس النواب. الدافع الحقيقي هو قلة إقبال العراقيين على التطوّع وعـدم مبالاتهم بالجندية إضافة الى تطيّرهم التقليدي منهـا. وهو الذي أبقى الجيش العراقي طفلاً يحبـو على أربع طوال خمس سنوات فلم يزد ملاكه عن ثلاثة أو أربعة أفواج مـشاة مع كـتيـبة من الخيالة وبطريتي مدفعـيّة الى جانب عددٍ كبـير من ضباط الجيش العثماني السابق من بقايا الحرب الـعظمى لايعرف الحكم الجديد ماذا يعمل بهم ” . في 12 حزيران 1935 صدرت الإرادة الملكية بتطبيق قانون التجنيد الاجباري .
في بداية تشكيل الجيش حدد الملك (فيصل الأول) هدفه الأساسي من تأسيس الجيش بالقول ” إني لا أطلب من الجيش أن يقوم بحفظ الأمن الخارجي في الوقت الحاضر، الذي سوف نطلبه هو أن يكون مستعدا لإخماد ثورتين تقعان لا سامح الله في آن واحد في منطقتين متباعدتين” . وبالفعل استخدمت وحدات الجيش لأول مرة ضد سلسلة من الحركات المناوئة للسلطة كالحركة الأثورية التي حدثت في صيف 1933م ، وحركات بارزان واليزيدية في شمال والحركات العشائرية في وسط وجنوب العراق العراق .
في عام 1933 حصلت مذبحة الآشوريّين، وهو العمل الذي ارتبط باسم بكر صدقي، الضابط الذي ما لبث، في 1936، أن نفّذ أوّل انقلاب عسكريّ ناجح في العالم العربيّ. بسبب غياب الملك في حينها للعلاج فقد كلف الحكومة بالتعامل معها مؤكدا بان ما حدث في العراق بـ(الإضراب العام ) سنة 1930 ينبغي كما قال “ان يجعلنا نغير حساباتنا ونضع بالاعتبار كيفية إخماد مثل هذا الإضراب وكذلك لابد من أخذ العبرة من إحداث ثورة الشيخ محمود البرزنجي. ومعرفة قدراتنا في مواجهتها وما عانته الدولة بكل حزم ودون تهاون” . صرح الملك ( فيصل الأول) في جريدة ( ديلي ميل) في بداية أيلول 1933 وصف بها احداث الاشوريين بانها “أقلية أشورية تريد الاستقلال السياسي وهذا يعني خراب البلد والإطاحة بالنظام”. وتحت التهديد بانتفاضة، سقطت حكومة جميل المدفعي، إذ استقالت في 15 مارس من العام نفسه، وكُلّف ياسين الهاشمي بتشكيل حكومة تولّى فيها رشيد عالي الكيلاني وزارة الداخليّة. حاول الهاشمي كرئيس للحكومة منع مواكب محرّم، وانزاح الوضع برمّته إلى حافّة الانفجار المسلّح. وبالفعل ففي 6 مايس، وبعد اعتقال رجل دين شيعيّ، ثارت بضع عشائر وأُعلنت أحكام عرفيّة، كما قصف الطيران العراقيّ لواء الديوانيّة قبل أن تنضمّ عشائر سوق الشيوخ والناصريّة إلى التمرّد، فقُطع خطّ سكّة الحديد بين البصرة والناصريّة وتمّ احتلال مدينة سوق الشيوخ. وإذ أبدت حكومة الهاشمي استعدادها للتفاوض فإنّها ما لبثت أن غلّبت الخيار العسكريّ لإخضاع المتمرّدين.
ذكر المؤرخ عبد الرزاق الحسني في موسوعته المعنونه ( تاريخ الوزارات العراقية ) احداث الديوانية وسوق الشيوخ بقوله “لايوجـد احصاء رسمي بعدد القـتلى والجـرحى من الاهالي كما أننا لانعلم شيئاً عن عـدد خسـائر الجـيش. وقد أكـدّ لنا عليـم… بأن عدد القـتلى من الأهالي والجـيش والشـرطة قـد بلغ زهاء سـتمائة. إن كـاتب هذه السطور شاهد مـشانق علّق عليـها أربعة من أصل عـدد آخر في مدينة الناصرية. كمـا اتيحت له زيارة لسـوق الشيوخ بعـد نهـاية الحركـات ليـشهـد منظراً واحـداً من الاجـراءات التأديبية. كانت البـلدة قد عـريت تماماً عن غابات النخيل المحيطة بها التي تحجبها عن أعين القادمl اليها. فقد نفذ آمر القوات بكر توصية رشيد عالي الكتابيّة بأمانةٍ وجرّد أكثر من عشرة آلاف نخلة من أغصانهـا وفروعهـا ولم يبق منها إلا أجذاع قائمة. وهذا ما رأته عـيني” . كما يذكر الحسني ” شاع في الأوساط يومـئذ أن قيادة القوات التأديبية في لواء الديوانية والقائد الفـريق بكر صدقي – أصدر الاوامـر بوجـوب قتل الأسـرى والأطفـال من الثـوار الذين يقـعـون بيد الجـيش. فـشـخص وزير الدفـاع جعـفـر العسكري الى الـديوانية بنفسـه للتحقـيق في صحة هـذه الشائعات لكنّ تقـريره بقي مكتومـاً. فلما دالت ايام الوزارتl الهــاشـمـيـة الـثـانيـة والسـليـمـانيــة سـمـعت من رئـيس الديوان الملكي رستم حيدر يقول إنه آسف لتكذيبه هذه الشـائعات في حينه بينما تحـقـقـت صـحـتـهـا بعـدئـذ. وكـان السـيـد رشـيـد عـالـي حـاضـراً هذا الحديث” . وذكر اللـواء (الركن ابراهيم حمدي الراوي) ” فانه (اي بكر) كان قـد أصدر أمراً عـسكريّاً صارمـاً بان لاتستـخدم اية شفقـة أو رحمة مع الثائرين. وعلى الـعكس أن تحرق مزارعهم وهي المعـوّل عليها في معاشهم وأن يقتل أي أسيـر أو جريح وتهدم بيوتهم ” . وقـال جيمس مورّي ” تم اخماد هذه الثورات بالعنف ومن دون رحمة أو هـوادة. وكــان بطـلهــا بـكر صــدقـي الذي قــضـى على الآشـــوريين في 1933 .كانت قـواته تزحف على مناطق الثورة فوراً فـتبطش وتضرب وتـقتل وتذبح. ثم تعتـقل المئات وتشنق العشرات من دون محاكمة أو بعد محاكمات عسكرية صورية ” . شهد عام 1935 اول مقبرة جماعية في تاريخ العراق الحديث حيث قام الفريق بكر صدقي العسكري الذي كان مسؤولا عن مذبحة الاشوريين عام 1933 وخلال الانتفاضة الممتدة مابين الرميثة والسماوة باسر ثلاثين عراقي من الثوار وامر باعدامهم رميا بالرصاص ومن ثم دفنهم في مقبرة جماعية من قبل بلدية لواء الديوانية .
في عام 1936 حدث اول انقلاب عسكري قاده الفريق بكر صدقي العسكري ونتج عنه مقتل مؤسس الجيش الفريق جعفر العسكري. وكان هذا الانقلاب أول تدخل فعلي لفصيل من القوات المسلحة في الحياة السياسية العراقية وبالتعاون مع جماعة وطنية وديمقراطية عراقية مثل جعفر أبو التمن وكامل الچادرچي وعبد الفتاح إبراهيم. وإذ رفض في البداية كل من محمد جعفر أبو التمن وعبد الفتاح إبراهيم استخدام القوات المسلحة للوصول إلى السلطة، إلا إن محمد جعفر أبو التمن قد تراجع عن موقفه ووافق المشاركة في الانقلاب، في حين استمر عبد الفتاح إبراهيم رافضاٌ مبدئياً وكلياً وبإصرار مشاركته ومشاركة الجماعة في تنفيذ الانقلاب، باعتباره خرقاً للدستور وتجاوزا على الديمقراطية ومهمات القوات المسلحة العراقية، إضافة إلى إنها بادرة ستجر بعدها انقلابات أخرى، وكان على حق كبير. وقد سقط النظام بعد اغتيال قائد الانقلاب بكر صدقي بالموصل في العام 1937. وقد وصف ناجي شوكت حكم (بكر صدقي) فقد كتب مايلي ” استولى على الحكم طاغية شرير يكره العرب سفاك للدم مغرور غاية الغرور ولا يعلم غير الله وحده مايكون مصير العراق ” .
بعد مقتل بكر صدقي واستقالة حكومة حكمت سليمان سارع الملك غازي إلى تكليف (جميل المدفعي) بتأليف الوزارة الجديدة، بناء على طلب امر حامية الموصل اللواء ( امين العمري ) الذي هدد بالعصيان اذا لم يتم تكليف المدفعي . وبالفعل صدرت الإرادة الملكية بتكليف المدفعي في 19 آب 1937 .ولكن نوري السعيد تمكن بعد عودته الى بغداد من اقناع العقداء الأربعة ( ( صلاح الدين الصباغ ) و ( فهمي سعيد ) و ( كامل شبيب ) و ( محمود سلمان ) من تأييده لاقالة المدفعي وتكليف السعيد بتشكيل الوزارة . واستطاع أن يرتب الأمر مع العقداء الأربعة للقيام بانقلاب عسكري لإسقاط الحكومة، وحدد له موعداً في 24 كانون الأول 1938، وقام العقداء المذكورون بتهيئة قواتهم للقيام بالحركة، أرسلوا العقيد (عزيز ياملكي) إلى جميل المدفعي يطلبون منه الاستقالة فوراً.كما أرسلوا الفريق [ حسين فوزي ] رئيس أركان الجيش، وهو من المشاركين في التمرد على الحكومة، إلى الملك غازي ليطلب منه إقالة حكومة المدفعي. واضطر الملك غازي تحت ضغط العسكريين إلى تكليف نوري السعيد بتشكيل الوزارة الجديدة. في مساء الثالث من نيسان 1939 توفي الملك غازي في حادث سيارة كان يقودها بنفسه ، كتب (احمد حسن الزيات ) واصفا عهد الملك غازي “من اجل ذلك امتحن الله ارض الفراتين بالقوة الغشوم فحكم الجيش واستبد الطيش واضطرب العيش وسلطت الايادي المجرمة على عباقرة الامة”.
في هذه الاثناء ، وصل الحاج امين الحسيني مفتي القدس إلى بغداد افي 15/10/1939. وفور وصوله، اجتمع حوله أعضاء “الحركة العربية” السرية التي أسسها في بيروت سنة 1935 الدكتور قسطنطين زريق ومعه فؤاد مفرج وشفيق جحا وآخرون. والتي انتقل مقرها الى بغداد بعد ان تولى (درويش المقدادي) رئاسة الحركة، وتم تسليم رئاسة الحركة الى (الحاج أمين الحسيني) . يقول فوزي القاوقجي في مذكراته: ” لما وصل (المفتي) إلى بغداد التف حوله القادة من الضباط ولازموه، وأُحيط بكثير من الترحاب والاحترام من جميع الأوساط العراقية، حتى أصبح مسكنه مقرًا للقواد الأربعة والضباط والوجهاء والعشائر، وارتفع بذلك إلى مستوى الزعماء الفاتحين، حتى أنه عندما حصل خلاف بين القبائل العراقية انتُدب المفتي لحل(المسألة) ولتسويتها. وهذه الناحية كانت نقطة ارتكاز للانطلاق إلى هدفه في زعامة العراق . ومن هنا فاتح المفتي صلاح الدين الصباغ في موضوع أن يكون العراق مركز الزعامة العربية لتحقيق وحدة عربية شاملة ، وتكون أول مرحلة إزالة الوصي، وأن يأخذ المفتي مكانه لتنفيذ مشروع الوحدة . وفي يوم من الأيام حضر لعندي صلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد، وأطلعاني على عزمهما إقالة الوصي وطرده، وأنهم ذاهبون الآن للتنفيذ، فبُهت ولم أصدق، وقلت لصلاح الدين: إنك تلعب بالنار، وإن إقدامك على هذا الأمر سيشق العراق، وستحدث فيه ثورات لا تُطفأ نارها. وأخبرني صلاح إن سماحته متفاهم مع زعماء سورية على إنشاء اتحاد من العراق وسورية ينطلق منها إلى إنقاذ فلسطين” .
كلف طه الهاشمي بتأليف الوزارة الجديدة للفترة من (31 كاںون الثاںي 1941 – 1 ںيسان 1941) . ردا على ذلك تم تأسيس “اللجنة العربية السباعية” في 28/2/1941، وكانت قيادتها تتألّف من سبعة أشخاص هم: أمين الحسيني ورشيد عالي الكيلاني ويونس السبعاوي وناجي شوكت وصلاح الدين الصبّاغ وفهمي سعيد ومحمود سلمان. وهذه المجموعة السرية ائتلاف بين أربعة تشكيلات سياسية وعسكرية: مجموعة رشيد عالي الكيلاني، ومجموعة الحاج أمين الحسيني، ومجموعة الحركة العربية السرية الذي يترأسها المحامي يونس السبعاوي، ومجموعة العقداء الأربعة: فهمي سعيد وكامل شبيب وصلاح الصباغ ومحمود سلمان . وكان الحاج أمين الحسيني يعرف العقداء الأربعة منذ العام 1915 حين التحق بكلية ضباط الاحتياط في تركيا عندما استُدعي إلى الخدمة الإلزامية فور إعلان تركيا انحيازها إلى ألمانيا وإعلانها الحرب على الحلفاء في الحرب العالمية الأولى، وعُين بعد إنهائه دورة الضباط الاحتياط (9 شهور) في الفرقة 46 المرابطة في أزمير. وعن هذا الاجتماع يقول (صلاح الدين الصباغ ) “في اليوم الثامن والعشرين من شهر شباط [فبراير] عام 1941 اجتمع السادة مصطفى وعبد العزيز وأحمد ورضوان وفرهود وجاسم وفارس، وهذه أسماء مستعارة لكرامٍ ليس بوسعي الآن أن أذكر أسماءَهم، ولهم مكانة سامية بعين أرباب القوة الإجرائية والسياسية في العراق وفلسطين وسورية، ولهم ارتباط وثيق بباقي الوطنيين من أحرار العرب في تلك الأقطار، والذين يرتبط معهم [طه] الهاشمي بعهد وميثاق. أما العمدة وموضع الثقة فكان مصطفى، وقد ارتبط الجيش [العراقي] به منذ بضع سنين، وهو الذي كفل عبد العزيز وربط به الجيش. وكان قَسَمٌ عظيم تلاه كل واحد من المجتمعين جهرًا، يعاهد الله على أن يجعل من مضمون القَسَم نبراسًا يسير على هديه في كل تصرفاته، وأن يعمل بكل ما أوتي من قوة لإنقاذ البلاد العربية، وأن ينبذ الخلافات الناشئة عن الأنانية والحزازات الشخصية، وأن يكون مصطفى ناظمًا لنا ورئيسًا مطاعًا” . وكانت من ضمن قرارات اللجنة السباعية تشكيل لجنة للتعاون مع البلدان العربية التي ضمت في عضويتها “رشيد عالي الگيلاني وناجي شوكت وناجي السويدي ويونس السبعاوي والعقداء الأربعة والعقيد إسماعيل حقي من العراق، وشكري القوتلي وعادل أرسلان وزكي الخطيب من سورية، ويوسف ياسين وخالد الهود من العربية السعودية”. وهي لجنة علنية اعتبرت قاعدة لنشاطها العلني بين الأوساط العراقية ولتعزيز تحركها الشرعي على الأقطار العربية الأخرى. كما تقرر في شهر شباط من عام 1941، وقبل تسلم رئاسة الوزراء من قبل رشيد عالي الكيلاني، تشكيل حزب سياسي سري باسم حزب الشعب، كما منح كل عضو في هذا الحزب اسماً حزبياً سرياً. وقد بين (ناجي شوكت) الأسماء الحقيقية لهذه الشخصيات فكان ناجي شوكت (أحمد) وصلاح الدين الصباغ (رضوان) ورشيد عالي الكيلاني (عبد العزيز) ويونس السبعاوي (فرهود) وفهمي سعيد (نجم) ومحمود سلمان (فارس) والحاج امين الحسيني (مصطفى) . وضم الحزب أيضاً المجموعة التالية من الأعضاء: محمد علي محمود وداود السعدي ومحمد حسن سلمان وعثمان حداد. وكانت المجموعة، التي أقسمت اليمين على الإخلاص للقضية التي تناضل من أجلها وللحزب الذي أسسته سراً حتى النهاية، تجتمع باستمرار لاتخاذ القرارات المناسبة، وهي التي قررت تنفيذ الانقلاب الذي وقع في الأول من مايس عام 1941. وشكل الحزب القومي السري جناحاً عسكرياً ضم في عضويته صلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد ومحمود سلمان وغيرهم. تقدم كل من رشيد عالي الكيلاني، ناجي شوكت، علي محمود الشيخ علي، يونس السبعاوي، محمد علي محمود، داود السعدي، والدكتور محمد حسن سلمان،بطلب رسمي بتاريخ 27 آذارعام 1941، إلى وزارة الداخلية لتكوين حزب سياسي باسم (حزب الشعب) قبل استقالة وزارة العميد طه الهاشمي دون أن يجاب الطلب. كما قامت اللجنة السباعية بتشكيل مليشيات باسم (كتائب الشباب) لتأخذ على عاتقها تعبئة الشباب وراء الحركة ودعم حكومة الگيلاني ومساعدتها في قبول متطوعين لمواجهة التعبئة العسكرية البريطانية وعملياتها العسكرية بالعراق، وضمان تقديم المساعدة لأسر الشهداء والجرحى. “وكان نواة كتائب الشباب، كما يشير إلى ذلك السيد عبد الجبار حسن الجبوري وفق الوثائق المتوفرة، طلاب كليتي الحقوق والطب ودار المعلمين” وكان يشرف على هذه الكتائب “محمد درويش المقدادي (الرئيس) وإبراهيم شوكت وواصف كمال وسليم محمود الأعظمي وعبد الرحمن البزاز وعباس كاشف الغطاء وحسن الدجيلي وعبد الكريم كنونة وعبد المجيد القصاب”. (عبد الجبار حسن الجبوري، الأحزاب والجمعيات السياسية في القطر العراقي 1908-1958. مصدر سابق. ص 106). وقامت الحكومة بإرسال ضابط عسكري للقيام بتدريب أفراد الكتائب، وهو الرئيس الأول سامي عبد القادر.
وللوقوف ضد مخططات اللجنة العربية طلب رئيس البعثة العسكرية البريطاںية في العراق (جي.هاوس) من رئيس الوزراء طه الهاشمي اضعاف ںفوذ العقداء الاربعة فصدرت اوامر بںقل كل من العقيد كامل شبيب من قيادة الفيلق الاول في بغداد الى الديواںية، وصلاح الدين الصباغ الى ديالى بتار يخ الثالث والعشر ين من اذار من العام ںفسه، مما اثار حفيظة العقداء الاربعة الذين سارعوا الى عقد اجتماع لهم في معسكر الرشيد بتاريخ الاول من ںيسان من العام ںفسه، بحضور رشيد عالي الكيلاںي وقرر المجتمعون اعلان حالة الطوارئ الامر الذي ادى الى هروب الوصي عبدالاله في المساء اليوم ںفسه الى السفارة الامريكية ومن ثم الى قاعدة الحباںية وںقل جوا الى البصرة واجبر طه الهاشمي على تقديم استقالته في اليوم ںفسه، وفي اليوم التالي وصل السفيرالبريطاںي كورںواليس الى بغداد.
اعلن عن تشكيل مجلس الدفاع الوطںي برئاسته وعضوية جميع قادة الفرق العسكرية، فضلا عن قائد القوة الجوية ومدير الحركات العسكرية ويونس السبعاوي وعلي محمود شيخ علي بتاريخ الثامن من ںيسان عام 1941 . كما دعي مجلس الامة للاجتماع بتاريخ العاشر من ںيسان من العام ںفسه، وصوت على عزل عبد الاله من وصاية العرش وتعيين الشريف شرف بدلا عںه، كما صدرت ارادة ملكية بقبول استقالة طه الهاشمي في اليوم ںفسه .
قررت رئاسة اركان الجيش ارسال القطعات العسكرية المتمركزة في الفلوجة بتاريخ السادس عشر من الشهر ںفسه، والتي قدرت بحدود خمسة عشر سيارة محملة بجںود المشاة مع كامل التجهيزات العسكرية الى الحباںية، ولم يبقى في الفلوجة سوى مائة جںدي مع بعض السيارات العسكرية التي لا يتجاوز عددها سبع سيارات فضلا عن تحريك البدالة المتںقلة الى اماكن اخرى من الفلوجة، وںقل سلاح الرشاش الى الضفة اليمںى من ںهر الفرات القر يبة من جسر الفلوجة ووضع مدفع واحد ضد الدبابات عليه، مع تمركز بعض القطعات العسكر ية في الخيام اسفل جسر الفلوجة، وكل تلك الاجراءات كان الغرض مںها تامين الطريق الواصل بين الفلوجة والحباںية واتخاذ اجراءآت دفاعية في حالة تعرض الفلوجة لاي هجوم معادي، كما تم تامين الطريق الرابط بين الفلوجة و بغداد و تقوية الدفاعات العراقية داخل بغداد والمںاطق المحيطة لها اذ وصل عدد القوات الى اربعة عشر فوج وبحدود ستين مدفع . بدأت ںقاط الجيش العراقي تضيق الخںاق على حركة القوات العسكر ية البر يطاںية بين قاعدة الحباںية والسفارة البر يطاںية في بغداد مرورا بالفلوجة، مما دفع رئيس البعثة العسكرية البريطاںية في العراق الجںرال (جي.هاوس ) الى تقديم احتجاج الى وكيل رئيس اركان الجيش العراقي امين زكي حول ذلك ولتخفيف حدة التوتر اصدر اįخير اوامره بعدم التعرض للقطعات البريطاںية الامر الذي ادى الى فسح المجال لتقوية الدفاعات حول السفارة البر يطاںية في بغداد بعد ںقل الامدادات من قاعدة الحباںية اليها من اسلحة وذخيرة واسلاك شائكة واكياس رملية محملة على لوريات تابعة للقوات البر يطاںية .
استمرت التعز يزات العسكرية المتوجهة من بغداد عن طريق الفلوجة الى الحباںية وبحلول مساء الاول من ايار كان مجموع القطعات العسكر ية المتواجدة بين الفلوجة والحباںية احدى عشرة فوجا وبحدود ستين مدفع و تسعة آلاف جںدي ، من مختلف المراتب متمثلة بالقوة الالية ولواء مشاة الثالث والرابع والحادي عشر وقسما من لواء مشاة الاول ولواء مدفعية الميدان السابع والبطرية المتوسطة من لواء المدفعية الميدان الثالث واكثر من بطرية من لواء المدفعية الميدان السادس، وكان اخر حركة للقوات العراقية في مساء اليوم الاول من ايار عام 1941 ،اںدفاع قطعات عسكر ية مںها باتجاه ضفة ںهر الفرات شرق معسكر ، الحباںية، اما القوة الجوية العسكر ية العراقية تركز وجودها في ثلاث مطارات هي الرشيد وكركوك والموصل . وتألفت القوات البر يطاںية في قاعدة الحباںية من قوات من المشاة لا تزيد عن ثلاثمائة وخمسين جںدي، فضلا عن قوات مدرعة مكوںة من ثماںي عشرة مدرعة وبحدود الف جںدي مختلف المراتب مسلحين ببںادق لكںهم غير مںظمين على القيام بالحركات، وست سرايا من الليفي اغلبهم من الاثوريين، وعدد من افراد القوة الملكية البريطاںية وكاںت مهمة هذه القطعات حماية جبهة القاعدة التي البالغة بحدود سبعة اميال . اقتصر تعز يز تلك القوات جوا، اذ تم ارسال الكتيبة الملكية الاولى من البصرة الى الحباںية ، وعلى الرغم من التهديدات التي اطلقها القادة العراقيين الا اںهم لم يوجهوا اي ضربة جوية لحركة الطيران البر يطاںي الذي استمر دون توقف، كما اںهم لم يسيطروا على قاعدة الحباںية التي كان عملا . ميسرا لهم بسبب ضعف الدفاعات البر يطاںية وذلك ما اكدته تقار ير القادة البر يطاںيين .
انتهت الحركة الانقلابية بمغادرة مجموعة القيادة العسكرية والسياسية البلاد, ولاسيما القيادة الحزبية التي قادت العملية سياسيا وعسكرياً، وكانت تقف على رأس الحركة أثناء العمليات العسكرية بين القوات البريطانية والقوات العراقية. وعقد آخر اجتماع لمجلس الوزراء برئاسة رشيد عالي الگيلاني في 27 مايس/أيار من عام 1941 ثم صدر عنه قرار تشكيل (لجنة الأمن الداخلي في العاصمة والطوارئ) حيث تم انتخاب أمين العاصمة رئيساً لها. وهي اللجنة التي وقعت اتفاقية الهدنة مع القوات البريطانية، والتي بدأت مفاوضاتها لوقف زحف القوات البريطانية على بغداد التي تمت في 31/5/1941. وفي التاسع والعشرين من مايس/أيار، غادر رشيد عالي الگيلاني بغداد، وكذلك المفتي الحاج أمين الحسيني باتجاه إيران. وكان آخر من غادر العراق من المجموعة القيادية على الأرجح، هو السياسي البارز والمتميز في الحركة الانقلابية ووزير الاقتصادي محمد يونس السبعاوي. إذ أنه واصل العمل في بغداد، وأعلن نفسه حاكماً عسكرياً لمنطقة بغداد والمنطقة الجنوبية، وطالب باستمرار المقاومة ضد القوات البريطانية. ولكن لجنة الأمن الداخلي، استطاعت إقناعه بعدم جدوى المقاومة، وطلبت منه مغادرة البلاد باتجاه إيران. ثم بدأت بعدها التفاوض مع القوات البريطانية لغرض إعلان شروط الاستسلام. وعلى أثر ذلك حلت كتائب الشباب، ومنها مجموعة الدفاع عن السبعاوي (حرس السبعاوي-الفدائيون) . وجدير بالذكر هنا أن السبعاوي، عمد إلى تشكيل ثلاث منظمات شبابية شبه عسكرية لحمايته، والدفاع عن الحركة الانقلابية، والتصدي للقوات البريطانية الزاحفة صوب بغداد، وهي (كتائب الشباب) و (الحرس الحديدي) و(فدائيو يونس السبعاوي). أعلن في بغداد عن انتهاء الانقلاب، وسيطرة القوات البريطانية على بغداد وعموم العراق، وعن عودة عبد الإله إلى العاصمة. وبدأت عمليات اعتقال وتقديم المسؤولين عن الحركة – بعضهم كان ما يزال في بغداد وبعضهم الآخر كان قد غادرها – إلى المحاكمة. حيث حكمت على المسؤولين المباشرين بالإعدام؛ وهم العقداء: صلاح الدين الصباغ، وفهمي سعيد، ومحمود سلمان، وكامل شبيب فيما بعد، ويونس السبعاوي. ونفذ الحكم بهم في أوقات مختلفة. وحكم بالإعدام على رشيد عالي الكيلاني الذي لجأ إلى السعودية وبقي فيها, فنجا من الموت. كما أصدرت المحكمة أحكاما أخرى بالسجن لفترات مختلفة على عدد من الذين اتهموا بمشاركتهم بالحركة الانقلابية، أو بتأييدهم لها ودفاعهم عنها. وللعلم فقد شمل الاعتقال والتقديم إلى المحاكمة، أشخاصاً لا يمتون إلى التيار السياسي القومي مباشرة، وطالت المحاكمة أشخاصاً آخرين لم تكن لهم مشاركة فعلية في أحداثها .
ناتي الان الى الأسئلة التي تم طرحها في البداية لتحديد حقيقة حركة مايس 1941 ونحاول الإجابة عليها فهل كانت الحركة محاولة للتحرر من الاحتلال البريطاني او التبعية للقرار البريطاني او التخلص من اتفاقية عام 1930 مع بريطانيا ؟ من وقائع الاحداث يتبين ان حكومة الدفاع الوطني وقادتها لم يعترضوا على اتفاقية عام 1930 بل اعلنوا التزامهم بها واحترامها وعندما نزلت اول دفعة من القوات البريطانية في البصرة لم تعترض عليها الحكومة العراقية .
هل كانت الحركة موجهة ضد النظام الملكي ؟ والاجابة أيضا كلا لان الحكومة أعلنت تمسكها بالنظام الملكي وعينت وصيا جديدا على العرش . فهل كانت الحركة ضد الفساد الذي كان مستشريا في الدولة والحكومة ؟ الوقائع اثبتت ان الكتلة العسكرية قد تعاونت مع عدد من الشخصيات السياسية المحلية والعربية ، فتعاونت مرة مع نوري السعيد ومع ياسين الهاشمي ومع طه الهاشمي وقد كانت قمة التعاون مع الحاج امين الحسيني. وقد فرضت هذه الكتلة عددًا من الوزارات وساعدت على اقالة واستقالة عدد من من الوزراء . واذا كان الوزراء التقليديون في تلك الفترة يعتمدون من اجل استمرارهم بالحكم على العشائر لتثبيت سلطتهم ، او لاسقاط معارضيهم ، فان الزعماء في العرق قد اعتمدوا على الجيش بدلا من العشائر ان رشيد عالي الكيلاني الذي اختارته مجموعة الضباط يعتبر واحد من اكبر رموز الفساد في النظام الملكي كما اثبتت الوثائق العراقية والبريطانية . فقد استغل وجود ثغرات في قانون العقارات والأراضي الأميرية ليستحوذ على مزارع وارضي زراعية شاسعة في عدة محافظات.. إضافة الى استحواذه على مناطق راقية في بغداد والأعظمية.. وقد ثبتها المؤرخ عبد الرزاق الحسني في كتابه “تاريخ الوزارات العراقية”.. ولم يستطع نوري السعيد رئيس الوزراء من إعادتها الى الدولة.. بعد فشل حركة رشيد علي الكيلاني في العام 1941 لان الكيلاني استطاع تسجيلها بشكل أصولي مستغلا منصبه. وقد بلغت املاكه التي تم حصرها عام 1958 حوالي 2458 دونم في بغداد فقط . وبذل الكيلاني عظيم الاهتـمام بتـحسين اوضاعـه المالية. وحاول الانتصاف لنفسه ولاسرته من (عبـدالرحمن النقيب) بشخص ورثته لحرمـانهم من نصيـبهم من الوقف. فـانتهـز فرصـة إسناد وكـالة وزارة العدليـة اليه في اوائـل العام 1936 لينتـزع بشكل ابتزازي وبالتهديد ايجارات وايرادات من مـسـتأجري مـسـقفات الاوقاف القادرية على مرقـد الامام ومساجده. وقد بات عمله هذا حديث المجالس البغدادية ودوائرها السيـاسية والدينية كما وصـفه الحسني في تاريخه. لم يقف بالأمر عند هذا الحـد فقد قام بإصدار قـرار تولية جديد لتلك الأوقاف يقضي بتجزئة التولية بينه وبين المتولي الأصيـل وهو عـمل مخالف للاصول سابقة له في تاريخ الوقف واستمر في استلام عائدات الوقف حتى سقطت وزارته وخرج من العراق. واسـتخدمت حكومة انقلاب (بكر صدقي) هذه الفضـيحة خير استـغلال وشـهـرت به واسرع (حكمت سليمان) بالغـاء قـرار التولية فور استلامه السلطة . ينقل عن حــديث لعــبـدالـرزاق الشـيــخلي سـكرتيـر وزارة الـعـدليــة والنائب فـيما بعـد: حدثني قـال «كنا نحن الشبـاب مغـرورين (برشيـد عالي) فـالتففـنا حوله وسرنا فـي ركابه حتى ظهـر لنا بعد ذلك بوجهـه الصحيح. اذ وجدناه رجـلاً انانياً طامعـاً يستسيغ كـل عمل في سبيل تحـقيق مرامـيه الشخـصية. وكـان استيلاؤه عـلى الاراضي الزراعية وقـبضه على تولية الاوقاف القادرية من السـيد (عـاصـم) نقـيب الاشــراف. واشـتـراكــه مع (جـورج عــابدين) اللبناني في محاولته السيطرة على التــجـارة العراقيـة مع اليابان واتفق مع عقداء الجيش بعد اعلان الحرب العالمية الـثـانيـة 1939 لكي يستأثر بالحكم. لكنه اصبح اسيـراً في قبضتهم يسيّرونه بالوعيد والتهديد حسب اهوائهم ويفرضون عليه ارادة المفتي الحاج امين الحسيني .
وفي تقرير من السفير البريطاني الى وزارة الخارجية في 30 كانون الثاني 1936 “ان انطباعي عن (ياسين ) انه مخلص النية. إلاّ ان ما عوّقه عن وضع نواياه موضع تنفـيذ هو وزير داخليـته (رشيد عالي) رجل غير محبوب وغير لائق. كانت له احـقاد شـخصيـة ما لبث ان أرخى لهـا العنان هنا وهناك وسـمح لها بأن تغير من سير العدالة”. ومن تقرير بعث به (بيثـمان) السفير بالوكالة الى (انطوني ايدن) وزير الخارجية بتـاريخ 29 تموز بخـصوص وفـاة السـيد (محمود) نقيب الاشراف ومتولي الاوقاف القادرية ” الجانب الذي يثير اكثر التعليق حول صـدور الارادة الملكية بتعين السـيد (عاصم الكيلاني) نقيباً لاشراف بغداد ونصب (رشيد عالي الكيلاني) متولياً للاوقـاف القادرية ومـسجد الكيلاني هو فـصل وظيـفـة نقـيب الاشراف عن وظيـفة المتولي. وهو ما لم يحصل من قبل. إن شـرعية هذا العمل أمـر مشكوك فيـه. في العام 1927 وعلى اثر وفاة (عـبدالرحمن النقـيب) حاول جمـاعة من الاسرة الكيلانية يتزعـمهــم (رشيـد عالي) عــزل خلفه عن التولية لكنه اخفق بتدخل مـن السفير (هنري دوبس) الذي شعـر بخطورة الأمر وما سيخلفه ذلك من انطباعات سيئة فـي الدول الاسلامية وخاصة في الهند اذ حال دون ذلك… والآن فأنّ كثيراً من الناس سـيحسدون (رشيد عالي) للمورد المالي الجـديـد. [اقـتـرح في نهـاية تقــريره عـدم تدخل حكومته واهمال اي احتجاج حول مسألة الفصل يقدم لها” . وفي 9 من كانون الأول 1936بعث السفيـر البريطاني تقريراً عن مقابلة جرت له مع (حكمت سليمان) الذي ذكر له ان (رشـيـد عـالي) اسـتـولى عـلى مـسـاحـات كـبـيـرة من الاراضي الصـالحـة للزراعـة باستـغلاله نفوذه في جهـاز تسوية حقوق الاراضي. كـما استغل الى حـد كبير منصـبه كوزير عدليـة بالوكالة فضلاً عن وزارة الداخلية لابتزاز المال من مستأجري الاملاك الموقوفة القادرية بوصفه متولياً.
وقد وصل الفساد الى أجهزة الجيش والشرطة في ظل حكومة الدفاع الوطني فيذكر عثمان كمال حداد سكرتير المفتي امين الحسيني الاب الروحي لحركة رشيد عالي الكيلاني وقائدها الحقيقي عن محمود سلمان قائد سلاح الجو وبحسب ما ورد في كتاب (حركة رشيد عالي ) بان زملائه ، أي زملاء محمود سلمان ، اتهموه بانه قد جرد سلاح الجو العراقي من احسن الطيارين لأغراض شخصية وانه اعتمد المحسوبيه في تكوين سلاح الجو . كذلك يذكر عثمان الحداد في كتابه ان العقيد كامل شبيب اختفى في اول أسبوع من القتال عام 1941 ولم يذهب الى ميدان القتال وانه لم يكتفي بانهيار اعصابه بل اثر على رئيس الأركان صلاح الدين الصباغ الذي انهارت اعصابه أيضا . كذلك اشتكى صلاح الدين الصباغ من فقدان السيطرة على القتال بقوله ” مخالفة فهمي السعيد لاوامري الصادرة اليه فهو بدلا من ان يمسك راس جسر الفلوجة وصدر السرية والرمادي ذهب من تلقاء نفسه واشغل التلول المحيطة بسن الذبان ” . ويقول في نفس المصدر ” ولكن فهمي اجل هجومه يوما بعد يوم حتى هجم الإنكليز أخيرا بفوج واحد اتجاه عشرة فغلبوا قوات فهمي لانه اهمل الوصايا التي أصدرتها بشأن اتخاذ تدابير الدفاع وتوزيع القوات عندما كان يحاصر سن الذبان ” . بالإضافة الى ذلك يذكر عثمان كمال ان انعدام الكفاءة بين قادة الحركة قد وصل الى تضليل القوات الألمانية التي حاولت تقديم الدعم الجوي فبعد ان تعهدوا للقوات الجوية الألمانية بتوفير وقود طائرات تكفي عدة اشهر وبعد وصول الطائرات الألمانية اكتشفوا ان الوقود المخزون كان وقود سيارات لايصلح للطائرات .
اذن يمكن القول ان حركة مايس عام 1941 بالرغم من كل الاوصاف التي حاول البعض اطلاقها عليها لم تكن في الحقيقة اكثر من محاول من مجموعة من الضباط التخلص من هيمنة الضباط ( الشريفيين ) الذين تحكموا بالبلاد منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 ، ومحاولة التحكم بمقاليد الحكم وعندما لم يحصلوا على تأييد القوات البريطانية حاولوا الاستعانة بالقوات الألمانية لم تتمكن من توفير الدعم الكافي .