أحلى ما في العراق تركيبته السكانية المتنوعة والتي تعكس تلاقح الثقافات المختلفه، هذه الفيسفساء الجميله في العراق جعل من الشعب العراقي مختلف كليا عن بقية الشعوب على المستويين الإقليمي والعالمي…وإذا كان العراق قد غرز جذوره في عمق التاريخ بهذه التشكيله السكانية الجميله وإستطاع أن يقاوم عبر الزمن أنواع من التحديات كانت تستهدف في ما تستهدف المواطن العراقي بالضبط ونفض عنه أشكال متنوعه من غبار موجات من العواصف الصفراء التي حاولت أن تلوث الوجه الناصح لهذا الوطن الذي نراه اليوم جريحا إذ انه يواجه تحديا فريدا من نوعه هذا التحدي يهدف في ضرب الشعب العراقي من الداخل وتمزيقه وصولا إلى تجزئة الوطن الواحد من خلال العزف على أوتار ذات أنغام أصواتها لا تتعدى تلك التي وصفها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بإنها أنكر الأصوات.
لو حاولنا تحليل ما يجري اليوم على الساحة العراقية وبالرغم من إننا لا نؤمن بنظرية المؤامرة ولكن لا نستطيع مهما حاولنا أن ننزع عن ما يجري في العراق صفة المؤامرة لإن كل إفرازاتها تصب في هذا القالب الذي وضع تصميمه من قبل عقول تخطط ليس ما سيحدث غدا ولكن تخطط لما سوف يحدث بعد ثلاثين سنه أو اكثر…ولذلك لفهم حقيقة ما يحدث اليوم في العراق علينا إعادة قراءة الأحداث التي مر بها العراق قبل ثلاثين أو اكثرمن السنين…ولكي تكون قرأتنا تستند إلى التحليل العلمي والأكاديمي فإننا سوف نقسم ما مر به العراق في تاريخه القريب إلى فترتين ولنقرأ ما أفرزته كل فترة من تنفيذ دقيق لمخطط خبيث ضد الشعب العراقي:
الفترة الأولى بدأت عشية تسلم الطاغية الموقع الأول في الدولة العراقية في تموز 1979 وقد إستهدفت هذه الفترة بالتحديد جيل الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم والذين كانوا شبابا في ذلك الوقت…ولا نرغب بإستعراض ما مر به العراق منذ تسلم الطاغية السلطه لحين سقوطه في نيسان 2003 ولكن فقط سوف نشير إلى الفلسفه التي رسمت للطاغية لتنفيذها خلال فترة حكمه لإنه كان لا يمثل إلا حجره على رقعة شطرنج لاعبها الأساسي هم الجهات التي تخطط لإستراتيجات طويله الأمد ونقف عند محطتين هما
المحطة الأولى تمثل عملية متقنه لضرب شخصية الإنسان العراقي من خلال زجه في إتون حرب لا ناقه له ولا جمل مع إيران وما رافقها من عمليات مدروسه في إضطهاد الشباب العراقي في تلك الفترة ووضع أمام الشباب خيارين لا ثالث لهما أما الذهاب إلى محرقة الجبه والموت أو مغادرة العراق هروبا والبحث عن ملجأ آمن لهم حيث نتج عن تلك السياسه جيل من الأيتام والآرامل والمطلقات والمشردين في دول العالم ويكاد لم يسلم بيت عراقي من مأساة مر بها…أما اللاعب الأصلي الذي يملك خيوط اللعبه فكان يراقب الموقف عن كثب ويتلقف ما يستطيع تجنيده من الشباب العراقي الذي فضل الهروب من الحرب أو الإضطهاد في الداخل تحضيرا لفترة ما بعد الطاغية..وقد إستمرت هذه المحطه عقد من الزمان.
المحطة الثانية المخطط للطاغية تنفيذها وهو لا يعلم كانت في النهاية تستهدفه هو شخصيا فقد بدأت بغزو الكويت وما رافقها من أحداث وكان الغاية منها تجويع الشعب العراقي وإفراغ الإنسان العراقي من كل ما يملك وتستند هذه الفترة على مبدأ ونستون تشرشل القائل “جوع كلبك يتبعك” وكان من أهم إفرازات هذه الفترة ونتيجه للحصار الإقتصادي الظالم أن خسر العراق أغلب كفاءاته العلمية من خلال قيام أجهزة النظام بتسهيل خروج هذه الكفاءات وتعطل كل شيىء في العراق وكذلك فقدان سيطرة المركز على جزء مهم من أرضه وهو شمالنا الحبيب…أما اللاعب الأساسي فكان في الوقت الذي يستدرج الكفاءات العراقية وقد جند منْ إستطاع من تجنيده لمرحله مهمة وهي مرحلة ما بعد الطاغية…وقد إستمرت هذه المحطة ما يقارب العقد من الزمان.
إن من أهم نتائج المحطتين أعلاه هو إفرازه لجيل خرج من رحم الحروب والجوع والتشريد والإضطهاد وكان مستعدا لفعل أي شيىء للخلاص من الطاغية الأرعن وهنا بدأ التفكير بتنفيذ الفترة الثانية..
الفترة الثانية بدأت مباشرة بعد أحداث 11 ايلول في نيويورك وكانت هذه الفترة تستهدف جيل الثمانتنيات والتسعنيات من القرن المنصرم وهذه الفترة تتطلب توسيع أحجار رقعة الشطرنج حيث تم جمع أحجار هذه الرقعة من العناصر التي تم تجنيدها مسبقا تحت سقف واحد في مؤتمر لندن وفي مؤتمر أربيل وتم توزيع الأدوار على أحجار رقعة الشطرنج هذه بحيث يبدوا للمراقب للوهله الأولى أن هناك إختلافا جوهريا بين أحجار رقعة الشطرنج ولكن في حقيقة الأمر إن هناك إتفاقا إستراتيجا بين هذه الأحجار لتنفيذ مرحلة ما بعد الطاغية تحت إشراف الجهة التي تملك بخيوط هذه الأحجار وقد تم التأكيد على ميثاق الشرف وبندوده مباشرة بعد سقوط الطاغية في مؤتمر الناصرية وخيمتها السوداء. إن مقررات مؤتمري لندن وأربيل بقيت طي الكتمان لهذه اللحظة ولكن إفرازات العشرة سنوات الماضية تمكننا من قراءة بعض بنود ما تم الإتفاق عليه في مؤتمري لندن وباريس وكما يلي:
• كتابة دستور مهلهل يسمح للنعرة الطائفية والقومية أن تتسيد
• أفراغ العراق من نفطه عن طريق عقود جولات التراخيص سيئة الصيت حيث أصبحت الشركات تتحكم بالنفط العراقي وتسيدت على شركات النفط العراقية وما عاد العراق حرا في تسويق نفطه أو إنتاجه.
• إثارة النعرات الطائفية والقومية بين أبناء الوطن الواحد وصولا إلى تقسيمه وفتح قنوات طائفية تمجد لهذه الطائفه أو تلك أو قنوات عنصرية تمجد لهذه القومية أو تلك.
• تحشيد طائفي قذر فهذا يحشد لطائفته ويزرع الرعب من الطائفة الأخرى والأخر يفعل نفس الشيىء لكي يجعلوا المواطن يتحرك طائفيا أو قوميا وينتخب حتى منْ كان فاسدا بمجرد إنه من طائفته أو قوميته. وهذا ما نشاهده هذه الأيام الكل يعزف على هذه الأوتار النشاز
• تمكين الإرهاب من الساحة العراقية ليتسنى لهم تنفيذ المخططات أعلاه.
الحقيقة إن ما يطفو على السطح من خلافات بين الكتل المختلفه ما هو إلا سيناريو معد من قبل ماسكي خيوط اللعبة السياسية في العراق ولذلك على المواطن العراقي الذي صمد أمام تيارات مختلفه من رياح صفراء إستهدفته مطالب اليوم وقبل كل شيىء أن يقف للتصدي لهذا التحدي الذي يواجه العراق ويستطيع المواطن العراقي أن يقلب الطاولة على هؤلاء الذين جاءوا من الخارج وبجعبتهم اجنده خطرة لتفتيت العراق من خلال إستغلال الإنتخابات وعدم التصويت لهم والبحث عن العراقي الأصيل الذي لم يشارك في تلك المؤتمرات ولم يوقع على سناريوهات تفتيت العراق…
ولكن أعتقد أن المتآمرين على العراق قد قطعوا شوطا كبيرا في الحشد لأجندتهم مستغليين الجوانب العاطفية للمواطن من جهة وجهله من جهة ثانية وهذه الطائفية السوداء التي تعصف بالعراق اليوم سوف لا تولد إلا ديمقراطية عرجاء كما نلمسها الآن…ولكننا نتساءل هل يستطيع المواطن العراقي أن يتخذ القرار المناسب ويكنس الطائفيين عن مجلس النواب…سننتظر لنرى ما يكشف عنه الغد.