بمناسبة ابتداء بازار الانتخابات القادمة تجرأ قائد فيلق القدس في الحرس الإيراني، إسماعيل قاآني، فقام بزيارة غير معلنة لبغداد أجرى خلالها لقاءات مع قادة الميليشيات بشأن توحيد صفوفها قبل إجراء تلك الانتخابات، ولا حكومة ولا برلمان ولا قضاء تجرّأ واعترض واستنكر ورفض تدخل زائر أجنبي في أخص خصوصيات سيادة وطن وشعب، علنا ودون خوف ولا حياء.
بالمقابل، ودون أي غضب على تلك الزيارة الملغومة، تحدث المدعو نوري المالكي، أحدُ كبار رؤوس البيت الشيعي، عن الانتخابات المقبلة فقال، حسب بيان مكتبه الإعلامي:
– “نشعر بألم كبير لفقدان هيبة الدولة وحالة الوهن والضعف الذي أصاب الدولة، ولا نريد الفوضى في العراق، ونريد دولة قوية ذات قدرة على بسط الأمن وفرض القانون“،
– لابد من “الاستعداد للمشاركة الواسعة في الانتخابات والتدقيق في المرشحين الذين تقدموا للترشح في الانتخابات واختيار الأصلح“،
– “نحذر من محاولات البعض في التأثير على خيار الناخبين من خلال إغرائهم بالمال والهبات والهدايا، حيث يُعتبر هذا الامر محاولة لإهانة الناخب وسلب إرادته”.
– “يجب أن تتمتع الانتخابات القادمة بالنزاهة والشفافية، وبكل البعد عن عبث العابثين، وأن لا يتكرر سيناريو انتخابات ٢٠١٨، وعمليات التلاعب والتجاوز التي حصلت في وقتها”.
وليس المالكي وحده، فكل رفاقه في نظام المحاصصةتحدثوا، مثله، عن انتخاباتهم القادمة الموعودة فأكثروا من حلف اليمين بالشرف والدين على أنهم يريدونها، هذه المرة، نزيهة وشفافة وبدون سمسرة.
وكان ممكنا تصديقهم، ولكنهم هم، أنفسُهم، الذين جربهم العراقيون في ست انتخابات مضنية سابقة، فأثبتوا لهم، قبلها وبعدها، أنهم كذابون، مضللون، منافقون، لا يؤتمون.
فلم يرَ عراقيٌ واحد أو يسمع أو يقرأ أنّ واحدا من هؤلاء السياسيين المتطفلين على السياسة والأمن والمال والسلاح والمعيشة والخدمات، عرباً وكوردا، شيعة وسنة، معممين وأفندية، قد أنفق ذات يوم ولو اُذُناً واحدةً من جَمَل أمواله الحلال أو الحرام على دار أيتام أو على جمعية خيرية أو على معهد مهني يعلم الشباب العاطلين عن العمل مهنةً يكسبون بها رزقهم ورزق عيالهم بكرامة وبياض وجه.
ولا حنَّ أحدٌ منهم، ذات يوم، لا على العراقيين في المحافظات التي يكرهها ويسعى إلى الانتقام من أهلها، بل فقط على أبناء محافظته وطائفته وقوميته ودينه الذين منحوه أصواتهم وجعلوه نائبا أو وزيرا أو سفيرا أو رئيس حزب وصاحب مليشيا، فتطوع وأنفق من أمواله التي تسد عين الشمس ليُنشيءَ داراً لرعاية مرضاهم ومُسِنيهم، أو مشروعا خدميا أو إنتاجيا يشغّل المئات، وربما الآلاف من الشباب العاطلين عن العمل، أو ليَمدّ منازلهم ومدارس أطفالهم بالنور، أو ليكسو شوارعهم بالزفت، أو ليرفع منها المزابل ويردم حولها المستنقعات الآسنة.
وقد يكون العراق هو الوطنَ الأكثرَ طرداً لأبنائهالعلماء والخبراء والشعراء والمفكرين والكتاب والفنانين المبدعين. فهاي الآلاف منهم متناثرة في أرجاء الدنيا الواسعة، في حين يركب على ظهره الأميون والجهلة والقتلة والمرتزقة والانتهازيون.
ويجادلنا بعضٌ من العراقيين الخارجين، للتوّ، من الوطن السليب إلى بلاد الاغتراب الواسعة بأن وعيا انتخابيا وطنيا جديدا قد ولد ويتكاثر، خصوصا لدى الأجيال الجديدة المتمردة على هيمنة الأحزاب الدينية والطائفية والعنصرية القابضة على مفاصل الدولة العراقية، وبأن هذا الوعي الجديد هو الذي سيجعل الليل نهارا، والأسود أبيض، والأفعى حمامة.
ولكنهم، مع هذا التفاؤل، لا ينتظرون أن تتمكن الجماهير الواسعة الوطنية المقهورة من إحداث انقلاب مدني حقيقي في المعادلة السياسية في المدى المنظور. ويقولون إنها، لكي تفعل ذلك، تحتاج إلى دورات انتخاب قادمة أخرى. وقد نموت ولا نرى هذا الحلم الجميل قد تحقق.
المهم أن المستفاد من هذه المجادلة هو أن العملية الانتخابية المقبلة لن تخرج كثيرا عن إطارها القديم، ولا عن أخلاقها وأساليبها غير النزيهة وغير الشريفة، ولن تمت إلى الديمقراطية الحقيقية والوطنية الصادقة بصلة.
فالمقاعد سوف تباع وتشترى، كالمعتاد، وسيتم تبادلالمواقع والأدوار وفق نفس مقاييس الشبق السلطوي القديمة المتجددة.
بمعنى آخر. إن البرلمان القادم، برغم جميع التوقعات المتفائلة، سيكون أكثرُ من ثلاثة أرباعه من نصيب الوجوه القديمة، نوري المالكي، هادي العامري، عمار الحكيم، مقتدى الصدر، محمد الحلبوسي، أسامة النجيفي، مع تغييرات طفيفية في المواقع والوجوه لا تُغير أساس اللعبة كثيرا، بل بأقل من القيل. إلا إذا صدقت الأماني.
فليس بعيدا، على الوطن الذي عوَّد أهله، في ملمات عديدة سابقة، على ضرباته المفاجئة القاطعة المانعة أن يغادر سريرَه، ويمتشق حسامه، فتحدث الواقعة. ويومها سيكون لكل حادث حديث.