19 ديسمبر، 2024 12:17 ص

هل كان النظام المعرفي معرفياً؟

هل كان النظام المعرفي معرفياً؟

تقول هذه الأزمة التي تعصف بالعالم أن الاقتصاد المعرفي لم يكن معرفيا وأن أدواته ووسائله التكنولوجية كانت مهمتها الحصول على الأموال من خلال السلع الاستهلاكية التي كانت توفرها للعالم، ولم يكن لديها أدنى انشغال أو اهتمام بالبحث العلمي أو المعرفة وتسويغها للناس من أجل تحقيق اهداف التنمية المستدامة، ماذا ستفعل تلك الشركات مثل أمازون الآن أو جوجل أو فايسبوك لعلاج فيروس كورونا وما جدوى تلك الأموال الطائلة التي اكتسبتها في مواجهة هذه الجائحة؟!.
إن نجاح أي نظام مرهون بنجاحه في تحقيق أهدافه الجوهرية، وما من نظام، بالضرورة، إن كان اقتصادياً، إلا وفي أولويات اهدافه هدف القضاء على الفقر، وحالما يبتعد عن هذا الهدف يكون سقوطه مسألة وقت لا أكثر.
ويمكن القول أن النظام المعرفي الذي قام على انقاض الأنظمة السابقة بنيوية شكلية، و اشتراكية، وصناعية، وزراعية، قد جلب معه اقتصادا معرفيا لكنه فشل في أن يكون معرفيا، وظل امتدادا لمخلفات نظام العولمة، كما يثبت ذلك ابتعاده عن الهدف الجوهري الذي سقطت كل الأنظمة السابقة بعد ابتعادها عنه، وهو هدف القضاء على الفقر.
إن فشل الاقتصاد المعرفي الحالي عن إيجاد حلول علمية لمواجهة الأزمة التي يمر بها العالم، يثبت أن العالم يعيش في عصور الأساطير والشعوذة والخرافات، حتى ولو بدت جهوده مكرسة في خدمة الأشكال المعرفية إلا أنها بعيدة كل البعد عن خدمة مضامينها وأهدافها الجوهرية، كما يثبت أن إيجاد اقتصاد نوعي جديد هو الحل الوحيد لإنقاذ البشرية، ليس فقط من الكساد ولكن للبقاء.
لقد اثبتت الحوادث المتوالية التي يواجهها العالم اليوم وآخرها فيروس كورونا أن الحديث عن مجتمع المعرفة والحديث كذلك عن المجتمع الحكيم الذي سيلي مجتمع المعرفة كنوع من الاستشراف للمستقبل هو حديث لا يعبر إلا عن مثالية سهلة في الحديث عنها، ممتنعة في تحقيقها، ولا يصح بأي حال الحديث عنها، لإن “فاقد الشيء لا يعطيه” فإذا كان النظام قبل كورونا يسمى معرفيا فأين هي المعرفة التي افتقدها العالم وهو في أمس حاجة لها لتنقذه من ويلات الفايروسات والأمراض، هل هي معرفة الوصول إلى القمر؟ أم معرفة شركات التكنولوجيا العملاقة؟ أم معرفة صناعة الأسلحة بكل أنواعها أم غير ذلك من معارف؟ وإذا كان كل ذلك من مظاهر عصر المعرفة وتمثيلا حقيقيا للنظام المعرفي وتعبيرا عنه فلماذا عجزت تلك المعارف عن مواجهة فيروس كورونا بجدارة طيلة عامين في حين أنها قادرة على الوصول إلى القمر وغزو الفضاء وتحويل العالم إلى قرية صغيرة بفضل التكنولوجيا!؟، بالإضافة إلى أن الغايات الجوهرية للنظام المعرفي بشكل عام لم تتحقق، بل زاد الابتعاد عنها أكثر من ابتعاد الأنظمة السابقة عنها، فكان الفشل هنا مركباً من فشلين، الأول فشل إثبات أن النظام المعرفي أكثر جدوى من غيره من الأنظمة، والفشل الثاني فشل تحقيق الغايات الجوهرية للنظام.
لقد ظل الاقتصاد المعرفي منذ بداياته يقتات على الأفكار القديمة ويعبر عن امتداداتها في تفاصيل مخرجاته وحلوله، وبدلا من أن يقضي على مظاهر الكساد والبطالة والفقر التي جادت بها الأنظمة السابقة زاد من اتساع رقعتها، فكانت انتاجاته وابتكاراته وكل أدواته وسيلة لإقصاء وحرمان الملايين من أعمالهم ووظائفهم، ولو أنه حافظ على تلك النسبة من الفقر والكساد والبطالة في المجتمعات مثلما كانت عليه في الأنظمة السابقة لكان في ذلك صوناً لماء الوجه بدلا من سياسته التي تتجلى في ابتكاراته ووسائله في التعامل مع المشكلة والتي يثبت المشهد العام أن الحل الذي وفره هذا النظام للقضاء على تلك الظاهرة هو القضاء على الفقراء بدلا من القضاء على الفقر.
لقد كانت الأيادي العاملة بعيدة كل البعد عن حسابات المراكز البحثية والإبتكارية وهذا البعد مثّل فجوة سحيقة بين النظام المعرفي والغاية الجوهرية وهي القضاء على الفقر، فعمل ذلك على زيادة نسبة الفقر والكساد والبطالة، كما عمل على خدمة الرأسمالية، فكان كأنما أعاد بذلك بعث عهود الاقطاعيين في العصور الوسطى المظلمة.
إن السؤال الذي يمكن أن تصيغه هذه المرحلة هو: إذا كان العقل الجمعي قد أختلف وأولويات الناس ستختلف فيما بعد الكورونا فهل ستختلف أولويات الحكومات فيما يخص البحث العلمي؟؟