كل المدن و البلدان في العالم يطالها التبديل و التغيير إن في طبائع اهلها او في تقاليد شعبها ، او في محاسنهم نقصانا او في معايبهم ازديادا مع الزمن ، و هذه سنة في الكون، الا هذه المدينة من جنوب العراق ، لعل ذلك ات من انها اول مدينة بنيت للانسان كما يظنون ، او لان اهوارها و انهارها منذ الخليقة ، او لاسباب اخرى لانعرفها.
و لكن الذي نعرفه و نراه انهم و منذ القدم اهل
الحضارة و مازالوا ، و اهل الفن و قد برعوا و طالوا ، و اهل الشعر و قد ابدعوا و قالوا ، و اهل الشجاعة و الكرم فما نزعوا عنهما و لا مالوا ،
الغيرة و (الهوسات) و الحمية و الثورات ، حتى اعتى عصابة في تاريخ البشر (عصابة الخضراء) في ايامنا ، تلك المدفوعة من اقوى الامم الشريرة ، و المدعومة من اقسى حكومة خفية في التاريخ لم تردعهم او تمنعهم او تخدعهم .فلازالت الناصرية تقضّ مضاجعهم و تنغّص عليهم امانهم حتى عندما يستسلم الاخرون من حولها او يستريحوا او يعجزوا .
لم يثنهم حب المذهب عن ولاء الوطن فلم تنطل عليهم خدع الجارة الافعى المتلبسة بثياب الصديق .
كانت الناصرية صاحبة اول “يوم ينتصف فيه العرب من العجم” و يلحقون بهم الهزيمة النكراء ، و يصمونهم بالعار ، و يعودون بالعز و الغار في
معركة (ذي قار) .
و اول من وضع في قاموس العرب ان قتال الفرس من الموجبات للعرب على الدوام و من الوصايا التي يوصيها الاب لابنائه قبل موته كمثل توصيته بقرى الضيف ، و كان كل ذلك حتى قبل بزوغ فجر الاسلام العظيم ، يقول الاعشى الكبير في ذلك :
إن الأعز أبانا كان قال لنا،،،، أوصيكم بثلاث إنني تلفُ
الضيف أوصيكم بالضيف إن له ،،،،حقاً عليّ فأعطيه وأعترفُ
والجار أوصيكم بالجار إن له ،،،، يوماً من الدهر يثنيه، فينصرف
وقاتِلوا القوم ان القتل مكرمة ،،،،إذا تلوى بكف المعصم العرف
ثم يعقب على التوضيح :
وجند كسرى غداة الحنو صبحهم ،،،،منا كتائب تزجي الموت فانصرفوا
و في معنى الرعب الذي دب في قلب الفرس يقول:
لما التقينا كشفنا عن جماجمنا،،،، ليعلموا أننا بكر فينحرفوا
فاجتمعت قبائل العرب في تلك المدينة الماجدة و فعلت:
جحاجح وبنو ملك غطارفة،،،، من الأعاجم في آذانها النطف
إذا أمالوا إلى النشاب أيديهم،،،، ملنا ببيض فظل الهام يختطف
وخيل بكر فما تنفك تطحنهم،،،، حتى تولوا وكاد اليوم ينتصفُ
لو أن كل معد كان شاركنا،،،، في يوم ذي قار ما أخطاهم الشرفُ
فسقيا لاهل ذي قار و طوبى لسعي رجالهم الشم ّ