18 ديسمبر، 2024 6:45 م

مشروع الفاو خيط رفيع بين الحقيقة والوهم

مشروع الفاو خيط رفيع بين الحقيقة والوهم

تناقلت الاخبار قيام الكاظمي بوضع حجر الاساس لميناء الفاو وهذا الميناء ما عاد الا قصة من قصص شهرزاد في ألف ليلة وليلة .. ماذا يعني حجر الاساس والمشروع موجود منذ عام 2004 ومن زمن اياد علاوي . يبدو انه ليس الحجر الاساس الذي وضع عام 2010 بل الاساس لمشاريع تكميلية للمشروع الذي مر عليه قرابة العقدين ولم يتم انجازه ولا احد لديه علم بنسبة ما أنجز منه .. اذ ان المشروع وطرحه كان في فترة اياد علاوي ومن ثم الحديث عنه في فترة الخبل الجعفري وبعده الحديث عنه في عهد الطائفي نوري المالكي ولم يتم انجازه .. ومنذ بداية المشروع لحد الان لم يتم بناء سوى مصدات المياه ولااحد يعرف كم صرف من مبالغ عليه والتي استحوذ عليها وسرقها حزب الدعوة ممثلا ب اللص وربيب المالكي خلف عبد الصمد عندما كان محافظا للبصرة وهرب امواله الى هولندا مشاركة مع النصراوي والذي هرب الى استراليا . هذه امور يجب على الكاظمي فتح ملفاتها اذا كان جادا ببناء المشروع . حتى يستعيد العالم ثقته والشركات الاجنبية العاملة بالمشروع .

ومشروع ميناء الفاو يقع في منطقة رأس البيشة في شبه جزيرة الفاو في محافظة البصرة وتبلغ كلفة المشروع التقديرية 4,6 مليار يورو ( مبلغ يسيل له لعاب العصابات الحاكمة ) .. وتقدر طاقة الميناء ب 99 مليون طن سنويا ليكون واحدا من اكبر الموانيء المطلة على الخليج العربي . واهم تحدي يواجه المشروع هو عمق الميناء ليكون العمق بين 19 الى 21 متر ليضمن دخول البواخر العملاقة وهو ماتحاول الكويت تخفيض العمق الى 16 متر .. انظروا الى الخبث الكويتي !

لاشك ان انجاز هذا المشروع كانت امامه عقبات كثيرة .. وان بناء مثل هذا المشروع يتطلب وجود سلطة وطنية وإدارية نزيه وكفوءة وقوية ( وفي العراق منذ عام 2003 ولهذا اليوم لاتوجد مثل تلك السلطة بل دكاكين سياسية تأخذ بالنقدي ولا تتعامل بالاّجل ) .. ان التأخير والمماطلة بعدم تنفيذ المشروع كانت وراءه قوى اقليمية ودولية اضافة الى العوامل الداخلية ..

واذا التفتنا الى المعوقات الداخلية فان المشروع يحتاج الى بناء خط سكة حديد متطورة وحديثة بينما العراق الان لا يمتلك بنية تحتية مكملة لعمل الميناء وليس فيه سكك حديدية متقدمة لكي يتمكن من نقل واردات الميناء ( من الحاويات والبضائع ) من الميناء الى المكان المطلوب ايصال البضاعة اليها داخل العراق .. ان الحكومات المتعاقبة بعد 2003 لم تبن سكك حديد واحدة بل لم تطور سكك الحديد الذي تم بنائها في زمن النظام الملكي ( رغم ان موازنة 2015 كانت فيها تخصيصات لشراء عربات قطار من الصين يبدو ان هادي العامري عندما كان هو وزير للنقل اشترى بالتخصيصات جكليت وزعه على جماعته ) .. كما ان العراق لا يتوفر على طرق دولية سريعة والطرق الحالية تحتاج الى صيانة ورعاية التي تم بناءها قبل 2003 ولم تجر عليها اي صيانة بالاطلاق بعد عام 2003 .. على ان اهم معوق داخلي هو القضاء على الرشوة والضغط على الشركات من قبل متنفذي المليشيات و العصابات الحاكمة التي تسمي نفسها الاحزاب .. فكيف يوقف ذلك ؟

ان ما هو جدير بالذكر ان السكك الحديدية هي احدى عوامل بناء الوحدة الوطنية والقومية للدول وهناك تجارب لبلدان كانت السكك الحديدية فيها عاملا في بناء وحدتها الوطنية والاقتصادية ( لااعتقد ان الحكومات في العراق تفهم هذه الحقيقة ) .

ليس لي علم في نوايا الكاظمي ( مع اني لا ابرأه من سوء النية وان شاء الله اكون على خطأ ) في مدى جديته للسير في انجاز هذا المشروع .. هل هي دوافع انتخابية وتقع تحت بند الدعاية الانتخابية ؟ ربما ! ام مايريده تسجيل منجز وطني في فترة توليه للسلط في العراق ( معقولة هكذا نيته ! ) مهما تكن نية الكاظمي الا ان الواضح والمؤكد ان العصابات الحاكمة ( الكيانات السياسية ستكون لها حصة في مقاولات المشاريع المكملة للميناء وهو امر لاجدال فيه فهي منذ 2003 وهي تتقاسم الاموال المخصصة للمشاريع في الموازنة العامة وأن المكاتب الاقتصادية التابعة للأحزاب والمنتشرة في كل الوزارات والهيئات الحكومية تدير وتستولي على كل المقاولات حتى وان كانت بمبالغ قليلة جدا فكيف بمشروع يخصص له مليارات الدولارات انها ضربة العمر !

ان مشاريع الربط السككي الذي تقترحه الكويت بين العراق والكويت وبين العراق وايران سيفقد ميناء الفاو الكثير من اهميته الاقتصادية .. هذا اذا اضفنا ان انجاز الكويت لميناء مبارك والذي يتكون انشاءه من أربعة مراحل ( ولامعلومات لدينا عن نسة الانجاز فيه حيث تحيط الكويت العمل بهالة من السرية والخداع والتعتيم ففي الوقت الذي قالت فيه انها اوقفت العمل فيه حفاظا على العلاقات مع العراق ولكن الحقيقة غير ذلك ) وهو الميناء الذي يقع في شرق جزيرة بوبيان الواقعة شمال الكويت والتي تشرف على خور عبد الله الذي يتحكم في الملاحة بين الخليج العربي وميناء ام قصر.. وجزيرة بوبيان كان العراق يطالب بها ومنذ عام 1932 .. ويرتبط الميناء مع البر الرئيسى في الصبية ومدينة الحرير بثلاث جسور وطرق سريعة ومن المقرر ان يرتبط مع سكة القطار الخليجي وهناك افكار لمد السكة الى العراق وتركيا وايران ( وهذه امر في غاية الاهمية ) .. وميناء مبارك مهم بالنسبة للكويت وتحركت الكويت بكل الاتجاهات لإسكات صوت المعارضين لهذا المشروع من العراقيين لما يجره على حقوق العراق في ميناء خور عبد الله ..ولم يكن سرا كيف ان الكويت قد قدمت رشاوى كبيرة الى العراق بخصوص الميناء وبالذات الى هوشيار زيباري الذي لعب دورا في اعطاء موافقة العراق على المشروع وصرح بان ميناء مبارك لايضر بالعراق ؟ امر غريب !! والكل ساكت ! يعاونه في ذلك وكيل وزارة الخارجية العراقية الخرف محمد الحاج حمود بالاضافة الى كبار موظفي وزارة الخارجية العراقية .. واستلموا من الكويت مبالغ كبيرة لتمرير المشروع وشقق في بيروت .. واسماؤهم موجودة عند النزاهة ولكن دون اتخاذ اي اجراء .. وهذه الرشوة تعتبر قانونا بمصاف الخيانة العظمى للدولة والتجسس لدولة اجنبية وبيع اراض عراقية لدولة اجنبية والتي تصل عقوبتها الى الاعدام ! فعل الكاظمي فتح هذه الملفات .. على كل حال موضوع ميناء مبارك هو عمل عدائي من الكويت لخنق العراق

اذا كانت العوامل الداخلية وعلى رأسها السلطة المتخلفة والفاسدة والمرتشية في العراق قد حالت دون انجاز هذا المشروع الوطني.. فان التحدي الأكبر جاء من الدول الاقليمية والدولية التي تتضرر مصالحها قد حالت هذه الدول دون إنجازه و تعرقل انجازه لانه يضر بمصالحها الاقتصادية .. و يضعف من تاثيراتها السياسية على العراق وهذه الدول ( ايران ، تركيا، اسرائيل ،الامارات ، السعودية ) بالاضافة الى دول اخرى بشكل اقل ..

ان أزمة قناة السويس مؤخرا ، وتدمير ميناء بيروت ، وتعطيل موانيء اليمن ، وميناءي سوريا أظهرت مدى استقتال بعض الدول لخلق بدائل للقناة والموانئ المذكورة .. وان الصراع في المنطقة العربية ليس على مسارات أنابيب النفط والغاز فحسب بل السيطرة على الموانيء والتحكم فيها لأسباب سياسية واقتصادية ..

في رأي المتواضع ان بناء مثل هذه المشاريع الاستراتيجية التي يفتقر لها العراق وسيبقى يفتقر لها، ما دامت سلطته الحاكمة ليس لها لديها الرؤية السياسية والاقتصادية والثقافية والاهم من كل ذلك ليس لديها وطنية القرار وخضوع قرارها للهيمنة الخارجية ..

ان ميناء الفاو اذا ماتم اكماله بالربط السككي والطرق السريعة سيكون الحجر الاساس لربط دول المشرق جميعها ( بلاد الرافدين وبلاد الشام والاردن ولبنان ) وسيكون الشريان الذي يربط الخليج بموانئ سوريا والاردن ولبنان .. وسيكون الحجر الاساس لبناء وحدة اقتصادية لتلك الدول بما يخدم رفاهها الاقتصادي وعاملا في زيادة تفاهمها السياسي ككتلة تمتاز بالكثير مما يؤهلها للعب دورا اكبر في المنطقة وهي مجتمعة (وليس متفرقة كما هو حالها الان ) وسيكون هذا المشروع الاقتصادي هو جدار الصد بوجه الهيمنة الاسرائيلية والايرانية واي قوى خارجية لها اطماع في المنطقة

واعيد القول ان مثل هذا الطموح ( في العراق ) يحتاج الى سلطة وقرار وطني نزيه وكفوء وهو ما ليس متوفر حاليا ولايتحقق هذا الحلم الا بهدم سلطة العصابات