18 ديسمبر، 2024 11:27 م

جروح متجددة في الذاكرة

جروح متجددة في الذاكرة

لقد شهد العراق بعد ثورة ( 14 تموز 1958) مجموعة من التغيرات الكبيرة في المجتمع العراقي والدولة الجديدة، والتي بلغت حوالي خمسة اعوام عمراً كي تكون رمزاً على انبعاث الأمل، والدليل الساطع على ثبات الهوية و اثمر عن نبتة الكرامة والتحدي والحلم بغد مشرق، يداوي اوجاع المستقبل وما تحققت من التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي لازالت اثارها شاخصة من منجزات حيوية ،فقد كانت فترة مليئة بالقرارات الثورية التي تخص الجماهير المسحوقة طولالتاريخ،والمشاريع التنموية الجديدة، كما شهدت الساحة السياسية انفتاحاً غير مسبوق من الحرية و لكنها شهدت مصادمات حادة وأحياناً دموية بين التيارات السياسية القومية واليسارية والدينية .و كثيرة هي الذكريات المؤلمة التي مرت بي وانا اتذكره اب لحظاتها اثر التكالب عليها من قواً داخلية وخارجية، ولعل 58 عاماً مرت على انقلاب 8 شباط الفاشي الاسود في سنة 1963 المشؤوم رسم بصمة وخط كلمته بعنفوانه في ذاكرتي الموجعة والتي مازالت ثمة أقلام خبيثة تعشق سموم ذلك الانقلاب وتعتبره ” ثورة” بدل من تكون مجزرة دموية مؤلمة لكل من عاشها، وإن تُعد قليلة ومحدودة في عمرها ،ومنهم من نعتها بتسميتها ب ” عروس الثورات ” بكل مظالمها وعنفها ، أي عروس هذه التي كان مهرها وخضابها دماء آلاف من أبناء العراق ،إن التاريخ يعيد نفسه ثلاث مرات في التاريخ الحديث في العراق. في المرة الأولى كمأساةعام 1963 الذي تميز بالعنف والدموية وروح الانتقام والثأر و شكل حزب البعث العربي الاشتراكي النواة الصلبة بيده لقيادتها والهيكل الرئيسي والعقل المدبر والمنفذ الفعلي لها مع مجموعة من القوميون العرب “الجناح القومي الناصري من الحركة السياسية العراقية “بني هذا التعاون السياسي في فترة الانقلاب في ضوء التحالف القديم الذي نشأ في العام 1957 بين القوى القومية بمختلف أجنحتها والقوى البعثية، والذي أطلق عليه في حينها بـ “التجمع القومي” رغم انفضاض عقده بعد سقوط الوحدة المصرية – السورية وانسحاب سوريا من تلك الوحدة الشكلية في أعقاب انقلاب اذار 1963 ” بقيادة العقيد محمد عمران وحافظ الاسد وصلاح جديد واثر الموقف السياسي المشترك لدى القوى البعثية والقومية الناصرية المعارضة لحكم قاسم المصممة على إسقاط النظام ولم يدم بعد ان اطاح بانقلاب اخرعليهم المشير عبد السلام عارف في 18 تشرين ، في مقابل التفكك في مواقف القوى المساندة لزعيم الثورة، والتي اكلت نفسها وانتهت على اشلاء الضحايا من ابناء الشعب العراقي ” ولعل واحد من أهم معالم القمع والإرهاب الذي اسس فيه هوالحرس القومي حيث تم تشكيله بشكل رسمي في 28 شباط 1963 وهي شكلت بمجموعات ترتدي ملابس عسكرية تجوب الشوارع وعلى ذراعها شريط يميزها وتحمل السلاح ( بنادق بوسعيد على الاكثر المهداة من الرئيس جمال عبد الناصر) فتزرع الخوف والرعب وتعتقل منت عتقل وتعذب من تعذب حتى على الارصفة واتخذت من المقاهي والبيوت مكانات للتعذيب ومقرات دون ضوابظ قانونية . و أخذت هذه المجاميع والعناصر الغير المنضبطة اخلاقياً في إقامة الحواجز و تفتش السيارات والعابرين في الشوارع مدنيين وعسكريين والاعتداء على الفتيات والنساء واغتصابهن ، حتى صارت منظمة للرعب لا يستطيع أحد مواجهتها أو الاعتراض على تصرفات افرادها، تبث الرعب والخوف بين المواطنين .لا يتوانون عن ارتكاب الرذيلة والفاحشة وبث الانحراف الأخلاقي في مجتمعنا المحافظ. و يرتادون الحانات الليلية، فيرفضون على أصحابها ما يشاؤون،وارغام الفنانين والفنانات على المنكرات ورغم الجرائم البشعة التي ارتكبتها هذه المجموعات ،فمازال الكُتاب في حل من الكتابة عنها بانصاف، ولا تجد لها ذكر في كتاباتهم ومؤلفاتهم ومذكراتهم إلا القليل .لقد كانت سيطرت جماعة عبد السلام عارف على السلطة في ردة تشرين كما سميت ولسنا في محل من أن نتابع حركة القوى المتصارعة حينذاك اي قبل الانقلاب في هذا المقال و كيف كانت تعمل القوى التي تساند وتقفبمستويات مختلفة إلى جانب عبد الكريم قاسم، وكيف كانت تعمل القوى المضادة لحكمه؟،اما الثانية فقد كانت اكثر من الاولى اجراماً عام 1968 والتي نصبت كمين لمجموعة من الأحزاب في “جبهة وطنية ” كيدية ومن ثم تصفية قياداتها بعد كشف خيوط تنظيماتها حيث سجنت من سجن وقتل من قُتل تحت التعذيب او على اعواد المشانق وهرب من هرب الى جهات مختلفة والتي صبغت جدرانالمدن بالدم القاني وكانت اليد التي بطشت بأحلام كل الاطياف والقوميات والاديان والمذاهب وحكمت عليها بالموت بعد ان حاولت مسخ الهويات وصبها في مصب حزب البعث الفاشي . الثالثة هي الاحتماء خلف أيدي “الداعشيين” تحت راية دولة الخلافة الفاشلة … كمهزلة و ما حدث ، في المرة الاولى تمثل في انتهاء دولة الوحدة بعد اقل من سنتين من عمرها و ثم في انقلاب 8 شباط الدموي حيث ذهبت ارواح اختلط فيه العقيدة والبراءة و شمل اليساريين واليمينيين والمستقلين والعامل والمثقف والموظف أصحاب الشهادات العلياً الذين لم تكن لهم علاقة بالاحزاب او التشكيلات السياسية ولانها ضاع فيها الحابل بالنابل و اختلفت جنسياتهم ( ذكر وانثى ) وسنوات العمر للضحايا ففيهم من هو في مقتبل العمر و منهم قد بلغ عتياً بسبب تشكيلة الحرس القومي الذين شكل قياداته اعتى المجرمين ولم يتم الكشف عن تلك الجرائم إلا بعد سقوط ذلك النظام بالانقلاب بالمقابل ضد حزب البعث في 18/11/1963.من قبل عبد السلام عارف وتم الكشف عن فضائع لا تصدق وصدر في نفس العام كتاب (المنحرفون) عن وزارة الاعلام في ذلك الوقت يبين اساليب الاعتقالات الكيدية والتعذيب والاغتصاب والقتل ويصور فضائع تلك الفترة ، و تضمن الكتاب صوراً لأدوات التعذيب من آلات قطع الأصابع إلى الخوازيق التي يجري إجلاس المعتقل عليها، إلى العصي والهراوات وألكيبلات ، واغتصاب الفتيات والسيدات، لأخذ الاعترافات منهم والاعتداءات على الناس والسرقة. كما تم الكشف عن العديد من ألمقابر ألجماعية من ضحايا فترات الحكم البعثي و لغياب الروح الأنسانية عندهم ولم تكن تجمعهم عقيدة او أيديولوجية إنما الجبن والخوف و إلاجرأم والحقد الأسود.