الذي يتفحص الواقع الدولي بإمعان يبدو له بوضوح أن شرائع الغاب فاعلة فيه , وما يجري بين الدول يتطابق مع ما يحصل في أية غابة , وخلاصته أن القوي يأكل الضعيف!!
فهناك دول تفترس وأخرى فرائس , وبعض الفرائس تتعاون على إفتراسها أكثر من دولة , كما تتعاون الأسود في الغابة على إفتراس ما هو كبير وسمين.
والدول المفترسة توهم فرائسها بأنها ليست كذلك , فتشغلها بتفاعلات وتصارعات تؤمن آليات الإفتراس المريح , حتى لتجد بعض الدول وقد أنتجت عوامل مساعدة على إفتراسها , وتعاونت مع المفترس لتحقيق المزيد من إلتهام طاقاتها وقدراتها.
وعندما تتوهم الفريسة بأنها غير ذلك , تتصرف بأساليب بعيدة عن واقعها وجوهر معاناتها , فتساهم بتعزيز قدرات مفترسيها وإنهاك ذاتها وموضوعها , وتتورط في أزمات داخلية تقيّد قوتها , وتعزز ضعفها وإذعانها لأنياب ومخالب المفترسين.
وفي هذا الخضم المتلاطم المتشابك المتداخل , الذي تعصف به تيارات التصاول والإنهراس , تتخبط الناس وتتصادم وتتعادى وتتقاتل , لأنها في دوامة حالكة مشوشة لوعيها , ومحفزة لعواطفها السلبية وإنفعالاتها العدوانية الغاضبة , التي تمليها عليها إرادة البقاء العمياء.
ولهذا فأن قدراتها على الخروج من أفواه مفترسيها صعبة , لأنها لا ترى الصورة بكاملها وبوضوح , فتتوهم الكثير من التصورات والقراءات والإستنتاجات والتوصيات , المتظافرة مع إرادة الإفتراس الفاعلة فيها , وهي لا تشعر بها أو تتحسّسها.
وبعض مجتمعاتنا تئن من نشوب المخالب وإنغراس الأنياب في بدنها , ولا ترى الوحوش المتكالبة على إفتراسها , بل ربما تتعاون معها على إنجاز مطامعها فيها وتحسب بأنها تساعدها على الحياة , وفي واقع سلوكها تخادع وتضلل وتستعبد العديد من أبناء المجتمع , وتؤهلهم لإعداد الإحتفاليات الإفتراسية الكبيرة , وتوفير ما يمكن أكله بسهولة من الفريسة.
وليس من السهل توعية أبناء الفرائس وإخراجهم من دوامة العماء والغقلة والإستعباد والإسترقاق التي تورطوا فيها , فتجدهم يسعون بما لديهم من الطاقات لتأكيد جشع المفترسين , وتنويم الفريسة ولجم جماح مقاومتها للفناء.
فهل ستدرك الفرائس مصيرها؟!!