9 فبراير، 2025 7:01 ص

السينما الفرنسية (20) جيرار أوري: إن إضحاك الناس مهمة فائقة الجدية

السينما الفرنسية (20) جيرار أوري: إن إضحاك الناس مهمة فائقة الجدية

 

خاص: قراءة – سماح عادل

يقول المخرج الفرنسي “غي لوفران” أنه شديد الاحترام للجمهور، وأنه ضد الابتذال، كما يؤكد على سلطة المخرج في توجيه الممثلين. ويعتقد “جيرار أوري” أن العنصر الأساسي هو الحكاية التي يقصها الفيلم، كما يقدر صعوبة التمثيل السينمائي. ويرى إن إضحاك الناس مهمة فائقة الجدية. ويقول “إيف روبير” أنه يرفض تقديم الأفلام عن المخدرات والمجرمين وعنفهم، ويؤكد على صعوبة تعاطي الفيلم الفكاهي في فرنسا.

نواصل قراءة الكتاب المميز (قرن من السينما الفرنسية.. من خلال اعترافات مخرجيها)، تأليف “إيريك لوغيب”، ترجمة “محمد علي اليوسفي”، حيث يحتوي على عرض حوارات أبرز المخرجين في السينما الفرنسية. لنتعرف من خلال تلك الحوارات على السينما الفرنسية ورموزها واتجاهاتها.

غي لوفران Guy LEFRANC

“غي لوفران” مخرج فرنسي، ولد في باريس سنة 1919. توفي سنة 1994. عمل مونتير، مدير فني، مساعد للمخرجين: جان غريمليون، جان بول لوشانوا، موريس كلوش.

من أبرز الأفلام التي أخرجها: (Knock (اقتباساً عن الكاتب جول رومان، مع لويس جوفيه؛ 1950) قصة حب (1951)؛ رجل حياتي (1951)؛ الكابتن بنطوفلي (1953)؛ حبل في الساق (1954)؛ ابتزاز (1955)؛ عصابة بابا (1955)؛ فرناند الكاوبوي (1956)؛ تابعي الثرثرة يا أرنبتي! (1961)؛ الكوميسار سان انطونيو (1966)؛ بيرو وهؤلاء النساء (1968)؛ مرحباً يا بيرت (1968)؛ الأوفيرني والاوتوبيس (1969)؛ وليكن الانفجار (1970).

احتقار الفيلم الهزلي..

يقول “غي لوفران”عن كيف أتى إلى السينما: “أنا من جيل قيل له لابد من ممارسة مهنة. فاشتغلت بالمونتاج عدة سنوات، ثم عملت مساعداً في الإخراج، قبل الانتقال إلى الإخراج شخصياً. كل ذلك علمني تفادي ارتكاب حماقات. وأخشى أن يكون هذا النوع من التكوين قد ولى وانقضى نهائياً. وفي عصرنا، كان من الصعب جداً على المرء أن يصير مخرجاً”.

وعن ما الذي يثير أسفه أكثر في سينما اليوم يقول: “احتقار الأفلام الهزلية، مع الأسف، رغم أنها تظل النوع الأصعب إنجاحاً. ولعل هذا الأمر يفسر ذاك. فالضحك من أصعب وأدق ما يمكن إثارته وتخيله منذ مرحلة السيناريو. أما سهولة إثارة البكاء فيمكن أن تمر، وتؤخذ على أنها العبقرية ذاتها. يتم احتقار الفيلم الهزلي لعجز عن تحقيقه. والوضع مشابه في المسرح، إذْ يتم التغاضي عن الضحك. والحال أن مسرح البولفار (الشارع) يزخر بنصوص رائعة”.

وعن ما موقفه الشخصي من الجمهور يقول: “في كل فيلم أضفي الكثير من الحب. أنا شديد الاحترام للجمهور. حتى أسلوبي يعتبر في متناول الجميع. غير أنني لا أفكر في الجمهور وقت الإخراج، بل يحدث ذلك أثناء المونتاج. وأكرر بأن السينما الهزلية تمثل نوعاً تنظمه قوانين خاصة. وأحياناً يفاجئك الجمهور بالضحك في مواقع لم تكن تتوقع أن تحدث مثل ذلك الصدى لديه.

إنني ضد الابتذال، لذلك أراقب الممثلين الذين يميلون إلى السهولة. ثمة حدود لا ينبغي تجاوزها. وهنا تبرز سلطة المخرج. وكأمثلة على ذلك، فأنا كلما تعاملت مع لوبولان اضطررت إلى مراقبته كي لا يسقط في المبالغة ويتلقى اللوم والنقد لاحقاً. وحدث أن تخاصمت مع بعض الممثلين. فالممثل فرناند رينو، وبعد الشريطين الأولين اللذين صورناهما معاً، لم يعد يرغب في العمل معي، لأنني لم أكن لأسمح له بإبراز كل “قفشاته” وتكشيراته. وبعد مرور حوالي عشر سنوات، عاد إلي من تلقاء نفسه. كان ممثلاً قادراً على أداء دوره بطريقة تجمع بين التلقائية والحساسية، ويستطيع إضحاك الناس على طريقة موليير، في زمن باتت مرارته تقضي على الضحك.

على المخرج الواعي بمسؤولياته أن يتحلى بالقوة والإمكانيات الداخلية والشخصية لجعل الممثل حراً في البداية، ثم توجيهه تدريجياً نحو تعديل الأداء، بحيث يمكن للممثل الاعتقاد بأنه مكتشف تلك التفاصيل.

تأتي قوتي إزاء الممثلين من صبري اللامحدود، وعدم تحميل الممثل مسؤولية الخطأ. ومن المؤسف أنني لا أتمكن من مصادقة الممثلين أثناء التصوير، لأنني أكون مأخوذاً بعملي”.

رواد التقنية العظام..

وعن طريقته في الإبداع يقول: “كثيراً ما أكتب السيناريوهات بنفسي، ثم أجربها قبل الإخراج. إذْ يتوجب على المخرج أن يكيف أي موضوع سيخرجه، مع مزاجه أولاً. ثم تأتي بعد ذلك، ووفق ترتيب الاهتمام، مسألة اختيار الممثلين المناسبين، والتقنية الملائمة. واعتقد، بالنسبة إلى هذه الأخيرة، أنني امتلكتها امتلاكاً كاملاً. مع أنني أعرف أن صفة التقني الجيد باتت صفة سلبية هذه الأيام.

أستغرب كثيراً مما يكنه البعض من احترام لرواد التقنية العظام، من دون امتلاك جزء بسيط منها، بل مع احتقار هذه التقنية في أعمالهم الخاصة. من المؤسف أن لقطة “الزوم” المشئومة جاءت لتعوّض كل شيء؛ من الموهبة إلى التقنية. وهذا ما يفسر كثرة الناس الذين يقدمون أفلاماً ثم يختفون”.

وعن من يعجبه من المخرجين الآخرين يقول: “يأتي غريميلون في المقدمة. ولقد عملت مساعداً له. كان سينمائياً شاملاً. ويكتب كل شيء بنفسه؛ السيناريو، الحوار، الموسيقى. يضاف إلى ذلك حسن إدارته للممثلين وتقنيته الاستثنائية. كما كان رائعاً على المستوى الإنساني. كذلك تعلمت الكثير من ريمون برنار. كان يدير ممثليه مثل الساحر. أما من بين المحدثين فأنا لا أخفي إعجابي بكلود شابرول، لتحليه بالمزايا المهنية ذاتها.

وبالمقابل لا أكنّ أي إعجاب تجاه روبير بريسون. وأرى أن ما يفعله لا ينتمي إلى السينما، وذلك منذ شريط “نساء غابة بولونيا” وهي المرحلة التي تخلّى فيها عن الاستعانة بممثلين حقيقيين. وهذا، في نظري، لا يدل على رغبة في التجديد بمقدار ما يكشف عجزاً مستتراً عن مواجهة  الممثلين المجيدين لمهنتهم. إنه لا يستخدم المجهولين والنكرات إلا لكونه يستطيع تحطيمهم متى يشاء. وهذا النوع من العلاقات لا يمكن أن يكون مثمراً”.

صنع أفلام “أجنبية”..

وعن أشد المخاطر المحدقة بالمخرج يقول: “بما أنني مخرج فرنسي يتحدث عن السينما الفرنسية، أجيب بأن أكبر المخاطر تكمن في سعي المخرج إلى صنع أفلام “أجنبية”، سواء كانت على الطريقة “الأمريكية”، أو “الإيطالية”، أو “اليابانية” أو “الإنجليزية” أو “الأوروبية الشمالية”… الخطر الثاني هو الطموح الذي لا يتجسد، أو المبالغة في الاستماع إلى “القيل والقال” في الوسط السينمائي”.

 

جيرار أوري Gerard OURY

“جيرار أوري” مخرج فرنسي، ولد في باريس سنة 1919. من قدماء مسرح “الكوميدي فرانسيز”، وممثل سينمائي. عاد سنة 1977 إلى المسرح بنص مسرحي يحمل عنوان: “أوقفْ سينماك”.

من أبرز الأفلام التي أخرجها: (اليد الساخنة (1959)؛ التهديد (1960)؛ الجريمة غير مربحة (1961)؛ الأحمق (1965)؛ النزهة الكبرى (1966)؛ الدماغ (1968)؛ جنون العظمة (1971)؛ مغامرات المرابي يعقوب (1973)؛ الفرار (1978)؛ ضربة المظلّة (1981)؛ آس الآسات (في لعبة الورق) (1983)؛ الثعبان المجنّح (1984)؛ ليفي وغوليات (1986)؛ العطش إلى الذهب (1992).

إدمان السينما..

يقول “جيرار أوري” عن كيف بدأت موهبته السينمائية: “بدأت كمتفرج، لأنني “مجنون” بالسينما. ورغم امتهاني للتمثيل المسرحي في البداية فقد أدمنت التردد على السينما يومياً منذ سن السابعة أو الثامنة. ولإيماني بمفهوم الفرجة الشاملة أرى أن كلاًّ من التمثيل وكتابة السيناريو والإخراج، في السينما كما المسرح، يشكل جزء  من كل متكامل.

ومن تجربتي الطويلة كممثل مسرحي، أدهشتني إمكانيات السينما في نطاق استيعاب كل شيء: من الموسيقى إلى الديكور، من إدارة الممثلين إلى المونتاج. وأجد أنها وسيلة تعبير أشمل من المسرح. ولو عاد موليير وشكسبير، لكتبا للمسرح من دون شك، لكنهما قد يتوجهان للكتابة إلى السينما بوجه خاص. السينما هي الفن السابع. ولهذا فإن أمامها مستقبلاً رائعاً. وكل انتقال من عرض إلى عرض، هو تطور طبيعي بالنسبة لي. إنه تمديد للطفولة بالتمثيل، ويتواصل ذلك عبر الرغبة في سرد حكايات، واختلاقها. وبعد ابتكارها نرغب في إخراجها.

إن التمثيل يشكل خبرة جيدة للمخرج. وهذا ما ساعدني كثيراً، شخصياً. أنا أكن احتراماً كبيراً للممثلين، أحبهم، أعرفهم، أعرف محاسنهم ومساوئهم، قوتهم وضعفهم. وهذا يساعدني على عدم مطالبة الممثل بما لا يستطيع فعله. إذن، وحسب الأهمية بالنسبة للفيلم، أعتقد أن العنصر الأساسي هو الحكاية التي نقصّها. ثم يأتي السعي إلى أفضل توزيع للأدوار، وذلك وفق الأداء. وأخيراً تأتي التقنية لتكون في خدمة ما نريد قوله”.

وعن كيف يختار الممثلين يقول: “ينبغي اختيارهم وفق الأدوار. بعد ذلك نعود إلى مبدأ الدراماتوجيا القديم، أي كتابة الأدوار للممثلين. أرى أن الممثل الجيد في السينما أقدر من الممثل الجيد في المسرح. حتى الدور الصعب جداً في المسرح يكون أسهل من دور بسيط في السينما. فبعد الإخراج المسرحي الجيد، لنص جيد، مع تمرينات متكررة، يصير الممثل على سكة، وما عليه إلا أن يتبعها. لذلك أرى أن التوصل إلى الإتقان، لدى ممثل السينما، أصعب، لأنه عمل متقطع. إن تمثيل دقيقتين على الشاشة يتطلب ثماني ساعات من الجهد على الأقل. وكثيراً ما يؤدى الدور من دون ترتيب متسلسل زمنياً. أفضل العمل مع الممثلين أنفسهم، من دون تغيير. لقد أخرجت ثلاثة أفلام مع بورفيل، وثلاثة مع لويس دي فونيس”.

جنون العظمة..

وعن فيلمه “جنون العظمة” يقول: “إنه فيلم هزلي طبعاً. وأعتقد أنه لا يمكننا تكرار صنع الفيلم نفسه دائماً. وهكذا فإن “النزهة الكبرى” يختلف تماماً عن “الأحمق”، كما أن “جنون العظمة” مختلف عنهما، لاسيما وأن أحداثه تجري خلال القرن السابع عشر. وآمل أن يكون التناقض الواضح بين المواقف والديكورات قدّم خليطاً مفاجئاً ومحيراً”.

وعن اختيار موضوعه يقول: “أتصرف بالغريزة. وأهجم. أتمنى إنجاز العمل بسرعة غير أن المواقف الهزلية لا ترتجل. وقد تحدث بعض المفاجآت من الممثلين، فأسرع إلى تبنيها. كل ما شاهدناه في السينما الهزلية الأمريكية تم التحضير له مسبقاً، من لوريل وهاردي إلى شابلن. إن إضحاك الناس مهمة فائقة الجدية”.

وعن من يعجبه من السينمائيين يقول: “كثيرون: شابلن، كيتون، ماكس ليندر، لوريل وهاردي، وهم الذين طبعوا السينما إلى الأبد. فيما بعد، ظهر لوبيتش. ولا شك أنني نسيت آخرين. إن عطاء الممثل مهم جداً؛ لويس دي فونيس، مثلاً، موهوب وقادر على الابتكار. ولقد توصلنا معاً إلى الكثير من الاكتشافات. وكان ذلك هو الشأن نفسه مع بورفيل. المخرج سيد العمل. ولابد من كتابة الفيلم بكامله”.

وعن اهتمامه بالجمهور يقول: “أوه! نعم. فمنذ سن السابعة عشرة، كنت متفرجاً في اتصال دائم بالجمهور. أنا لا أعمل من أجل مجموعة صغيرة من النخبة. إن أي عمل فرجوي في مجمله- سواء في المسرح أم السينما أم التلفزيون أم الراديو- يتوجه إلى أوسع جمهور ممكن. لا تهمني الأفلام التي لا تخاطب الجمهور العريض. والضحك ليس من خصائص الإنسان فقط بل هو رابط أساسي عالمي أفضل من الدموع”.

وعن الأهمية التي يعطيها للتقنية يقول: “إنها أساسية. غير أن الأهم هو ما يجري أمام الكاميرا، وليس الكاميرا ذاتها. فإذا حدث تناقض بين عمل الممثلين وعمل الكاميرا، وإذا بالغت الكاميرا في الحركة في حين كان الممثلون يؤدون حركات بسيطة، كان الفشل. أعمل مطولاً على كتابة السيناريوهات. وأؤمن بسينما المؤلف. ولا أخشى الورقة البيضاء، ولا الإمكانيات”…

وعن موقفه من الممثلين يقول: “أسعى إلى الجمع بين الجدوى والعلاقة الإنسانية، سواء مع النجوم أم مع المبتدئين. وهكذا لم أمارس أي تمييز في شريط “جنون العظمة” بين لويس دي فونيس، وايف مونتان، وشقيق الملكة فابيولا، ملكة بلجيكا، وبقية الممثلين الثمانية والأربعين. كانوا جميعاً في خدمة السينما التي أنجزها والتي شاهدها ثمانية وعشرون مليون متفرج بين 1965 و 1970″.

وعن أهم ميزة للمخرج يقول: “العمل والإصرار. إذا ثابر المرء في الحفر، لابد أن يعثر على بئر”.

 

إيف روبير Yves ROBERT

و”إيف روبير” مخرج فرنسي ولد في سومور سنة 1920. عمل ممثل في فرقة غرونييه – هوسونو. ومقدّم حفلات في “لاروز روج” (الوردة الحمراء).

من أبرز الأفلام التي أخرجها (الرجال لا يفكرون إلا في ذلك (1953)؛ لم يٌرَ ولم يٌعرفْ (1957)؛ التوقيع أرسين لوبين (1959)؛ عائلة فينويار (1960)؛ حرب الأزرار (1961)؛ بيبر والعربة (1963)؛ الأصدقاء (1964)؛ ألكسندر السعيد (1967)؛ كليرامبار  (1969)؛ الأشقر الطويل ذو الحذاء الأسود (1972)؛ مرحباً بالفنان (1973)؛ الفيل “يخرطم”- يخدع- بشكل هائل (1976)؛ أمجاد أبي؛ قصر أمي (1990)؛ حفلة الطفيليين (1991).

تقديم الفرجة..

يقول “إيف روبير” عن كيف جاء إلى السينما: “اشتغلت عاملاً في مطبعة حتى سن الحادية والعشرين. ولم يتغير وضعي إلا بعد مرور خمسة أعوام على أحداث الحرب. لكنني، قبل السينما، مارست التمثيل مع فرقة غرونييه – هوسونو، ثم عُهد إلي بتقديم البرامج الفرجوية الشاملة في “لاروز روج””.

وعن هدفه كسينمائي يقول: “أنا مخرج لا يسعى إلا إلى تقديم الفرجة. وإذا كنت لا أنظر إلى نفسي بجدية فأنا أحاول ذلك مع مهنتي. أعتقد أننا إذا تجاوزنا مرحلة الفيلم الأول فمعنى ذلك أن الجمهور هو الذي يسّر لنا ذلك. لقد صوّت لك ونصّبك. هكذا أفهم مهنتي. طبعاً أنا أناني لأنني لا أروي إلا ما يعجبني. العاملون في مجالات الفرجة يعتبرون ناطقين رسميين. لاشك أنني سأشعر بالخزي لو لم يعجب بي الجمهور. وهكذا فأنا فخور بما قدمت ولا أشعر بكثير من الخزي. وعلى سبيل المثال، لم أشارك خلال شهر أيار/ مايو 1968 في عملية الاعتراف الشاملة التي قام بها السينمائيون. لم أشعر بالحاجة إلى الدق على صدري وإعلان “خطيئتي””.

وعن أنواع لا تجذبه ولا يقبل بإخراجها يقول: “أرفض إخراج أفلام حول المخدرات أو عصابات المجرمين. حتى لو توافرت لي مراجع مهمة حول ذلك فلن أقدم الكثير. لا أؤمن بمفهوم حاجة المؤلف إلى التجدد المستمر. ولو انطبق ذلك على جون فورد لظل مجرد عامل بالقطعة!”.

وعن إيقاعه الإبداعي يقول: “أحتاج إلى العمل مع زملاء يكونون أصدقاء. هناك أعمال يمكن إنجازها بسرعة، وأخرى تحتاج إلى تأمل طويل قبل الشروع فيها، من دون توخي طريقة الرسام الذي استغرق خمسة عشر عاماً ليرسم وردة!”.

صعوبة تعاطي الفيلم الفكاهي..

وعن أين يضع نفسه يقول: “في فرنسا، يصعب تعاطي الفيلم الفكاهي، أو على الأقل، نوع من أنواع الفكاهة. ويظل الجمهور عرضة لاعتداءات مختلفة، كما بالنسبة لأفلام “البورنو”. ويصعب في هذه الأحوال أن تتم العودة إلى فرض الذوق الفرنسي الجيد. ومع ذلك أنا مقتنع بإمكانية العودة إلى حساسية جديدة. لا أصدق أن الجمهور يتقبل كل أنواع العنف بطيبة خاطر. فما زال في فرنسا ناس كثيرون يعيشون حياتهم بشكل طبيعي. والسينما تتضمن طريقة انتقاء خاصة بها مع مرور الزمن. ولابد أن يبقى ما هو جدير بالبقاء”.

وعن تأثير التلفزيون في السينما يقول: “هذا أمر مؤكد على الصعيد التقني، وخاصة على مستوى الكتابة. إن الحكاية ذات الشكل التلفزي تركت تأثيراً خطراً في المشاهد. لكنها جاءت لصالح المخرج، وعلّمته الجدوى والفاعلية. تذكّر بأن التلفزيون هو الذي وفر لحوالي خمسمائة مليون مشاهد إمكانية رؤية أولى الخطوات التي خطاها الإنسان على سطح القمر، وياله من مشهد جميل!”.

وعن تجربته في التمثيل وهل كانت مفيدة له كمخرج يقول: “بالتأكيد. خصوصاً وإنني كنت أخرج العروض التي أشارك فيها. لكن الاقتصار على التمثيل وحده هو مهنة المرأة. منذ دوري الأول حرصت على أن أكون مخرجاً أيضاً. لا أصدق أن المرء يصير مخرجاً بغتة. للتوصل إلى ذلك لابد من التوصل إلى عدد من الاستجابات والحركات والمعارف الأساسية. ويختلف مخرج أفلام الخيال العلمي عن مخرج التحقيقات مثلاً، وذلك في مجمل المعارف والقدرات. أنا مقتنع بهذه المهنة. وهناك معايير لابد من احترامها. كما أؤمن بجدوى العراقيل التي تجبرك على الكفاح والنصر، في مجال الإبداع”.

وعن من يعجبه من الممثلين الفكاهيين يقول: “كان هناك لوريل وهاردي في المقام الأول؛ ثم تأتي أعمال رينيه كلير الذي أثر في كثيراً، كمتفرج. كذلك تحمست لكل أفلام الكوميديا الأمريكية. لقد شغفت بما كان يقدمه داني كأي كممثل، وارنست لوبيتش كمخرج، والإخوة ماركس في مجال مختلف. ولا يمكنني نسيان لويس جوفيه.

ويبقى جاك بريفير هو الذي ترك أعمق أثر في حياتي. لقد ترك بصماته في السينما كما في الشعر منذ مرحلة ما بعد الحرب”.

وعن تجربة الإنتاج يقول: “تحولت إلى الإنتاج لأكون حراً. في المجال الأول. لكنني أعمل مع آخرين. وهكذا أنتجت “بيار وبول” لرينيه آليو، و”ليلتي عند مود”، و”سبعة أيام في مكان آخر”… وأختار جيداً من سأنتج له، مثل ايريك روهمر الذي أحبه كثيراً. يستغرق الفيلم سنة ونصف السنة على الأقل. إذْ أنني أتولّى كتابته وتصويره، وبصفتي منتجه أتولّى أيضاً الاهتمام بإطلاقه وإشهاره”.

وعن رأيه في النقد السينمائي يقول: “أعتقد أن النقاد ضروريون ما داموا يتحلون بالنزاهة. أجد لهم الكثير من الأعذار. أمامهم وقت قصير وحيز قليل للتعبير. إنها مهنة صعبة. والجريدة التي يتعاملون معها تؤثر في آرائهم. وأنا شخصياً لا ألومهم إلا على عيب واحد- إذا كان من عيوبهم- وهو الرضا عن النفس والجمل الجاهزة.

النقد المثالي، في حالتنا، هو الذي يقدم لنا نصائح. وليس من السهل طبعاً، أن يعبر الناقد، في مقال يقرأ خلال دقيقة ونصف، عن رأيه في فيلم استغرق عرضه ساعة ونصف الساعة. لكنني في الواقع أثق برأي الجمهور أكثر من رأي النقاد. وهذا يفسّر انزعاجي من العرض الأول للفيلم”.

 

وعن كيف تقتبس من كاتب شهير يقول: “في مثال “ألكسندر السعيد” لم يكن الاقتباس صعباً. عملت بمساعدة جان لو دبادي على تحويل هذه المسرحية إلى فيلم. ومن المعروف أن الأحداث، عند المؤلف مارسيل إيميه تنفجر داخل وحدتي الزمان والمكان تحديداً. حافظنا على ما نسبته 97% من الحوار الذي وضعه مارسيل إيميه، وهو الحوار الذي قاد عملنا. وينبغي التأكيد أن هناك ألف إمكانية، في أعمال مارسيل  إيميه، للخروج من الإطار، أي من الشكل الأصلي. وهكذا صار يوجد خمسة وتسعون مكاناً مختلفاً في “ألكسندر السعيد” والحال أن المسرحية الأصلية لا تتضمن إلا مكانين فقط”.

وعن إلى أي صنف تنتمي أفلامه يقول: “أحب سرد الحكايات وتسلية الآخرين. وأفلامي تنتمي إلى صنف لا يوجد بصفته التي أذهب إلى تسميتها بـ “كوميديا المقلب”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة