لست مختصا بالتأريخ , لكنها فرصة سنحت فوجدتني غارقا في كتب التأريخ , أتصفحها بإمعان , واحترت في أمرها , فحوادثها متشابهة وآليات التفاعل في مسسيرتها واحدة , فمنذ إنتهاء حكم النبي في المدينة تتحرك الأمة على ذات السكة التي ما تبدلت أو تطورت وواكبت.
وخلاصتها أن الدين مطية الكرسي , والجالس على الكرسي يمثل إرادة الرب , وهو لا يخطئ وتُضفى عليه القدسية , فيكون الحاكم بأمر الله , والنائب عنه في تقرير مصير خلقه!!
وأنت تسوح في متاهات التأريخ يحضرك المثل القائل : “نفس الطاس ونفس الحمّام” , بكل ما يعنيه ويشير إليه.
فما يجري في واقعنا المعاصر لا يختلف عمّا جرى في أية حقبة زمنية أخرى سابقة , فقط الوجوه تتبدل , أما الآليات والديناميكيات الفاعلة في الحياة فأنها كما هي , ولن تتغير الذهنية وتنشط العقول وتتفاعل , لأن ذلك من المحرمات , ولا بد من سطوة مبدأ السمع والطاعة على الأجيال , والخنوع والخضوع والإستسلام , وتسليم المصير للذي يدّعي بأنه يمثل الدين المُمتطى لتأمين إرادة الكرسي.
وما أفلحت الأمة بإيجاد صيغة حضارية للعلاقة بين الدين والكرسي , ولا تمكنت من كتابة دستور للحكم تمضي على هديه الأجيال.
فالذين حكموا عجزوا وبلا إستثناء عن تأمين إرادة الحكم الدستورية المستنبطة من جوهر الدين.
وجميعهم إجتهدوا كل حسب سلطته المطلقة , وطغيانه في تأكيد دولة الدين كما يرى ويتصور , وما كان في يوم ما “وأمرهم شورى بينهم” , فهذا لا يمكنه أن يتحقق ويكون.
فلا تحتاج لفهم التأريخ أن تدرس جميع أحداثه , فأن فترة واحدة من فتراته تغنيك عن دراسته برمته , فلا جديد ولا مواكبة زمنية , وإنما صراعات دامية غابية متوحشة فتاكة بين الساعين للكراسي بأنواعهم ودرجاتهم ومسمياتهم , وما الدين إلا قناع ووسيلة لخداع العامة وإستعبادهم الإستحواذ على نشاطهم الإقتصادي وسلب أموالهم.
فبإسم الدين الفقراء يتزايدون وكذلك الأثرياء , والحرمان والقهر والفساد وإنتهاك الحقوق والحُرمات , وما تبدّلت الأمور , بل تعقدت وتعضّبت , وتوالد السوء فيها وتعاظم وانتشر.
ودارت الأيام…ومرّت الأيام…ما بين بعاد وخصام,,,والحبل على الجرار!!