17 نوفمبر، 2024 3:26 م
Search
Close this search box.

التداخلات السياسية والاقتصادية في موازنة العام2021

التداخلات السياسية والاقتصادية في موازنة العام2021

يدور الشد والجذب بين الكتل السياسية داخل مجلس النواب العراقي حول جوانب من الموازنة الاتحادية لعام2021شانها بذلك شان كل المسائل والتشريعات والمشاريع المهمة، حيث تحاول كل كتلة سياسية فرض اجندتها الحزبية والمكوناتية انطلاقا من حسابات ضيقة، ورغبات حزبية، وجهوية، ومكوناتية، تجعل من الكتل السياسية داخل مجلس النواب الا ما ندر تنطلق في إقرار قوانين وقرارات مهمة على صلة بحياة المواطنين واستقرار وبناء الدولة من اعتبارات مكوناتية وحزبية مثلما اشرنا، وفي إقرار الموازنة على الرغم من ان البلد مضت عليه سنة مالية كاملة ولم يقر موازنته لعام2020، ومضت حوالي أربعة اشهر على السنة المالية الحالية ولا تزال الكتل السياسية بين شد وجذب حول الموازنة كل طرف يريد ان يحقق إنجازاً للهوية الضيقة، وقد تضخم الجدل هذا العام لأسباب انتخابية لاسيما بعد اقل من ستة اشهر على اجراء الانتخابات البرلمانية، ولم يكن هذا الشد والجذب الأول من نوعه حيث كثيرا ما كانت تخضع هذه القوانين لهكذا حسابات ولو كانت تنطلق من اعتبارات وطنية عليا لكنا كلنا مع التأني والنقاشات والحوارات حول هذه القوانين، ومن ابرز الأمثلة على تفوق قيم المكونات والأحزاب على قيم الدولة والمواطنة، محورين الأول الذين سنسلط عليهم الضوء في هذه الورقة هما: سعر الصرف الدينار العراقي، والثاني حصة إقليم كردستان من الأموال في الموازنة. طبعا هناك جوانب مشابهة سنبحثها في مناسبات أخرى.
ففيما يخص المحور الأول، ذهبت الحكومة قبل أربعة أشهر الى تخفيض سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي بصورة مفاجئة مما تسبب بخسار جسيمة، وصعود كبير في أسعار المواد الغذائية التي هي محل الاهتمام الأول للمواطن في العراقي، وكذلك ارتفاع الأسعار المنزلية والصناعية والزراعية بجميع اصنافها، وادى الى ركود نسبي في الحركة الشرائية، وقد تبين فيما بعد بان التخفيض هذا الذي طالبت به وزارة المالية وأقره البنك المركزي جاء بالاتفاق مع كل الكتل السياسية النافذة في اجتماع رسمي مع الرئاسات الثلاث، وحاليا العديد من هذه الكتل تريد ارجاع سعر صرف الدولار الى سابق عهده من خلال اقراره من خلال الموازنة الاتحادية، أي ان يكون لكل مائة دولار امريكي 122الاف بالدينار العراقي، وليس كما هو الان بعد ارتفاعه الى140الاف بالدينار العراقي، وهذا التخفيض لقيمة الدينار بمعدل كبير، وهو الأعلى منذ عام 2003، ادى على الفور إلى رفع أسعار السلع؛ مما اضر بمستويات المعيشة. إلى جانب ورقة الإصلاحات المسماة بالورقة البيضاء ذات التكلفة العالية التي وضعتها وزارة المالية في حكومة مصطفى الكاظمي، فقد يؤدي ارتفاع أسعار الصرف إلى مزيد من الاحتجاجات الشعبية خاصة وان البلد لا يزال يعيش حركة احتجاجية منذ شرين الأول من العام الماضي، واستمرت لغاية لان في بعض المحافظات كالناصرية في جنوب العراق، طالب خلالها مئات الآلاف من العراقيين بوظائف وخدمات، وبعزل النخبة الحاكمة والسياسية المتورطة بملفات فساد عديدة، كون ان التخفيض الان يلامس جل متطلبات المواطن العراقي بل حتى الشرائح التجارية التي ترتبط حركة تجارتها على الدولار خاصة وان البلد يعتمد على الاستيراد بنسبة تصل الى 90% من حجم حاجياته الداخلية بعد التعطيل المتعمد وفوضى الإدارة والتخطيط والعبث في مجالات الزراعة وتعطيل الصناعة والسياحة بصورة شبه تامة، مطلب التخفيض هذا يواجه معارضة من قبل وزارة المالية والبنك المركزي وبعض الكتل السياسية ولأسباب مختلفة، البنك المركزي ارجع السبب الرئيسي وراء تخفيض قيمة الدينار هو سد فجوة التضخم في ميزانية 2021 بعد انهيار أسعار النفط العالمية، وهو مصدر رئيسي للموارد المالية العراقية. وقال في بيانه “الأزمة المالية التي تعرض لها العراق بسبب جائحة كورونا أدت إلى حدوث عجز كبير في الموازنة العامة” أوضح البنك أن قرار خفض قيمة العملة جاء كخطوة استباقية “حرصا من البنك على تفادي استنزاف احتياطاته الأجنبية”، ولمساعدة الحكومة على تأمين رواتب الموظفين العموميين. اما الكتلة المؤيدة لارتفاع سعر الدولار الى مسائل تتعلق بالمضاربات والتجارة بالدولار لحسابات إقليمية، ان ارتفاع سعر الدولار سيعود بالفائدة على المنتج المحلي ايضا حيث ان المنتج المحلي مكلف باعتبار انه لا توجد بنى تحتية حقيقية للمصنع العراقي وحيث ان البضاعة الاجنبية منافسة رغم رداءة نوعيتها فارتفاع الدولار سيؤدي الى رفع البضاعة المستوردة وسيكون المنتج المحلي قادرا على المنافسة لسعر البضاعة الأجنبية، في حين كشف الخبير الاقتصادي العراقي، ماجد الصوري عن وجود ضغوطات مارستها الولايات المتحدة الأمريكية بالآونة الأخيرة، على تداول الدولار في العراق، قد تكون أسهمت برفع سعر الدولار محلياً لان الدولار من سياسة الخزانة الأمريكية، لذلك هي ضغطت على العراق، فحُددت إمكانية الدولار التي تصل إلى العراق، والتي فيها تحديات كبيرة جداً ووصف باحث اخر بان التخفيض الدينار مقابل الدولار جاء دور تدمير الدينار العراقي التخطيط امريكي وبدعم من قبل بعض دول الخليج، وبالنسبة للحكومة الاتحادية فان الاثار الإيجابية لتغيير سعر الصرف تتمثل في توفير إيرادات إضافية الى وزارة المالية بنحو(12) ترليون دينار ناتج عن بيع الدولار للنبط المركزي بسعر اعلى من السابق مما يساهم في تقليل عجز الموازنة خاصة في ضوء ارتفاع أسعار النفط منذ نهاية العام 2020 وحتى الان، وقابل للصعود اكثر في الأشهر القادمة، وأيضا يساهم في توقع زيادة الإنتاج المحلي للسع الممكن انتاجها في الداخل ، ويساهم في انخفاض الاستيرادات للسلع الكمية وترشيد استهلاك السلع، طبعا هذا المبدأ لم يتحقق الى الان ولم يلحظ المراقبون أي تطور في حجم المنتوجات المحلية وانتعاش القطاع الخاص، في حين تتمثل السلبيات في ارتفاع المستوى العام للأسعار اذ ارتفع التضخم السنوي بأكثر من (4) بالمائة خلال الأشهر الماضية، وكذلك يودي الى انخفاض الدخل الحقيقي خاصة للشرائح الاجتماعية الفقيرة والتي ليست لديها مصدر للدخل.
المحور الثاني الذي يشكل معضلة في إقرار كل الموازنات السابقة والحالية، وتداخل في حسابات سياسية واقتصادية(حصة إقليم كردستان من الموازنة، واشكاليات إيرادات نفط الاقليم)ومن الموكد حتى في الأعوام المقبلة هي حصة الإقليم من الموازنة والالية تعود بها أموال النفط المصدر من إقليم كردستان، يريد الطرف الكردي ان يحقق مثلما يرد بحصة تصل (17%) وحرية اكبر في التصرف بايرادات نفط الإقليم والمنافذ الحدودية، والذي يقود مفاوضاته قوباد طالباني نجل الرئيس الراجل جلال طالباني، والنائبة الاء طالباني.
لغاية الان اعتمدت مسودة الموازنة لهذا العام ما نسبته(13%) للإقليم مشروطة بان تسلم يرادات النفط المصدر الى الحكومة الاتحادية عبر شركة سومو اذ أعلن مدير الشركة الوطنية لتسويق النفط (سومو)، أن:إقليم كردستان يصدر 430 ألف برميل يومياً عن طريق ميناء جيهان التركي، قائلاً: ان مسودة موازنة 2021 تلزم حكومة الإقليم بتسليم 250 ألف برميل، إضافة إلى 50 في المائة من واردات المنافذ الحدودية، وهنا نقاط الخلاف بين الأطراف الحكومة من جهة، والكتل السياسية من جهة ثانية، وكتل وحكومة إقليم كردستان من جهة ثالثة، حيث يرى نواب أن على الإقليم تسليم إنتاجه من النفط كافة إلى الحكومة الاتحادية، مقابل تخصيص حصة للإقليم في موازنة 2021، الأطراف السياسية والحكومية في إقليم كردستان تضغط من اجل الحصول على الأموال في الموازنة الاتحادية لدواعي سياسي ضيقة تخص الإقليم وجمهورهم الانتخابية في قابل ذلك لم تفي بالتعهدات القانونية والسياسية بتسليم إيرادات النفط المصدر من الحقول النفطية في الإقليم أي ان الإقليم يعلب بعقلية المضاربات التجارية الربحية، وينظر للدولة العراقية على انها شركة رابحة تستلم حصته في الموازنة المعتمدة كليا على الإيرادات النفطية من حقول البصرة ولا يسلم إيرادات النفط في الإقليم، وبذلك تكون لديه ما لدى الأخير وحتى محافظة البصرة المصدر الأول المصدر للنفط والايراد الرئيس في كل الموازنات ومنه موازنة عام2021 من هنا تثار الشكوك بعدم شفافية عادية أموال النفط المصدر من الإقليم حيث انه لا تعود الى الحكومة الاتحادية ولم ينعكس إيجابا على محافظات الإقليم كما يقول ناشطون هناك من خلال الإشارة الى تحكم الأحزاب النافذة هناك بأموال النفط المصدر من الإقليم، فيما يرى نواب كرد أن حصة الإقليم من موازنة 2021 أصبحت دعاية انتخابية تستخدمها الكتل السياسية مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية العراقية حسب بعض نواب الحزب الديمقراطي الكردستاني، في حين طالب نواب بعدم صرف حصة إقليم كردستان من الموازنة، إلا بعد قيام سلطة الإقليم بتسليم عائدات نفط الإقليم للسنتين الماضيتين، وأشارت مصدر أخرى إلى أن نواب من كتل سياسية ترفض بأي شكل من الأشكال تمرير الموازنة بهذه الحصة للإقليم، بحجة أن الإقليم يسلم نصف إنتاجه النفطي، وسيتسلم حصة كاملة من الموازنة تعادل حصة جميع المحافظات الأخرى مجتمعة.
مما تقدم من نماذج فوضى التخطيط وتغلب الروى الحزبية والمكوناتية في إقرار القوانين والقرارات، حيث انها تفتقر الى ابسط مقومات التفكير بالدولة القائمة على أساس المواطنة والتوزيع العادل على كافة الشرائح اذ تفكر بعض الكتل السياسية بمصالحها بالدرجة الأولى رغم ادعائها بالتمثيل القومي او الطائفي لهذا المكون وزيف هذا الادعاء يتمثل بالفساد وهدر الأموال العامة وسوء الإدارة والافتقار الى تقديم المشاريع الخدمية، وتطوير جانب الاعمار في كل محافظات العراق، وهذا ما يدلل على ان كل القوانين ومنها جوانب في قانون الموازنة توضع وتقر لحسابات كتلوية وسياسية، اثرت كل تلك القرارات والقوانين على مستوى الخدمات وركود الجانب الاقتصادي، وعدم قدرة كثير من شرائح المجتمع على مجاراة ارتفاع الأسعار خاصة بعد ارتفاع سعر الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي، ومثلما ذكرنا اقر بموافقة اغلب الكتل السياسية والان يخضع للمزايدات السياسية والتجارية والانتخابية في موازنة عام2021 وسبب في تعطيل إقرار قانون الموازنة التي تتوقف عليها الكثير من المسائل التي تهم حياة المواطنين الى جانب مسالة عويصة أساسية تتمثل بحصة إقليم كردستان في قبال تسليم الإيرادات النفطية في الإقليم والكشف بشفافية عن ذهاب هذه الأموال الى جانب التأكيد على الالتزامات التي يتفق عليها الطرفان في الاليات تصدير نفط الإقليم، اي ان يكون للإقليم مثل الذي لمحافظة البصرة وعليها مثل الذي عليها هذا اذا فكرت الجهات السياسية هنا بعقلية الدولة التشاركية سياسيا واقتصاديا.

أحدث المقالات