أشارت مؤلفة الكتاب المرحومة المستشرقة الميرا علي زاده الى اسماء عشرات الادباء والباحثين العرب في الجزء الثاني لكتابها الموسوعي – الادب الروسي والعالم العربي , وقد ذكرنا بشكل سريع جدا بعضهم في مقالتنا التعريفية لذلك الكتاب , وهم – ( طه حسين وسامي الدروبي وحياة شرارة , وهي اسماء اخترناها بشكل رمزي و دقيق جدا ! ) , ونودّ في مقالتنا الثانية هنا ان نتوقف عند الاسماء الاخرى قدر الممكن في اطار المقالة . الاسماء المصرية , او التي هاجرت الى مصر , تأتي في الصدارة ( وكلنا فتحنا أعيننا ونحن نقرأ الكتابات الابداعية لتلك الاسماء) , وكذلك جاءت طبعا اسماء الادباء والباحثين من لبنان وسوريا والعراق وبقية البلدان العربية, ونحاول تعريف القارئ العربي قليلا بما كتبت المستشرقة عنهم , اذ ان التوقف عند هذه الاسماء وكتاباتهم حول الادب الروسي ( حتى بايجاز شديد ) يكشف لنا ملامح الصورة المتكاملة بشكل عام لمسيرة الادب الروسي في عالمنا العربي , وهي مهمة واسعة المعالم ومتشعبة جدا , وقد حاولت المرحومة الميرا علي زاده الاحاطة بها – وباخلاص – في كتابها المذكور, وتوقفت – وهي على حق – عند بعض ادباء روسيا الكبار في القرن التاسع عشر فقط .
يتناول الكتاب – كما أشرنا في مقالتنا الاولى – موقف الادباء والباحثين العرب بالنسبة لأديبين كبيرين من روسيا هما تولستوي ودستويفسكي , ولا يمكن الحديث المتكامل عن هذين الاديبين سوية وما كتبه العرب عنهما , لهذا فاننا سنتحدث قليلا في هذه المقالة عن تولستوي فقط , ونأمل الحديث عن دستويفسكي في مقالة اخرى مستقلة لاحقا.
تشير المؤلفة في الفصل الاول حول هذا الكاتب الكبير , الى ان العرب عرفوا تولستوي اثناء حياته ومنذ نهاية القرن التاسع عشر فصاعدا , واصبح تولستوي بالنسبة للعرب (… فيلسوفا ومفكّرا … حول قضايا ملتهبة …لازالت مطروحة لحد الان في العالم العربي …) , وهذه ملاحظة مهمة جدا و رائعة في نفس الوقت من قبل مؤلفة الكتاب , ملاحظة تكاد ان تكون مجهولة للكثيرين لنا , نحن العرب , وكذلك للروس ايضا ( وكم اصطدمت { نعم اصطدمت !!!} في مسيرة حياتي بعرب وروس حولي يجهلون ذلك ولكنهم – مع هذا – يتحدثون بثقة {مطلقة!!!} حول الموضوع ). تستشهد المستشرقة لتأكيد ملاحظتها هذه بمجلة (المقتطف ) القاهرية , التي نشرت مقالة في شهر كانون الثاني ( يناير ) لعام 1888 ( ونؤكّد على عام 1888 , اي قبل وفاته بعقدين ونيّف من السنين , لأن تولستوي توفّي عام 1910 !) تحت عنوان – ( الكونت تولستوي الروسي ) , وتتضمن المقالة هذه تلخيصا وافيا جدا لما كتبه الباحث الامريكي جورج كينان عن رحلته الى روسيا وبعنوان – (في ضيافة الكونت تولستوي) , حيث كان في ضيعة تولستوي ياسنايا بوليانا , وبقي في ضيافته هناك يوما واحد باكمله معه , وذلك بتاريخ 17 حزيران 1886 , ونشر انطباعاته عن هذا اللقاء في نيويورك عام 1887 , وقد ركّزت مجلة المقتطف على جانب مهم جدا من افكار تولستوي التي وردت في تلك المقالة, والتي تتحدث عن اهمية المقاومة السلمية فقط , اي عدم مقاومة الشر بالعنف , لأن العنف سيكون بلا فائدة , بل و سيخلق عنفا مضادا للعنف السابق ليس الا , وهي الافكار التي كان يدعو لها تولستوي طوال حياته , والتي تأثّر بها الزعيم الهندي غاندي بعدئذ ( انظر مقالتنا بعنوان – تولستوي وغاندي) و استخدمها – بنجاح وابداع – في نضاله من اجل تحرير الهند من الاستعمار البريطاني كما هو معروف.
تتوقف المؤلفة بعدئذ عند اسماء اخرى في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 , وهي اسماء كثيرة و كبيرة , مثل الزيّات و جرجي زيدان واحمد شوقي وحافظ ابراهيم و الشرقاوي والزهاوي وجبران و..و..و .., وتوجد كذلك بعض الاسماء , التي اصبحت منسيّة او شبه مجهولة للقراء المعاصرين , مثل فرح انطون ( 1874 – 1922 ) , الصحافي والروائي والفيلسوف والكاتب المسرحي والشخصية الاجتماعية والسياسية , الذي هاجر من لبنان الى مصر عام 1897 وبقي هناك الى وفاته , وقام بنشاطات فكرية متنوعة , منها اصدراه مجلة ( الجامعة ) لأكثر من عشر سنوات , وتعرض المستشرقة آراء هذا المثقف الكبير حول تولستوي , وتكرّس له عدة صفحات من كتابها , وتترجم مقاطع مهمة مما كتبه حول تولستوي وفلسفته .
هناك اسماء عربية كثيرة جدا ترتبط بتولستوي , توقفت عندها الميرا علي زاده في كتابها الموسوعي الكبير هذا , وهي تستعرضهم منذ نهاية القرن التاسع عشر والى بدايات القرن الحادي والعشرين , ولكن , ومن اجل ان يكون ختام حديثنا (مسك !) , نريد ان نتوقف قليلا في نهاية مقالتنا الوجيزة هذه عند اسم قريب جدا من قلبي وعقلي , هو المرحوم أ.د. محمد يونس , صديقي منذ دراستنا الجامعية في ستينيات القرن العشرين بجامعة موسكو , وزميلي – ولسنين طويلة – في العمل معا في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد . لقد أشارت المستشرقة بمكانة محمد يونس في الدراسات العربية حول تولستوي ومساهماته العلمية في تعريف القارئ العربي باهمية هذا الكاتب الكبير , وذكرت عنوان اطروحته التي ناقشها في جامعة موسكو عام 1972 حول تولستوي في الادب العربي الحديث, واستشهدت بمقطع من مقالته المنشورة في مجلة الاقلام عام 1969 , وذكرت كتاب ادينوكوف حول تولستوي الذي ترجمه عن الروسية , واعتبرت كلمات محمد يونس عن مكانة تولستوي في العالم العربي ( تنبؤ ية !) .لقد شعرت بالفخر والاعتزاز وانا اقرأ ما ذكرته الميرا علي زاده عن محمد يونس , وقلت بيني وبين نفسي , كم هو رائع ان يحظى محمد يونس بهذا التقديرالكبير و العميق من قبل مؤلفة هذا الكتاب الموسوعي الصادر في موسكو عن اكاديمية العلوم الروسية عام 2020 , وتذكرت بحزن , كيف انني دعوت وكتبت – ولعدة مرات – ان يكون المرحوم محمد يونس وبحوثه وكتبه ومقالاته حول الادب الروسي موضوعا لكتابة اطروحة ماجستير في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , حيث عمل هناك عشرات السنين , ولكن ….. …
وابتدأ بالعراقيين , وهم ( حسب حروف الهجاء طبعا ) – ادمون صبري // اكرم فاضل // جميل نصيف // حياة شرارة // ذو النون ايوب // ضياء نافع // عامر عبد الله // عباس خلف // عدنان رشيد // علي الشوك // فالح الحمراني // محمد يونس // محمود احمد السيد // نجيب المانع .